سعد أبو معطي .. هجر الشعر وانشغل بالوظيفة ونصح العرب واستحث عزائمهم وكراماتهم للخلاص من الذل والهوان
شاعر ومرب عاصر فترة مهمة من فترات التعليم الأولى في البلاد، هجر قول الشعر الذي نظمه في سن مبكرة من حياته وتفرغ لعمله الوظيفي متنقلا ما بين إدارة معهد عنيزة العلمي وإدارة التعليم بمنطقة نجد وإدارة التعليم المتوسط بوزارة المعارف إلى أن أصبح وكيلا للوزارة قبل أن يحال إلى التقاعد.
شخص سعد أبو معطي حياته في قصيدة أهداها إلى الذين يسهرون حينما ينام الخليون أو يسامرون نجوم الليل حتى الصباح، أهداها إليهم مشاركة في الحزن واجتماعا في الأسى وكانت بعنوان حياتي.
كلما فاضت الهموم بكأسي
أتأسى وليس يجدي التأسي
آمل الفجر أن يشع مزيلا
ما تحملت من عناء وبؤس
مؤذنا بانبلاج أيامي الغر
فألقى في ظلها كل أنس
بيد أني وقد تذرعت بالصبر
طويلا مما ظفرت ببخس
أرتمي يائسا تحطم من شكواه
يجتر ذكريات الأمس
وفي مقطع آخر:-
في حياتي المتاعب الكثر تترى
مثقلات بما يصدّع رأسي
حيرة تبعث المرارة في القلب (م)
وتدنيه من جمود ويأس
أحتسي من كؤوسها كل صاب
علقم طافح بآلام نفسي
كلما أقلعت مراكب منها
إذ بأخرى أشد منهن ترسي
وفراغ يحيط بي كل إصباح
وأشكو ويلاته حين أمسي
إلى أن يقول:-
أحسب الوهم سلما سوف يرقى
بي إليها على وثير الدمقس
وأظن الخيال يفرش دربي
بنديِّ الزهور من كل جنس
فأشيد القصور من نسج أوهامي
رفيعة ضمخت بالورس
وأقيم الخمائل الغن أرويها (م)
بفيض مما يجول بنفسي
فإذا بي ـ وقد رجعت لنفسي ـ
أجد الشوك كل نبت بغرسي
رب رحماك إن نفسي تاقت
للضياء الجديد من كل شمس
وهفت للسرور والمرح الضاحك
والحب مثل "ليلى وقيس"
رب هب لي من السعادة ما يغسل
قلبي من كل غي ورجس
ويشع اليقين والأمل الباسم
والخير في حنايا النفس
ولد سعد بن إبراهيم أبو معطي في بلدة الشعراء في الوشم عام 1348 هـ، والتحق بمدرسة شقراء الأولى وأنهى دراسته الابتدائية عام 1364هـ،، والتحق بدار التوحيد عام 1365هـ، ودرس سنواتها الأولى والرابعة والخامسة فقط وانقطع عن الدراسة سنة 1366هـ، وفي 1367هـ عاد للدراسة حتى أكمل المرحلة الثانوية والتحق بكلية الشريعة عام 1370هـ، وأنهى دراسته عام 1373هـ، وتعين بعد تخرجه مباشرة مديرا لمعهد عنيزة العلمي وبقي فيه عامي 1374هـ و1375هـ، ثم تعين في عام 1376هـ مديرا للتعليم في منطقة نجد، وعمل فيها لمدة عامين وفي عام 1378هـ نقل إلى إدارة التعليم المتوسط في وزارة المعارف واستمر يتقلب في المناصب التعليمية العليا إلى أن أصبح وكيلا لوزارة المعارف قبل أن يحال إلى التقاعد.
قال عنه الدكتور عبد العزيز الخويطر إن سعد بن إبراهيم أبو معطي من بين الأسماء المضيئة في تاريخ التعليم في المملكة الذين كان لهم يد طولى في دفع عجلته في السنوات الماضية بمراحلها المتتابعة، أضاء طالبا، وأضاء مدرسا وأضاء مديرا لمؤسسة تعليمية وأضاء إداريا تنقل من درجة في الإدارة التعليمية إلى درجة أعلى، وقد أثبت في كل درجة أنه أعلى من الدرجة التي هو فيها وأن الدرجة تفخر به وتعتز لأنه كان يعطي عمله منها ومن نفسه ما لا يعطيه إلا القليلون من أمثاله ممن تحلوا بحسن الخلق والتواضع والصبر وحب الخير وتحمل المسؤولية.
ويضيف: وسعد فوق كل ما سبق شاعر ذو إحساس رقيق، فما أحس به فعلا قاله في شعره، وما قاله في شعره تمسك به حقا وصدقا في عمله، فإحساسه بالوطنية، ودعوته إلى السعي الحثيث لصالح المجتمع كانت تتردد بقوة في قصائده، وكان يطبق ذلك أيضا على نفسه في عمله، وما قسوته على هذه النفس إلا صدى لما كان يشعر به من وجوب بذل كل فرد جهده في ميدان تخصصه لإعطاء هذا الوطن حقه.
لقد كان يتألم كذلك لما يراه من شتات وفرقة وضياع في بعض البلدان العربية نتيجة أنظمة لم تأتها بالخير، وكان لا يستطيع أن يعزل نفسه عن مآسي أهلها ومنهم بعض زملائه المدرسين من تلك البلدان وقد ظهر هذا المعنى وذلك الإحساس جليا في أشعاره وشاعا في أحاديثه.
أورد عبد الله بن إدريس تعريفا بالراحل في كتابه "شعراء نجد المعاصرون" الذي صدرت طبعته الأولى قبل 47 عاما، وقال عنه: شاعر جيد ولكنه مقل، ويبدو أن هذا الشاعر قد هجر قول الشعر فيما بعد ذلك التاريخ لاشتغاله بالوظيفة وعقابيلها، وما أكثر وأشد وبال الوظائف على الحياة الأدبية والحركة الفكرية في بلادنا..! حيث الفقر والعوز اللذان يصرفان الأدباء عن الإنتاج الفكري إلى ملاحقة لقمة العيش والإشفاق على المستقبل المجهول مستقبل الأديب وأسرته إذا لم يكن له مورد رزق غير الوظيفة، ولذا كان هذا الأمر أحد الأسباب الرئيسة في ضعف الحركة الفكرية في البلاد وخمود جذوتها بعد أن كاد أوارها ـ بضع سنوات خلت ـ أن يدفئ المقرورين ويضيء الدروب المعتمة للسالكين
ولعل من المناسب الإشارة إلى قصيدة قومية قالها الفقيد ينصح فيها العرب ويستحث عزائمهم وكراماتهم إلى الخلاص من الذل والهوان الذي ران على أرضهم وديارهم:
يا بني قومي أحييكم ولا
أكتم النصح فما يجدي القعود
ليس يجدينا التغني بالذي
قد أضغاه من المجد التليد
ليس يجدينا سوى ما نبتني
من معال راسيات ونشيد
لن ينال المجد إلا مقدم
يركب الهول بعزم من حديد
فابعثوا الإسلام يحيي أنفسا
ظمئت للحق والعدل الرشيد
ولتكونوا حاملي راياته
قدوة العالم في الرأي السديد