حدث في شارع التحلية

<a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a>

على مقهى في شارع التحلية جمعتني دعوة كريمة مع الشاب سليمان للاجتماع والعشاء والسواليف، وسليمان هذا شاب في الثلاثينيات من العمر، عرفته شاباً مكافحاً نحت مستقبله في الصخر وأسس شركته التي تعمل في التجارة حتى أصبح يشار إليه بالبنان في تجارته، جئت بطلب منه لتقديم المشورة - المجانية طبعا- حول خطته التوسعية ومستقبل عمله، فاجأني عندما أسر لي بأمرين الأول رغبته في إيقاف نشاطه المحلي! ورغبته في الانتقال بنشاطه إلى خارج المملكة وتحديدا إلى دبي!! والثاني أنه في دبي قد يتحول إلى المتاجرة بالعقارات!!
بالنسبة لي كان الخبر كالصاعقة، لأني كنت ومازلت أضرب المثل بسليمان كشاب سعودي مبادر عصامي طموح مبدع استطاع خلال سنوات قليلة أن يكون قيمة مضافة في مجتمعه واستطاع أن يغير مفاهيم كثيرة في مجال نشاطه، وأعتبره من قصص النجاح التي أعتز بها للشباب السعودي وأتمثلها في كثير من المحافل.
خيراَ يا سليمان الحكيم، ما الذي حدث؟ ما الذي يجعلك تتخذ مثل هذه القرارات المفصلية؟ رد علي: لو كنت مكاني ماذا تفعل؟ مجتمع الأعمال والمستثمرين محاصر بمشاكل كثيرة تبدأ ولا تنتهي .. وتزيد ولا تنقص .. وبدأ يقص معاناته اليومية .. فهذي وزارة التجارة لا تشيل ولا تحط، وانتظر شهرين عشان تختار لك اسم، ووزارة العمل تحفر ولا تدفن، حتى لو موظفيك كلهم سعوديون، والبلديات الفرعية تأخذ ولا تعطي والله لا يجعلك تطيح في يد واحد من اللي إياهم، والبنوك مثل المنشار طالع واكل نازل واكل، وإذا ابتلاك الله ووصلت المحاكم فأنت مثل الأطرش في الزفة حتى يصدر الحكم، والله لا يوريك إذا كتب لك أحد شيك بدون رصيد فأنت في دوامة وضايع بين الحكم والتنفيذ ورح دور على الرجال، حتى انك إذا احتجت لاستقدام خبير عاملوك كأنك مستقدم مجرم والأصل أنك متهم.
أما في دبي (والكلام ما زال للحكيم سليمان) فأنت من أول لحظة تعرف اللي لك واللي عليك، والنظام واضح للجميع وعلى الجميع، واللي يأخذ منك شهر هنا يخلص في يومين هناك، ولا فيه فوق الطاولة وتحت الطاولة لأن ما فيه طاولة أصلاً، واستقدم على كيفك مادام شغلك يتطلب وإذا كان خبير زائر فتأشيرته جاهزة في المطار، والمحاكم لا تسأل عنها لأنك لن تحتاج إليها، وتعال أتفرج على اللي يحصل للي يتجرأ ويكتب شيك بدون رصيد، أما التمويل فالبنوك تطير بك وتشيلك من الأرض شيل وهم اللي يلاحقونك عشان يمولون مشروعك، هذا في النشاط التجاري فكيف إذا أصبح نشاطك في العقارات.
قلت لصاحبي حشا هذا ولا في المدينة الفاضلة عند أفلاطون وسقراط وشلتهم، لو أنني لا أعرف دبي ولم أعمل فيها لصدقت كلامه، أما ما قاله عن واقعنا فهو للأسف صحيح وقد يكون بعض الحقيقة وليست الصورة الكاملة، ولكني ضد تسطيح الأمور وتصوير دبي وكأنها الفردوس المفقود لرجل الأعمال, كثير مما قاله عن مزايا الاستثمار في دبي صحيحة ولكن ليست بهذا الإشراق، الحقيقة الرئيسية في دبي أنها تجاوزت العراقيل الحكومية، لتعمل كشريك لرجل الأعمال وليس كند له، أدارت أعمالها كشركة تعمل في القطاع الخاص فنجحت، جعلت موظفيها يؤمنون بالولاء لها وأن بقاءهم مرهون بخدمتهم للمراجعين، ضربت حكومة دبي بيد من حديد على كل من تسول له نفسه عرقلة المستثمرين ورجال الأعمال، وأخيراَ لم تعين الفاسدين مستشارين.
سليمان مثله مثل الكثير من شباب ورجال الأعمال الممارسين، الذين يحبون وطنهم ويرغبون في الاستثمار فيه، والتضحية بالكثير من المكاسب الإضافية من أجله، ولكن ليس على حساب رزقهم وكسبهم وكرامتهم.
إن الدولة مطالبة بتغيير هذا الواقع الطارد للمستثمرين، وهو العامل الرئيسي الذي يحول رجال وشباب الأعمال من مستثمرين إلى مضاربين في سوق الأسهم، بدلا من أن يكونوا بناة للاقتصاد وأعمدة للاستثمار في وطنهم.
وحين نقول الدولة فإننا نقصد أبناء المجتمع الذين يشكلون هذه الدولة بجميع فئاتهم، موظفين ومستثمرين، رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، فما من رشوة تدفع إلا ولها يدان، ولا واسطة إلا ولها طرفان، فإذا أصلحنا أنفسنا وأسرنا وبيئتنا صلح مجتمعنا .. فلنبدأ بالأقرب فالأقرب. وليكن هدفنا الجيل المقبل أما نحن .. فعلينا السلام.
والسلام على سليمان حتى بزوغ فجر قريب .. بإذن الله.
<p><a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي