المفوضية الأوروبية تواجه الحكومات لتغيير سياساتها تجاه المستثمرين الأجانب

المفوضية الأوروبية تواجه الحكومات لتغيير سياساتها تجاه المستثمرين الأجانب

تخطط مجموعة إيون العملاقة لتوزيع الطاقة، ومقرها مدينة دوسلدورف الألمانية، لشراء مجموعة التوزيع الإسبانية "إنديسا" مقابل 29 مليار يورو. لكن المستهلكين ينظرون بشك حول إمكانية انتفاعهم من شركات الطاقة الأوروبية العملاقة، حيث يخشى كثيرون من أن تؤدي خطط توسع مجموعة "إيون" إلى ارتفاع جديد في الأسعار. ومن وجهة نظرهم، فإن مقاومة الحكومة الإسبانية للصفقة، والمقتصرة حتى الآن على مجرد التصريحات، لا تلحق أي ضرر بمصالح المستهلكين. إلا أن المفوضيّة الأوروبية ترى الأمور على نحوٍ آخر، فقد ألحّ رئيس المفوضية خوزيه مانويل باروزو على إيجاد سوق أوروبية مشتركة للطاقة، بينما هدد تشارلي مكريفي مفوّض السوق المحلية، مدريد بالبدء في اتخاذ إجراءات احتجاج بسبب خرقها اتفاقية الاتحاد الأوروبي لمعارضتها للصفقة.
وقد يبدو صعبا من الوهلة الأولى فهم التعامل التفضيلي لأحد عمالقة الطاقة الجدد عن طريق الاتحاد الأوروبي. ومن ناحيتها، أكّدت بروكسل مباشرةً أن إجراءات تحرير سوق الطاقة والغاز التي بدأت منذ عام 1998 لا تزال تشير إلى نقص حاد في القدرة التنافسية، ففي أغلب الدول ترتفع أسعار الطاقة والغاز على نحوٍ كبير وغير ضروري، والسبب يكمن وراء فرض بعض العقبات من قبل شركات التزويد الكبرى أمام المشاركين الجدد في السوق. ومن ناحية أخرى، تُبقي المفوضية الأبواب مفتوحة أمام شركة إيون، والتي تنوي تحقيق أكبر مجموعة شركات لتزويد الغاز والطاقة في المجتمعات الأوروبية كافة، عن طريق الاستحواذ على إنديسا.
وفي الحقيقة تُعد شركة إيون شريكاً جيداَ لبروكسل، لأن مجموعة الطاقة الألمانية تدعم المفوضية لدى تفعيل تصورات السوق المشتركة للطاقة والغاز. ولكن جاء عرض الاستحواذ بصورة مبكّرة، من حيث المنافع، التي من المفترض أن تقدمها مثل هذه السوق التي تضم المنافسة الحرة والقوانين نفسها من البرتغال حتى بولندا، ومن فنلندا إلى صقلية، والتي لا يمكن إدراكها حتى اليوم في أسواق التزويد الوطنية.
ويُفترض تحقيق هذه السوق عبر مرحلتين، حيث ترى بروكسل ضرورة فتح أسواق التزويد بالطاقة كليا حتى عام 2007. وحسب ما تشير إليه توقعات فترة التسعينيات، لا بد من النمو حتى عام 2010 بالأسواق الوطنية معاً لتصبح سوقاً مشتركة، وتحت إشراف سلطات التشريع الوطنية، ولا بد من التأكيد في غمرة المرحلة الأولى، على أن لكل فرد في أي دولة من دول الأعضاء حرية البحث عن المزوّد المناسب بالنسبة له.
والأكثر أهمية في هذا الشأن، ما يُسمى "التفكيك القانوني" legal unbundling، والمقصود به فصل شبكات النقل في السوق بأكملها التابعة لشركات التزويد، وبالتالي لا بد من التأكيد على ألا يستخدم أحد شبكته بهدف تطوير إنتاجه ومصنعه. وأكثر من هذا، لا بد أن تحظى الشركات المنافسة بمدخل إلى قاعدة المستهلكين مقابل تكاليف النقل نفسها، وكذلك الشركات المالكة للشبكات. وعندما يتم الوصول إلى تلك المرحلة، يمكن للمناطق إقامة سوق أكثر شمولية وموازنة، تحتوي على قدرة كامنة ثرية حسب قوانين العرض والطلب.
