تكنولوجيا التشغيل الثلاثي تفرض نفسها على الشركات والزائرين
"السعي إلى السيطرة على الآخر" .. هذا هو ملخص أهداف شركات الاتصالات من ناحية وشركات كوابل التلفزيون من ناحية أخرى على حدٍ سواء، فكلا القطاعين تركا حقليهما الأصليين ويستثمران اليوم المليارات لاقتحام حقل الطرف الآخر. فعلى سبيل المثال تعمل شركة الاتصالات الألمانية على بناء شبكة VDSL فائقة السرعة بتكلفة تصل إلى ثلاثة مليارات يورو بهدف بث نحو 120 قناة تلفزيون إلى جانب خدماتها المعتادة في مجال الاتصالات والإنترنت.
وفي المقابل، بدأت شركات كوابل التلفزيون في تسليح شبكاتها بخدمات الهاتف والإنترنت. هذه الخدمة الثلاثية والربط بين خدمات شبكة الإنترنت والتلفزيون والهاتف مجتمعين يطلق عليه اسم التشغيل الثلاثي Triple Play، ويُعتبر حالياً من أكثر القضايا الجدلية الساخنة في معرض سيبيت Cebit لتكنولوجيا المعلومات.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى الكثير من الأمور والتطورات في السوق الألمانية، لاسيما شركة الاتصالات الألمانية، حيث عمل نحو 100 ألف منزل في ألمانيا على اقتناء نظام كابل التلفزيون. ولا ترتفع الرسوم الأساسية للهاتف من جديد، ولكن كذلك ترزح شركات الكابل تحت ضغط كبير، حيث عليهم ربط زبائنهم بخطوط الهاتف والإنترنت قبل أن يتم نقل بث التلفزيون عبر قنوات شبكة الخط الرقمي المشترك DSL، أو عن طريق البث التلفزيوني الرقمي الأرضي DVB-T.
أما السبب وراء هذه التحولات الاستراتيجية فيرجع إلى حدوث تحولات جذرية في مجال متابعة وسائل الإعلام، فالشباب أصبحوا نادرا ما يتابعون التلفزيون بقدر ما يتوجهون في الغالب إلى استخدام شبكة الإنترنت، وبالتالي يفقد التلفزيون أكثر حصصه في السوق.
ويشاهد نحو 87 في المائة من البريطانيين الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما من العمر، التلفزيون مرة واحدة في الأسبوع، بينما تتميز نسبة مشاهدة التلفزيون في ألمانيا باستقرارها، إلا أن شركات التلفزيون قلقة حيال المتفرجين الصغار، وبالتي حيال دخلها الإجمالي من الإعلانات.
وتتميّز تقنية التشغيل الثلاثي بقدرتها على ربط استخدامات شبكة الإنترنت والهاتف والتلفزيون لأول مرة واحدة ضمن شبكة واحدة، ما يحقق منافع وفوائد خاصة وواقعية للمستخدمين، حيث يتم تخزين الأفلام على لوحة رقمية ثابتة وبالتالي يتمكن المستخدم من مشاهدتها وقتما يشاء.
في حالة كان المستخدم يتابع إحد الأفلام، من الممكن أن يظهر لديه على الشاشة وصول رسالة جديدة إلى بريده الإلكتروني كان في انتظارها. وبدلاً من الهرولة إلى غرفة المكتب كما في السابق، حيث يوجد الكمبيوتر لاستخدامه، يمكن للمستخدم فتح الرسالة وفقاً لشروط متفق عليها مع شركة التلفزيون على شاشة التلفزيون وقراءتها، وفي هذا الأثناء يتم تخزين الفيلم ويمكن متابعته لاحقاً دون أي تقديم في أحداثه.
وتمنح شركات البرامج الإلكترونية الرائدة أو شركات التلفزيون المتفاعلة فرصاً للمشاركة، كما هي الحال مع محركات البحث مثل Google، حيث يمكن البحث عن الأفلام عن طريق خدمة التشغيل الثلاثي في حوزة المكتبات الرقمية على شبكة الإنترنت ومشاهدتها. ويمكن كذلك سحب الموسيقى والأغاني من الشبكة وعرضها مباشرة على المعدات الخاصة بتشغيل الموسيقى. ويتحمّل الكمبيوتر الشخصي مسؤولية ضبط الشبكة المحلية وإدارتها، وهو المربوط بصورة مباشرة على شبكة الإنترنت.
وتعمل الاتصالات الألمانية على تطوير تكنولوجيا التشغيل الثلاثي بقوة. ويذكر فالتر رايزنر مدير شبكة التلفزيون في شركة الاتصالات الألمانية: " تُعد شبكة VDSL فائقة السرعة مفتاح الدخول إلى عالم جديد جدا من تكنولوجيا الاتصالات، وتبدو نظريتي على الشكل الآتي: ستعمل شبكة VDSL على تحقيق ثورة تجارية، لا يمكن حسم تأثيراتها اللاحقة بصورة مكتملة حالياً".
