صعوبات توقع مستقبل أسواق الطاقة ودور منتدى الطاقة العالمي في تذليلها

توقع مستقبل الطلب على الطاقة وعرضها وأسعارها أمر مهم للجميع بما في ذلك الدول المنتجة والمستهلكة وشركات الطاقة والصناعات كافة التي تتأثر من قريب أو بعيد بأسعار الطاقة بشكل عام وأسعار النفط بشكل خاص. إن هذه التوقعات تساعد الحكومات والشركات والهيئات المختلفة على التخطيط للمستقبل والاستعداد له. غالباً ما تكون التوقعات ضمن سيناريوهات مختلفة، الأمر الذي يساعد صانعي القرار على النظر إلى مستقبل أسعار النفط ضمن نطاق معين، بدلاً من النظر إليه كأرقام مجردة. إن أهم ما في هذه التوقعات، التي تصدرها هيئات مرموقة مثل منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إضافة إلى عدد من مراكز البحوث والهيئات الخاصة، هو الاتجاه العام للطلب والعرض والأسعار. الأرقام في هذه الحالة غير مهمة ولا ينظر إليها على أنها ذات قيمة سوى أنها معيار يمكن أن تقاس الأمور نسبة إليه.
إن توقع الطلب على الطاقة وعرضها وأسعارها أمر صعب للغاية, فالباحثون الذي يقومون بالتوقع ليسوا متمرسين فقط في علوم الاقتصاد والإحصاء والطاقة، بل يجب أن تتوافر لديهم أيضاً معرفة بالعوامل السياسية والاقتصادية والفنية والقانونية والطبيعية التي تؤثر في إنتاج واستهلاك مصادر الطاقة المتعددة في الأماكن المختلفة من العالم, كما أن عليهم مراقبة الأحداث العالمية باستمرار, لأن هذه المتابعة جزء أساسي من عمليات التوقع. إن إغفال الباحثين هذه العوامل والتغيرات التي تطرأ عليها يؤدي إلى توقعات خاطئة ومضللة، تماماً كما حصل عامي 2004 و2005 عندما فشلت كل توقعات الطلب العالمي على النفط وأسعاره.
لقد فشلت كل توقعات المنظمات المعنية والشركات وبيوت المال العالمية, وعلى الرغم من هذا الفشل فإنه يجب عدم لوم هذه الهيئات أو القول إن عمليات التوقع غير مفيدة، بل العكس، يجب النظر إلى هذا الفشل على أنه دليل على أن عمليات التوقع عمليات صعبة ومعقدة. كما يجب النظر إلى الفشل على أنه خبرة يجب الاستفادة منها لتحسين التوقعات, فعمليات التوقع هذه مكلفة للغاية وتتطلب موارد مالية وبشرية ضخمة، إضافة إلى تعاون دولي بين مختلف الهيئات والتخصصات. إن الوصول إلى توقعات أكثر دقة يتطلب مراقبة مستمرة لهذه التوقعات وتقييمها وتعديلها وتفسيرها وفقاً للمعطيات والأحداث الجديدة، الأمر الذي يتطلب تواضع الباحثين لأنه ينطوي على اعترافهم بالخطأ والتعلم منه. إن التعاون بين الهيئات المختلفة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية يفيد الجميع, بما في ذلك القطاعان العام والخاص.

صعوبات المقارنة بين التوقعات
من أهم المشاكل التي يعانيها المهتمون بالشأن النفطي صعوبة المقارنة بين التوقعات المختلفة, لأن الهيئات والشركات التي تصدر هذه التوقعات لا تتعاون مع بعضها في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، هناك صعوبة كبيرة في المقارنة بين توقعات "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية وبعض الشركات الخاصة والمعاهد مثل بيرا وبيل وسي جي إس, لأنهم لا يستخدمون نفس المناطق الجغرافية والتعاريف الفنية، أو حتى الفترات الزمنية نفسها.
فهل المكسيك في أمريكا الشمالية أم أمريكا الوسطى أم أمريكا اللاتينية؟ أم هي جزء من دول منظمة التعاون والتنمية؟ كل هيئة تضع المكسيك ضمن مجموعة مختلفة، الأمر الذي يجعل من الصعب مقارنة هذه المجموعات في التوقعات المختلفة. والأمر نفسه ينطبق على دول أخرى مثل أستراليا وتركيا, فهل تركيا من ضمن الدول الشرق الأوسط أم من دول الاتحاد الأوروبي أو من دول منظمة التعاون والتنمية؟
ولا تتفق هذه الهيئات فيما بينها على التعريفات الفنية نفسها, فتعريف النفط وما يحتويه من سوائل وغازات يختلف من هيئة لأخرى، الأمر الذي يستحيل معه مقارنة هذه التوقعات, كما أن تعريف الاحتياطيات يختلف أيضاً, ولعل أهم الاختلافات هو تعريفها للطاقة. فهل هي أي طاقة تستهلك في أي مكان في العالم أم هي الطاقة المسوقة والمتداولة فقط؟ توقعات وكالة الطاقة الدولية لاستهلاك الطاقة تشمل كل الطاقة التي يمكن استهلاكها بما فيها تجميع الحطب من قبل رب البيت وحرقه في منزله, أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإنها تركز على الطاقة المسوقة أو التي يمكن بيعها وتداولها فقط, وبذلك فإن تجميع الحطب من قبل رب المنزل وحرقه لا يتم حسابه في توقعاتها.
إضافة إلى ذلك فإن هناك اختلافات في الفترات الزمنية, فبعض التوقعات تمتد حتى عام 2050 بينما تركز التوقعات الأخرى على فترة الـ 20 سنة المقبلة فقط. وتقوم بعض الهيئات بذكر توقعاتها لكل سنة بينما تقوم أخرى بذكرها على فترات زمنية متباعدة مثل كل خمس سنوات مثلاً.

التعاون مطلوب.. خاصة في ظل منتدى الطاقة
إن التعاون بين هيئات التوقع سواء كانت حكومية أم لا، مطلوب لجعل هذه التوقعات أكثر دقة وواقعية. وبمناسبة افتتاح المقر الدائم لأمانة منتدى الطاقة العالمي يوم السبت الماضي، فإن ضرورات التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة تقتضي التعاون على توحيد المناطق الجغرافية والتعريفات الفنية وسنوات التوقع. ولا يجب النظر إلى اختلاف التوقعات بعد ذلك على أنه خلل في التوقعات، بل على العكس، فهو ظاهرة صحية ومهمة لأنه يعكس المعطيات المختلفة لدى جهات التوقع. إن لمنتدى الطاقة العالمي دورا كبيرا، ولكن هذه الدور لا يبدأ إلا بخطى صغيرة, قد يكون منها التعاون في مجال التوقعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي