موطن الأسبرين وحبوب منع الحمل يقف في نهاية طابور الصناعة الدوائية

موطن الأسبرين وحبوب منع الحمل يقف في نهاية طابور الصناعة الدوائية

تفقد المجموعات الألمانية التي تتعرض إلى ضغوط تتعلق بالأسعار، موهبة تطوير أدوية براءات اختراع تلقى رواجاً.

كانت شركات الصيدلة الألمانية خلال فترة طويلة من القرن العشرين محطات توليد صناعية قادت إنتاج الأدوية التي اخترقت العالم، ابتداء من الأسبرين إلى حبوب منع الحمل. أما اليوم فإن هذه الشركات تضعف.
في الوقت الذي تنطلق فيه "باير" Bayer إلى تنفيذ عملية استحواذ ودية لامتلاك شركة شيرينج Schering، فليس من المدهش أن يكون الهدف، "الفارس الأبيض" ومقدم العرض العدائي - المخذول "إي. ميرك" E.Merck - جميعهم ألمان. أما بالنسبة إلى شركات الصيدلة متعددة الجنسيات العملاقة، فإن البريق زال عن "صندوق الأدوية" الأوروبي السابق.
عبر نهر الراين، ناحية الجنوب، تفاخر سويسرا بوجود أكبر مجموعتين للعقاقير في العالم على أرضها، وهما "نوفارتيس" Novartis، و"روش" Roche. وإلى الغرب، يوجد على أرض فرنسا بطل قومي يتمثل في "سانوفي أفينتس" Sanofi Aventis، في حين تملك المملكة المتحدة "جلاكسوسميثكلاين" GlaxoSmithKline، و"أسترازينيكا" AstraZeneca.
ورغم ذلك لم تعد ألمانيا تملك شركة صيدلة واحدة ضمن أفضل "دزينة" من اللاعبين العالمين، سواء من حيث مستوى المبيعات، أو رسملة السوق، أو أي مقياس آخر مهم. إذ أصبحت "هوشيست" Hoechst الآن جزءاً من "سانوفي أفينتس"، واشترت "أبوت لابوراتوريز" Abbott Laboratories الأمريكية شركة كنول Knoll، في حين اشترت "فايزر" Pfizer، أكبر مجموعة للمنتجات الصيدلانية في العالم (التي أسسها في نيويورك رجل أعمال ألماني مهاجر عام 1849) شركة جوديك Godecke.
ويقول السير توم مككيلوب الرئيس السابق لـ "أسترازينيكا": "دمرت ألمانيا مجال صناعتها الخاص بها. لقد أصبحت السوق مروعة بشكل متزايد، إنها قصة نأسف عليها جداً".
ومما لا شك فيه، أن الشركات لم تحصل على مبتغاها بالكامل. وبدأت مجموعتان كبيرتان مقرهما الولايات المتحدة، هما "ميرك أند كو" Merck & Co و"شيرينج بلوف" Schering_Plough، عملهما بصفتهما الفرعان الأمريكيان للمسميين الألمانيين نفسيهما، اللذين تم تأميمهما خلال فترة تعويضات الحرب العالمية الأولى، إلى جانب الحقوق الأجنبية لأسبرين "باير". وتم إيقاف "إي. جي – فاربن" IG-Farben عن العمل بعد الحرب العالمية الثانية، وهربت الكثير من المواهب العلمية إلى الخارج.
وخلال الفترات الزمنية الأكثر حداثة، أدت كل قرارات الشركات والسياسات الحكومية معاً، إلى تراجع التوظيف والاستثمار في القطاع، ما حول شركات الابتكار السابقة التي هزت العالم إلى أهداف استحواذية، وأذرع إنتاج للاعبين الأجانب.
وبالنسبة لبعض المراقبين، إذا كانت قوة ألمانيا التقليدية تكمن في الصناعات الكيماوية، وشركات الأصباغ التي ظهرت في القرن التاسع عشر، فإن تلك القوة الاقتصادية في حد ذاتها قيدت الابتكار في فروع المنتجات الصيدلانية الخاصة بها.
وبوجه خاص، كان العديد من المجموعات الكبيرة متأخراً في تبني التحول إلى الأبحاث الطبية بدلا من الكيمياء، و"الجزيئات الصغيرة" التي تركز عليها، إلى الأحياء، ثم في النهاية إلى "الجزيئات الكبيرة" من التقنية الأحيائية المهمة بشكل متزايد.
وتم أيضاً إهمال الأبحاث الطبية الأكاديمية عبر سنوات عديدة. ولم يساعد حظر استخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة، الجيل الحالي من العلماء على الاستفادة بشكل كامل من الإنجازات في مجال عملهم.
ويشير السير توماس إلى أن ثقافة الإدارة التي يهيمن عليها الإجماع العام والعلم، أعاقت تطور القطاع. ويستذكر دعوة عشاء جمعته مع رئيس شعبة أبحاث وتطوير في مجموعة ألمانية، كان يرثي ويتألم لوجود 70 شخصاً في لجنة مهمتها اتخاذ قرار فيما إذا كان يجب السماح بالاستمرار في إنتاج عقار جديد أو وقفه، مقارنة بنصف دزينة فقط من التنفيذيين في "أسترازينيكا".
وبراءات الاختراع الألمانية حق لمستثمرين مختلفين، يحجمون عن توقيف الأبحاث، حتى مع ضعف احتمال تحقيق نجاح تجاري أو طبي لمنتج ما قيد التطوير. وكما يجادل أحد المصرفيين، فإن هياكل الملكية الألمانية التقليدية، من خلال مساهمي العائلة الأقوياء والبنوك الداعمة، لم تساعد في إحداث التغيير في تلك الشركات. ويردف: "أتاحت لهم الثقافة فترة أطول لتصحيح أمورهم، أكثر مما كان يرغب المساهمون الآخرون".
والأنموذج الاجتماعي المتوافق عليه في البلاد، مع وجود روابط وثيقة بين الإدارة واتحادات العمال، جعل من الصعب إجراء إعادة للهيكلة وتخفيض في الوظائف، وهو أمر سيبقى تحدياً أمام "باير" لدى اندماجها مع "شيرينج".
وقادت الضغوط الاقتصادية والسياسية بشأن زيادة عجز العناية الصحية العامة، إلى وجود منهج التسعير وضبط التكلفة، اللذين أسهما بالقليل في تحفيز الابتكار من جانب مجموعات المنتجات الصيدلانية. ويقر اتحاد شركات الأدوية في ألمانيا VFA أن التراجع في أهمية الدولة قاعدة للمنتجات الصيدلانية سببه جزئياً القرارات التي اتخذتها الشركات المختلفة. لكنها تضع الجانب الأكبر من اللوم على السياسات الحكومية التي أدت إلى تخفيف الضغط على تسعير الأدوية المحمية ببراءات اختراع.
ويقول مسؤول من الاتحاد: "الوضع كئيب بالنسبة للابتكار. يتم فرض أسعار الأدوية التي تنتج عن براءات اختراع من قبل برامج التأمين الطبية التي تعينها الدولة، وتسيطر على نسبة 90 في المائة من السوق".
وفي المقابل، استطاعت الأدوية غير المسجلة تحقيق معدل أعلى من الأسعار في ألمانيا - غالباً ما كانت تباع بحسومات متواضعة مقارنة بالعقاقير المحمية ببراءات اختراع، التي تم استثمار مبالغ كبيرة لتطويرها.
وحدث ذلك نتيجة وجود سوق تجزئة مشتتة وموقف تسعير حكومي يضغط على المبتكرين ويخلق في الوقت ذاته صنفاً من الشركات العامة المقلدة المربحة، مثل "هيكسل"Hexal - التي اشترتها "نوفارتيس" العام الماضي.
وصارع هانك مككينيل رئيس "فايزر"، مع نظام "التسعير الضخم جداً" في ألمانيا، الذي ألقى بعقار ليبيتور Lipitor لتخفيض الكولسترول، المحمي ببرءاة اختراع خاصة بـ "فايزر"، في نفس مجموعة أسعار المنتجات غير المسجلة التي يدعي أنها أدنى درجة.
لكنه عقد اجتماعات أخيراً مع مسؤولين حكوميين في أعلى المناصب، لمناقشة الإصلاح الصحي، ويأمل في أن يتحسن الوضع. ويقول: "هناك قلق في ألمانيا، رغم أنهم لا يعلمون ما الذي يجب فعله حياله".
ويبقى هناك بعض اللاعبين المحليين، مثل "بوهرينجر إينجلهايم" Boehringer Ingelheim، التي تتضمن منتجاتها علاجات للقلب والإيدز. لكن التكاليف المتزايدة للأبحاث والتطوير تجعل أمر البقاء بالنسبة لشركات الصيدلة متوسطة الحجم أكثر صعوبة بشكل متزايد.
ويمكن أن تؤشر عملية الدمج بين "باير" و"شيرينج" إلى بداية نهضة في ابتكار شركات العقاقير الألمانية. لكن إذا لم ترغب الدولة في مشاهدة شركاتها المتبقية في القطاع تلتقطها عمليات الاستحواذ، أو تتلاشى، فينبغي عليها إعادة التفكير في منهج التسعير والتطور العلمي الخاص بها.

الأكثر قراءة