وتنوي الاتصالات الألمانية جذب الزبائن إلى الشبكة الجديدة عن طريق عرض محتويات خاصة ومميزة على البث التلفزيوني الرقمي، مثل دوري كرة القدم. ويهدف رئيس الاتصالات الألمانية (كاي أوفي ريكي) إلى الفوز بنحو مليون عميل جديد حتى نهاية عام 2007 على تلك الشبكة، إلا أن الاتصالات الألمانية لا تمتلك أي تصورات محددة بعد حول شكل تلك المحتويات التي سيتم بثها عن طريق التلفزيون، حيث كل ما تركّز عليه الشركة بالأخص شراء روابط خط الاتصال الرقمي المشترك عالي الجودة DSL. وعلى نحوٍ مماثل تفكّر الشركة المنافسة لها "هانزينت"، حيث أدرجت خطوط شبكتها من DSL في أكثر من 30 مدينة. ويقول متحدّث رسمي عن الشركة: "سنبدأ مع 100 شركة بث بحلول حزيران (يونيو) المقبل بالعمل الفعلي، ويُرفق مع كل شركة بث كبرى عرض تلفزيوني مجاني". وتُشتد المنافسة هنا وتصل أوجها لكنها منافسة لا تخلو من المخاطر.
ويقول هارالد شتوبر رئيس مجلس إدارة شركة أركور المنافسة: " تُعد سوق التلفزيون على الإنترنت بالتأكيد نقطة ساخنة، ولكن يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: هل توجد نماذج تجارية يمكنها أن تنقل التلفزيون المجاني عن طريق خطوط اتصال شبكة DSL؟ ما زلت اعتقد عدم وجود واحد بعد".
ويتفاوض شتوبر مع شركات بث التلفزيون حول التلفزيون المدفوع على الإنترنت. ولكن رالف دوميرموت مدير شركة يونايتد إنترنت لا يعتقد أن زمن "التشغيل الثلاثي" قد حان بعد، ويقول: "لا يمكن صنع سوق من تكنولوجيا التشغيل الثلاثي في الوقت الراهن في ألمانيا، وأنا أعتقد أن هذه التقنية لن تكون القضية الأهم في هذا القطاع حتى نهاية هذا العام، بالنظر إلى خطوط الاتصال الموجودة فعلياً، ولكن هذا سيتغيّر على المدى المتوسّط"، إضافة إلى أن "يونايتد إنترنت" لم تملك شبكة DSL خاصة بعد، وتشير إلى أن الاتصالات الألمانية سمحت لها بمشاركة شبكتها.
من جانبه، يرى تشارلز فرانكل المدير الجديد في مجال خدمات الشبكة التابعة لـ AOL ألمانيا، أن التوازي الحالي مع مقاييس نظام تقنية الاتصالات المتحركة العالمي UMTS مخيّب للآمال.
ويبدو بير كناور، الذي يُدير شركتي الاتصالات "فيرساتل" و"تروبوليس" أكثر تشككاً فيما يتعلّق بتكنولوجيا التلفزيون على الإنترنت، قائلاً: "انطلاقاً من خبرتي في الدول المتقدّمة جداً في مجال الشبكة عريضة الموجة، مثل هونج كونج، لا أتوقع أن يمتلك أكثر من 20 في المائة من المنازل خلال الأعوام الخمسة المقبلة تقنية نقل التلفزيون على شبكة الإنترنت. وبما أن كل منزل يخصص ميزانية إضافية لوسائل الإعلام تراوح بين عشرة و 15 يورو، فإن حجم التسويق في هذا القطاع سيكون محدوداً". وهو يفترض محاولة تجنّب معوقات المنافسة خلف استراتيجية الاتصالات الصارمة: "تتبع الاتصالات هدفاً واحداً باقتنائها تقنية شبكة VDSL، وهو الاقتراب أكثر من الزبائن.
ووحدها شركة الاتصالات الألمانية يمكنها أن تزوّد الزبائن، الذين لا يزالون حتى الآن يستخدمون خطوط اتصال ذات سرعة نقل تبلغ تراوح بين 1 و 2 ميجابايت، على سرعات أعلى في المستقبل. وإذا لم تحظ الشركات المنافسة للاتصالات الألمانية بمدخل إلى شبكة VDSL، لا يمكن لتلك الشركات حينها تقديم العروض المذكورة. وينتقد كناور، بأن تقنية التشغيل الثلاثي تعتبر تسويقاً، بهدف إبقاء الشركات المنافسة بعيدة.
ومن المفترض أن تكون الشبكة جاهزة لتقديم الخدمات الفعلية في عشر مدن ألمانية بحلول الصيف المقبل. وتتعارض التقديرات حول حجم قاعدة الزبائن المستعدين فعلياً للدفع مقابل تقديم خدمات الإنترنت الموعودة البالغة سرعتها نحو 50 ميجابايت في الثانية. وحتى الآن يسلّح المستخدمون المتحمسون تقنياً فقط خطوط اتصالهم على شبكة DSL بسرعات أعلى، حيث يشير ما يزيد على 90 في المائة، من أصل نحو عشرة ملايين منزل مربوط على شبكة الاتصال الرقمي المشترك DSL في ألمانيا، إلى مدى الرضا بسرعة نقل تراوح بين 1 و 2 ميجابايت في الثانية.