بوادر حُمّى الاستحواذ تنتشر في السوق البلجيكية
من المعروف علميا أن الأوكسجين يقلّ تدريجيا عند ارتفاع أربعة آلاف متر فوق سطح البحر، ولكن من الظاهر أن هذه الحقيقة العلمية لا تؤدي في بورصة بروكسل البلجيكية إلى ضيق تنفس. بالعكس، فمنذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي يقفز المؤشر "بل 20" من رقم قياسي إلى آخر، حتى ازداد بنسبة 25 في المائة، كما أنه يحاول منذ أيام أن يقارب الحاجز القياسي من أربعة آلاف نقطة.
الدافع إلى هذه النشوة هو حمّى الاستحواذ المنتشرة حاليا في أوروبا ولكن على الطراز البلجيكي. وكان توددّ شركة الغاز الحكومية "غاز فرنسا" وكذلك رغبة شركة الكهرباء الإيطالية "إينيل" أخيرا تجاه شركة تزويد الطاقة الفرنسية ـ البلجيكية "سويس. إس أي" ذات الوزن الفعال في البورصة، قد دفع بالمؤشر "بل 20" إلى الأعلى في الأسابيع الماضية. وفي حالة وقوع الاندماج بين الشركتين "غاز فرنسا" و"سويس"، فستحتكر الشركة الجديدة إلى حد بعيد سوق الطاقة الاستهلاكية في بلجيكا.
هذه المخاوف جعلت نيلي كروس المفوّضة الأوروبية للمنافسة تتساءل إذا ما كان يجب على "سويس" بيع شركة الطاقة البلجيكية "إينابل" التي تلعب، إلى جانب دورها كمزوّد أساسي للطاقة الكهربائية في بلجيكا، دوراً مهما في التحكم في شركات الغاز الطبيعي "ديستريجاز" و"فلوكسوس".
الجانب السياسي في القضية والمتمثل في رجال السياسة البلجيكيين يتحفظ في آرائه تجاه الانصهار بين الشركتين. ولكن من جانب آخر أعرب ألبرت فريري المستثمر الكبير ذو الجذور السيلتيّة الجرمانيّة، عن امتنانه وميوله تجاه العرض المقدّم من شركة "غاز فرنسا". وكشريك أقـلّـيّة في شركة "بيرتلسمان" يمتلك المستثمر إلى جانب شهرته في ألمانيا، أيضا الشركة القابضة "جي. بي. إل" GBL التي تعتبر أكبر مساهم فردي في شركة "سويس" بـ 7 في المائة من الأسهم.
بغض النظر عن نتائج الخلافات القائمة حول "سويس"، يعرب الكثير من خبراء الاقتصاد في بورصة بروكسل عن ثقتهم بأن التطور الإيجابي للأسعار في الأشهر الماضية سيستمر على حاله. فمن الإيجابيات الداعمة يذكر الخبراء، أخيرا وليس آخراً، بالأبعاد الملائمة للنمو الاقتصادي العالمي وتدني نسب التضخم المالي، وكذلك أيضا ردود الفعل الإيجابية من عمليات الاستحواذ والاندماج على أسعار الأسهم. وأما من السلبيات المثبطة فهم يرون المخاطر المترتبة على ارتفاع أسعار الفوائد وكذلك الأوضاع المتقلبة في أسواق النفط.
هذه الحقائق والأرقام لا تـنبع فقط من السوق البلجيكية وحدها، فمنذ أن عرضت الكثير من الشركات المسجّلة في البورصة تقاريرها السنوية لعام 2005 سادت السوق البهجة والتفاؤل، خصوصاً لدى شركة صناعة الأدوية "أوميجا فارما" التي شهدت ارتفاعا في الأسعار بنسبة 9 في المائة، وكذلك لدى سلسلة محلات التسوق "دلهايزي" ذات الجذور العريقة في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أسهمها حسب الانطباع الجيد للتقرير التجاري 2005 بنسبة 2.5 في المائة.
وفي إصدارها الأخير من نشرتها الإعلامية "إكويتي ماركتس سنابشوت"، أشاد بنك فورتس بأسهم "دلهايزي" بصورة خاصة، حيث فاق الربح الصافي للشركة في الربع الأخير من العام الماضي بمبلغ 117 مليون يورو توقعات البنك البالغة 101.9 مليون يورو. ومن المتوقع أن يرتفع حجم تعامل الشركة هذا العام بنسبة تراوح بين 4 و5 في المائة، وكذلك الربح الصافي بنسبة تراوح بين 8 و12 في المائة.
وتشير آخر التصريحات الواردة عن شركة البنوك "كي. بي. سي" KBC إلى تغيّرات واقعة في بنية سوق الأسهم البلجيكية، حيث ستقوم الشركة ببيع نصيبها البالغ 27 في المائة من شركة "أجفا. جيفارت" المتخصصة في أجهزة التصوير والمعدات الطبية في مدينة أنتفيربن.
وتعلّق صحيفة "دي تايد" في نهاية الأسبوع بأن "المساهم المخضرم" الذي طالما أعطى انطباعاً إيجابيا للشركات إما كشريك أو كمؤسسة قابضة أو كعائلة، بدأ نجمه الساطع يخبو. وفي الواقع لم يتأثر المستثمرون كثيرا بخبر الصحيفة عن العجز المالي في ميزانية الحكومة اليسارية المتوسطة لهذا العام بقيمة 700 مليون يورو، والذي ينبغي عليها في الأسابيع المقبلة السعي إلى تغطيته. فـآفاق بورصة بروكسل لا تنتهي حين تبدأ حدود الحكومـة.