منافسة شرسة لخلافة كويزومي ودعم برامجه الإصلاحية
تمكّنت اليابان من تجاوز أزمتها الممتدة منذ زمن طويل، حيث يشهد الاقتصاد الياباني زيادة مطردة في حجم الناتج المحلي مع تسجيل تراجع في معدلات البطالة. وتُوشك حالة الانكماش الاقتصادي على الانتهاء ويسيطر على أجواء البورصات مناخ من الانتعاش الاقتصادي في وقت يحقق فيه قطاع الشركات التجارية أرباحاً قياسية.
وإلى جانب هذا وذاك، يحتد النزاع خلف الكواليس في اليابان حول خلافة رئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزومي رئيس الحزب الديمقراطي الحر، الذي يعتزم التخلي عن منصبه بعد خمس سنوات ونصف قضاها في الحكم. ويظهر خلف كويزومي مباشرةً شينو آبي أمين عام رئاسة الوزراء، ومن بعده يوجد ساداكازو تانيجاكي وزير المالية الذي يعتمد على نجاحه في إدارة خزينة البلاد، وتارو أسو وزير الخارجية، الذي يعزز أسهمه من خلال مبادئه التي تبقيه في دائرة المحافظين.
ويبدو آبي متمسكا بشدة بالبرنامج الاقتصادي الليبرالي لإعادة الهيكلة الاقتصادية الذي تبناه كويزومي، حيث دافع حتى فترة طويلة من الزمن وبحدة عن مشاريع التخصيص المثيرة للجدل للبريد الحكومي والمُقدّرة بالمليارات، وفضّل التغييرات المرتكزة إلى تشريع الشركات، والاتجاهات الجذرية الجديدة للأنظمة التأمينية. ويرى آبي أن صناديق المعاشات التقاعدية والصحية لم تعد تتناسب مع حاجات المستقبل الضرورية. وفي النهاية تجابه اليابان نظراً لتطوّرها السكّاني المتراجع تحديات بالكاد يمكن المغالاة في تقديرها.
وأظهرت إجراءات إعادة الهيكلة تأثيرات تبدو إيجابية مكنت اليابان، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من استعادة العافية وتجاوز سنوات من الانكماش والضعف الاقتصادي وزيادة حالات الإفلاس والأزمات البنكية والفضائح المالية.
وحقق الناتج المحلي الإجمالي نموا بلغ نحو 2.8 في المائة عام 2005، بناء على المعطيات الحالية، وتوشك حالة الانكماش الاقتصادي على الانتهاء، ويرتفع الإنتاج الصناعي منذ ستة أشهر، وتقود الشركات عاماً آخر من تحقيق الأرباح القياسية، وترتفع الإنتاجية الوظيفية منذ عام 2002 بمعدل سنوي يُقدّر بنحو 2.7 في المائة.
يقول جيسبر كول المدير الاقتصادي في مجموعة ميريل لونش المالية في طوكيو، إن اليابان عادت لتحقق نموا اقتصاديا كبيرا من جديد. ولكن بالتأكيد ما كانت هذه المعدلات والتطورات ممكنة لولا التغييرات التي قام بها كويزومي على صعيد العمل والرأسمال، وكذلك تحفيز الطلب الجيد على الأسواق التصديرية مثل الصين والولايات المتحدة.
وتُعد معدلات النمو الاقتصادي الأخيرة دائمة نظراً لخطط إعادة الهيكلة، إضافة إلى أن محللي البنوك الاستثمارية الكبرى يتوقعون مزيدا من النمو، فمن الممكن أن يرتفع حجم الإنتاج المحلي الإجمالي هذا العام نحو 3 في المائة، حسب ما ورد عن تيتسوفومي ياماكاوا من مجموعة جولدمان ساكس، بينما يتوقّع كول نحو 3.1 في المائة. وتوقع تاكيرو ساتو الخبير في مجموعة مورجان ستانلي نحو 3.2 في المائة.
يقول مارتين شولز من مؤسسة فوجيتسو للأبحاث: "لقد قامت الكثير من الشركات بالواجبات المطلوبة منها"، ففي غمرة الضغط الناتج عن الانكماش الاقتصادي أدى انخفاض معدلات الأسعار، عقب تفجّر فقاعة المضاربة في التمويل الائتماني في بورصات طوكيو، إلى ترك آثار واضحة على الميزان التجاري، ودخلت الشركات في أواخر التسعينيات مرحلة من كبح التكاليف، وعملت على إعادة بنائها نفسها من جديد.
