بطاقات الائتمان أمام مجمع الفقه الإسلامي
واصل المجمع الفقهي الإسلامي جلساته لليوم الثاني على التوالي أمس، ضمن دورته الثامنة عشرة برئاسة سماحة مفتي عام المملكة رئيس المجمع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة. وكان المجمع قد خص جلسته المسائية أمس الأول لمناقشة حكم البطاقة التي تخول مشتريها تخفيضات في السلع والخدمات من غير مصدرها، فيما خص المجمع جلسته الصباحية أمس لمناقشة فسخ الدين بالدين. وعرف الدكتور محمد عبد الرحيم سلطان من جامعة الإمارات في الجلسة الأولى بطاقات التخفيض بأنها عبارة عن ورقة بلاستيكية تصدرها جهة أو شركة أو مؤسسة تمنح حاملها تدفقات نقدية غير مباشرة وغير منتظمة في صورة خصومات تتخذ شكل نسبة مئوية ثابتة من قيم المشتريات، مبينا أن بطاقات التخفيض تنقسم إلى قسمين: بطاقات تخفيض مستقلة وبطاقات تخفيض تابعة. وبين الدكتور سلطان أن هذه البطاقات تهدف إلى تحقيق أقصى ربح ممكن من خلال زيادة الطلب الحالي على منتجاتها وإحداث طلب جديد عليها، معتبرا أن هذه البطاقات أداة تسويق لمنتجاتها نظرا لمنحها خصومات أقل ثمنا من مثيلاتها فيقدم المستهلكون على شرائها.
وعن الحكم الشرعي أبان الدكتور سلطان أن عقد إصدار البطاقة عقد معاوضة فيه غرر فاحش، والأصل فيه التحريم. واستثنى الدكتور سلطان البطاقات التي تصدر عن شركات الطيران بشرط لمن يركب خطوطها مسافات معينة لأنه داخل في مفهوم الهبة المشروعة، كذلك بطاقات التخفيض التي يحصل عليها مقابل التكلفة الحقيقية لإصدار البطاقة، وكذلك يجوز الحصول على بطاقات التخفيض الخاصة المجانية لأنها نوع من التبرع.
أما الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم فقال في مداخلته، لكي تكون بطاقة التخفيض في ضوء قواعد المعاملات الشرعية هناك عدة ضوابط هي أن يكون التخفيض الممنوح حقيقيا ولا يمنح لغير المشترك في البطاقة أو من هو في حكمه. وأن يقدم مصدر البطاقة دليلا تفصيليا لأنواع السلع والخدمات محل التخفيض والمتاجر التي تبيعها مع عناوينها وأرقامها، إضافة إلى الثمن الذي تباع به هذه السلع في حينه ومقدار الحسم الذي يستفيد منه المشترك.
وأن يكون للمشترك الخيار إذا لم يستخدم البطاقة مطلقا خلال فترة محددة إما باسترجاع قيمة الاشتراك أو بشراء سلع وخدمات بما يعادل قيمة الاشتراك دون تخفيض وأن يتعهد المُصدر بتوفير السلعة بالثمن المخفض إذا رفض التاجر المشارك تقديم التخفيض.
وأشار الدكتور رفيق يونس المصري في مداخلته إلى أنه يمكن تكييف هذه البطاقة على أنها من باب جمع التبرعات للجمعية لقاء جعل، وأن يكون التبرع غير مشروط بالتخفيض تجنبا للغرر ولا بأس بأن تسمى "البطاقة الرابحة" بدلا من "بطاقة التخفيض"، مشترطا أن تكون النسبة التي يتقاضاها المصدر في حدود جعل المثل، وتحمل تكاليف إصدار البطاقة على الجمعية ويمكن للجمعية أن تصدر دليلا للتخفيضات على نفقتها وأن تخصص فيه مساحات للإعلان بحيث تعود الإيرادات إليها. وأضاف المصري: يحسن تقديم هذا الدليل لحامل البطاقة دون ثمن.
من جانبه، تطرق الدكتور سعد بن ناصر الشتري إلى تقسيم البطاقة المجانية حيث قسمها إلى بطاقة منح لمشتريها تخفيض من مصدرها، وبطاقة يمنح لمشتريها تخفيض من غير مصدر. وأوضح أن أهل العلم ذهبوا إلى جوازها بناء على أنها أجرة للوسيط باعتبار كون مصدر البطاقة سمسارا بأجرة، بشرط أن لا يغرم الوسيط مبلغ التخفيض إذا لم يلتزم صاحب المحل بالتخفيض، وإنما يعيد المصدر قيمة البطاقة إلى المستفيد (حامل البطاقة).
وفي الجلسة الصباحية حول فسخ الدين بالدين بين الدكتور علي محيي الدين القرداغي أهم الضوابط لجواز بيع الدين بالدين وهي ألا يتضمن ربا الفضل وربا النساء أو أحدهما، وأن لا يشتمل البيع أو الفسخ على الغرر الذي يفسد البيع، وألا يترتب عليه عدم القدرة على التسليم ونحوه. وأخيرا ألا يؤدي إلى الربا أي لا يكون ذريعة إلى الربا عن طريق بيع الدين أو فسخه به.
وأشار الدكتور علي أحمد السالوس إلى تطبيقات فسخ الدين بالدين في العصر الحاضر، حيث تحدث عن صور الفسخ في المصارف الربوية وبعض المصارف الإسلامية، وكذلك عن طريق التورق المصرفي. وبين أن الفسخ في المصارف الربوية هو ما يعرف بجدولة الدين، وأيضا الفسخ في المصارف الإسلامية وهو فسخ الدين عند تأخر المدين في أداء أقساط البيع بالتقسيط، وهو ما يعرف بغرامات التأخير كالسحب النقدي ببطاقة الائتمان، وأجمعت المجامع الفقهية على تحريم هذين النوعين.
وأما فسخ الدين بالدين عن طريق التورق المصرفي فذكر الدكتور أنه محرم، ولكن بعض المتأخرين من العلماء أجازوه، وهذا خطأ حيث أجازوا أسوأ أنواع الربا وأشده تحريما.