المؤتمرات الوهمية
المؤتمرات الوهمية
اتصل بي شخص عرّف باسمه ونفسه على أنه مدير معهد العلوم العربية والإسلامية في طوكيو في اليابان، نبرته سعودية إلى حد كبير، إلا أن قلة من الكلمات توحي بغير ذلك، خصوصا في سياق الإجابة عن أسئلتي. وأخبرني أنه حصل على رقم جوّالي من سكرتارية الكلية التي أعمل فيها. وذكر أن المعهد ينظم مؤتمرا أو ندوة بعد شهرين من تاريخ المكالمة. ويرغب في دعوتي لأشارك بمحاضرة عن موضوع ذي علاقة بالإنترنت، لأنه حضر محاضرة لي مشابهة لها عام 2001 في كوبنهاجن في الدنمارك، ولم يخف إعجابه بالمحاضرة. وبالطبع تعرض إلى أن هناك العديد من المعاهد العربية والإسلامية التابعة لجامعة الإمام في عدة بلدان حول العالم. وأخبرته بأن ذلك ممكن ويخضع لتوقيت المؤتمر وموافقة جامعة الملك سعود، المكان الذي أعمل فيه. فأخبرني أنه قام بمراسلة الجامعة والسفارة السعودية في اليابان وأتته الردود بالموافقة، وأن المخاطبات والموافقات ومعلومات المؤتمر وخلافه لدى الدكتور شادي القادم بعد عدة أيام إلى الرياض لمقابلتي. بل إنه أبدى رغبته الشخصية أن أكون رئيسا للمؤتمر (الذي سيعقد بعد شهرين!!).
قام بإعطائي رقم هاتفه وهو ليس بالرقم نفسه الذي يتحدث لي منه، ووعدني بأن الدكتور شادي سيتصل بي قريبا. وبالفعل أوفى بوعده وكلمني الدكتور شادي بعد ما يقارب 24 ساعة من هاتف آخر، وذكر لي أنه لم يصل الرياض بعد، بل هو الآن في تورنتو الكندية وفي المطار منذ 26 ساعة يبحث عن حقائبه التي لم تصل من بوينيس آيريس وهو في مشقة من أمره. كنت أداخله ببعض المداخلات والمجاملات التي يحتاج إليها مَن يقع في مثل هذه المشاكل. وكان أيضا يلقي ببعض العبارات العاطفية الحميمية كـ"القلوب قريبة رغم أن المسافات بعيدة" وهكذا. على كل دعوت له بالتوفيق والتسهيل. وفاجأني بأنه اكتشف أن الحقائب وصلت الرياض، وقلت له إن هذا خبر طيب. إلا أنه أخبرني بأن التذاكر من تورونتو إلى الرياض في إحدى الحقائب، بل إن محفظته في الحقيبة أيضا!! ولن يستطيع تدبر أمور التذاكر أو شرائها. وقال لي إن هناك شيئا يسمى "الكاش" السريع (سبيد كاش) عن طريق أحد البنوك، الأمر الذي أطلق صافرات الإنذار التحذيرية في دماغي، فقاطعته قائلا: أين تعمل؟ ولماذا لا تطلب من مرجعك تدبر أمورك؟ فذكر لي أن فلانا مسافر وو.. وقلت له إني في اجتماع وكنت صادقا. وذكرت له أن الوعد الرياض إذا وصلت بالسلامة كلمني وودعته وقفلت الخط، وانتهى كل شيء. ببساطة من المستحيل أن أحول ريالا واحدا لشخص لا أعرفه مهما كانت مرارة ظروفه أو حلاوة لسانه، خصوصا في ظل تزايد عمليات الاتهام بالإرهاب والتوريط فيه. لقد كنت ولعدة أيام أظن أن هناك احتمالا قليلا بصدق القصة، لأنه لا يمكن الحكم على الأمور بشكل سريع أو بأخطاء يرتكبها الآخرون، إلى أن سمعت من أحد الأصدقاء بحدوث هذه القصة وبالسيناريو نفسه لشخص آخر، فزادت احتمالات بطلان العرض. ورغم أن هذه القصة حدثت منذ عدة أشهر، إلا أن سبب ذكري لها في هذا الوقت علمي بأنه تم سجن هذا الشخص منذ فترة قريبة في أمريكا، وهو من أصل عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويتخذ من كندا مقرا له، ويوجّه أنشطته ونصبه واحتياله للمراكز الإسلامية والأكاديميين. ومن يعلم فقد تتكرر القصة نفسها أو بقصة أخرى أكثر حبكا في زمن كثر فيه المحتالون مستغلين سهولة وسائل الاتصال وكثرة البسطاء.
<p><a href="mailto:[email protected]">iqtisad@fantookh.com</a></p>