وتُعد خطوات التقدّم في المرحلة الأولى متباينة إلى حدٍ كبير. فبينما بلغت بريطانيا مرحلة متقدمة لا تزال فرنسا تتردد لفتح السوق لمختلف المجموعات الاستهلاكية المتنوّعة حتى آخر لحظة. وفي ألمانيا قامت الحكومة بتجاوز حدود محتكري الطاقة مباشرةً وتركت منذ فترة طويلة التصرّف حرا حسب رغبة المزوّد. وخلال الأعوام الماضية، مُنع المشرعون من التدخل في هذا الشأن الذي أصبحوا يتدخلون فيه حاليا بهدف تأمين دخول المشاركين الجدد إلى اقتصاد التوزيع القائم، فيما يتعلّق بشبكات النقل، ضمن أسعار عادلة.
وتتضمّن المرحلة الثانية حسب رؤية المفوضية الأوروبية حدوث تداخل فيما بين الأسواق الوطنية المتحررة ضمن نطاق سوق واحدة مشتركة. وبناءً على تصورات المفوضية، لا بد من تبادل 10 في المائة من الطاقة المُنتجة بين الدول المجاورة. ويُعد هذا الربط الطبيعي مهماً جداً للسوق الحرة، مثل المدخل الخالي من التفرقة إلى تلك الشبكة. وعليه تكمن التحديات الكبرى في هذه المرحلة بكل ما يتعلّق بالتقنية، حيث لا بد من تعزيز مناطق الاختناقات الضخمة الموجودة اليوم لدى نقاط الاتصال على الحدود، ولا بد من بناء ما يمكن أن يسمى "قطارات الطاقة" المخصصة للنقل الأوروبي.
ويوجد حالياً بعض التجاّر مثل شركة دويسبورجر Duisburger PCC، وهي مسجّلة في أكثر من بورصة أوروبية للطاقة، وتقوم بنقل الطاقة في 16 دولة، ولكنها تشتكي سعات تجاوز الحدود الضئيلة، حيث ترغب شركة PCC بشدة في استيراد المزيد من الطاقة البولندية، بما أن تكلفتها تبلغ نحو الثلث فقط من تكلفة الطاقة الألمانية، ولكن هذا بالكاد يكون مجدياً، إذ حسبما ورد عن بيتر فينزيل من مجلس إدارة مجموعة PCC، أن منافع التكلفة تلك تلاشت مع ارتفاع سعات النقل الحدودي إلى حد كبير.
وفي المقابل، فإن أسعار الطاقة في النمسا تتماثل مع تلك المطروحة في ألمانيا تقريباً، بما أنه يوجد سعات كافية ضمن نطاق المبادلة الفيزيائية فيما بين هذين البلدين المتجاورين، وتنساب الطاقة بكميات كبيرة في كلا الاتجاهين، وهذا يُشجّع بروكسل على تحقيق مجتمع مشترك. ومن المفترض توفير حجم من السيولة والشفافية في الشبكات القارية الجديدة المخصصة لسوق الطاقة عن طريق النشاطات التجارية المتنامية. وهنا تستلزم البنية التحتية للشبكة الضرورية استثمارات تبلغ تكلفتها المليارات.
ولكن لا يُعد التمويل المشكلة الحقيقية، حيث من الممكن إيجاد مؤسسات تمويلية. ولكن تظهر المسائل منذ البداية، فمن يتصوّر بناء قناة ذات فولتات عالية من ألمانيا إلى إسبانيا لا يكفيه وجود شركاء تجاريين في النقاط النهائية، إذ عليه أيضاً التعاقد مع شركات في مناطق العبور.
وبالنسبة لتجّار الطاقة المتحررين، وكذلك محطات توليد الطاقة الكهربائية الكبرى، فإن هذا المبلغ يُعتبر كبيراً للغاية، حتى لو كانت ستستفيد نفسها من مثل هذه الشبكات.
ويُدرك الاتحاد الأوروبي، أنه غير قادر على تحقيق تصوراته على أرض الواقع، إلا عن طريق تشكيل جماعات مشتركة من مجموعات شركات الطاقة ضمن نطاق موسّع. ويبدو الأمر الآن وكأن السوق المشتركة للطاقة لا يمكن أن تتحقق في الفترة الزمنية المُخطط لها، فإذا فشلت المفوضية الأوروبية في مواجهة سياسة الحماية التي تمارسها بعض الحكومات ضد المستثمرين الأجانب في الدول الأعضاء في قطاع الطاقة، حينها يمكن للمفوضية أن تضع جميع تصوراتها حول سوق الغاز والطاقة المشتركة في ملفات تحتفظ بها حبرا على ورق في إحدى خزاناتها العديدة.

الأكثر قراءة