حمى الاندماجات الأوروبية تمتد بسرعة إلى البنوك

حمى الاندماجات الأوروبية تمتد بسرعة إلى البنوك

يوجد في منطقة اليورو حاليا نحو 6200 بنك يوجد ثلثها تقريبا في ألمانيا وحدها، ويقل هذا العدد بنحو ألفي بنك على الأقل عما كان عليه الحال قبل نحو سبعة أعوام وقت إطلاق العملة الأوروبية الموحدة. ويعد هذا دليلا على تطور ونمو حمى الاندماجات في أوروبا لتشمل أيضا قطاع البنوك.
ولكن إذا قمنا بتقديرات أكثر دقة في هذه السوق، يمكن القول إنها بالكاد شهدت أي تغيّر فعلي، فعمليات الاندماج حدثت على الأخص ضمن فئات الصناديق المالية الصغيرة والبنوك التعاونية في الأسواق الدولية، وبقيت عمليات الاندماج المتجاوزة لحدود الدول أمراً نادر الحدوث. ويُعزى هذا إلى محدودية القدرة الكامنة الناتجة عن الاندماجات بعد أن فرض سياج حماية خفي على المؤسسات المالية في بعض الدول الأوروبية، رغم أنه لم يتم إعلان هذه الإجراءات. وعادة ما يتملّك الساسة شعور لا إرادي غير مفهوم بأن دولتهم تفقد استقلاليتها إذا وافقت على تسيير أحد بنوكها المحليّة برأسمال أجنبي، ولهذا يعملون على تشجيع مراقبي البنوك لديهم لإبقاء الأجانب بعيداً.
ولعل أبرز مثال على هذا ما قام به أنطونيو فازيو محافظ البنك المركزي الإيطالي السابق، الذيتوجب عليه التخلي عن منصبه مع نهاية العام الماضي، وتخلى خليفته ماريو دراجي عن أساليب التدخل المباشرة في القطاعات البنكية ليتقدم بنك ABN Amro الهولندي طابور الراغبين في شراء بنك أنتونفينتا الإيطالي. كما فتح الطريق أمام بنك باريباس BNP Paribas الفرنسي لشراء أسهم بنك هاوروك التي يتنافس على شرائها أيضا بنك العمل الوطني الإسباني BBVA. وهنا يدور الأمر ببساطة حول بنكين متوسطي القوة.
ولا تزال التجارب والاختبارات تبرز بقوة في إيطاليا، وخاصةً عندما يكون الحديث عن تقديم عرض لأحد البنوك الثلاثة الرائدة، مثل بنك يونيكريديت Unicredit. ولكن كيف تتصرّف الحكومات في كلٍ من مدريد أو باريس عندما يُقدّم أحد البنوك الأمريكية أو البريطانية عرض استحواذ لأحد بنوكها الوطنية؟
الجواب موجود وجاهز، ويمكن الاستدلال عليه من خلال ما قامت به الحكومة الفرنسية أخيرا من إجراءات لتشجيع دمج شركة الغاز الفرنسية مع شركة سويس بهدف حماية أكبر مزودين للطاقة لديها. وحتى في برلين نفسها تقرع أجراس الإنذار عندما يستشعر البنك الألماني "دويتشه بنك" الخطر، ولهذا تمت عملية بيع بنك الاتحاد هايبو HVB لبنك يونيكريديتو في هدوء ودون ضجيج.
ويبدو أن الوقت لم يحن لقيام عمليات اندماج بنكية تشمل المراكز المالية الوطنية الكبرى للدول، ولكن من الممكن أن يكون الوقت قد حان لقيام علاقات تعاونية فيما بينها. وهنا لا تظهر عمليات بيع بنك باريباسBNP Paribas، وأمرو ABN Amro في إيطاليا داخل إطار تلك الصورة فقط، ولكن كذلك عملية الاستحواذ على بنك الاتحاد هايبو HVB من قبل بنك يونيكريديت. وأشارت رئاسة بنك الاتحاد هايبو منذ البداية إلى تصوراتها بأنها ستوافق على مثل هذا الاندماج من قبل أحد الأطراف المتعادلة.
وتشهد حركة اندماج البنوك المتجاوزة للحدود صدا في سوق الأسهم، وخاصةً عندما يعلن المشتري أنه سيحظى بإدارة قوية لدى اتخاذ إجراءات الاندماج. ويحظى أليساندرو بروموفوم من "يونيكريدت" بسمعة جيدة في هذا المجال، وكذلك باودوين بروت من بنك "باريباس" BNP وحتى إيميليو بوتين من بنك "سانتاندر" الإسباني الذي أقدم منذ عامين على شراء بنك أبي ناشونال البريطاني، في واحدة من أكبر عمليات الاندماج في أوروبا.
وتدور شائعات منذ أشهر عن إمكانية قيام بنك العمل الإسباني BBVA بشراء بنك لويدز Lloyds TSB البريطاني أو بنك ABN Amro الهولندي، وكذلك الحال في إيطاليا، حيث تبدو أبواب السوق مشرعة على مصراعيها وتتأهّب بعض البنوك المتوسّطة الحجم لمقابلة مشتريها، ولكن من غير المتوقّع أن تندفع موجة الاستحواذ المُحاطة بكثير من القوانين بسرعة كبيرة. في المقابل، يُشاع في أوروبا أن البنوك الأوروبية تعمل اليوم بفعالية واضحة لم يشهد لها مثيل منذ أعوام.

الأكثر قراءة