ودعمت الحكومة هذه الحملة عن طريق تشريعات جديدة للغاية تهدف إلى تشجيع تأسيس شركات جديدة أو إعادة التأسيس، والتوظيف الخارجي، وهو ما أدى إلى تخفيض معدل التخزين وتخفيف قيود التعقيدات الرأسمالية وتحرير علاقات العمل. وأدى هذا إلى إعادة الكثير من مجموعات الشركات إلى طريق الأرباح، وهم يتسارعون أكثر الآن على هذا المضمار.
وتُدير شركات تصنيع السيارات الكبرى، مثل: نيسان، تويوتا، وهوندا، طاقات إنتاجية قوية في الصين. وتبني شركة كانون Canon فروعاً جديدة للغاية في مجالات تصنيع التليفزيونات مثلاًَ. وعلى النطاق الدولي، يمزج اليابانيون أنفسهم ضمن خليط الاندماج والاستحواذ على الشركات الأخرى بقوة أيضاً، حيث قدّمت شركة توشيبا Toshiba مباشرةً أربعة مليارات يورو مقابل شراء شركة بناء محطات توليد الطاقة الأمريكية ويستينجهاوس Westinghouse، وتشتري شركة نيبون شيتNippon Sheet شركة التصنيع البريطانية بيلكينجتون Pilkington مقابل 2.6 مليار يورو. وبالرغم من أن حجم الشراء الذي قامت به كل من شركتي تاكيدا فارما Takeda Pharma، أو فوجي فوتو Fuji Photo، بدا أقل، ولكن ليس أقل طموحاً البتة.
ويحظى هذا الازدهار بأسس وقواعد ثابتة، حيث يشهد قطاع التصدير نموا واضحا مع زيادة استثمار الشركات وإقبال السكّان مجددا على الاستهلاك. وارتفعت قيمة معدلات التصدير عام 2005 نحو 7 في المائة مقابل العام الذي سبق، وارتفعت النفقات الاستهلاكية بنحو 2 في المائة أكثر. ويعكس هذا النمو الوضع المرتاح فيما يتعلّق بسوق التوظيف، حيث لم تتخط نسبة البطالة حاجز 4.5 في المائة.
وحسب بعض المعطيات التي وردت عن "جولدمان ساكس" في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، فإن اليابان تشهد لأول مرة منذ 13 عاماً إتاحة فرص عمل للباحثين عن الوظائف، ولهذا توجد الأموال اليوم بسيولة أكثر في محافظهم الصغيرة المصنوعة من الجلد الفاخر تحت العلامة التجارية لويس ?يتون Louis Vuitton، وتتدفق أسراب المستهلكين إلى مراكز التسوّق الكبرى، وتُصدر صناديق الأموال الكثير من ضجة وفرة النقود فيها، والمحلات التجارية تعجّ بمؤهليها، ويمنح حجم الطلب المتزايد دفعة قوية لمعدل الأسعار بانتظام.
ولو كانت أسعار التجارة الكبرى في ارتفاع مستمر منذ عام 2004، لارتفعت كذلك أسعار الاستهلاك مع نهاية العام الماضي. وحسب معطيات جاءت عن وزير الشؤون الداخلية الياباني، فقد وصل معدل قائمة أسعار الاستهلاك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) إلى وُجهة إيجابية لأول مرة منذ ثمانية أعوام، حيث ارتفع معدل القائمة، ومن المحتمل أن تستمر هذه الوُجهة بميل إلى الارتفاع، حسب تقديرات الحكومة وبنك الاحتياط.
ويقول كول من "ميريل لونش": "لا تعاني اليابان من محنة في الانكماش الاقتصادي بعد". وهذا يضمن إحداث حركة في أسواق البورصة. وبينما ترتفع أسعار تداول الأسهم انزلق سعر سندات الحكومة، والتي مدتها عامان، مع نهاية شباط (فبراير) إلى النهاية القصيرة لسوق الأرباح. وفي المقابل، نمت الأرباح ووصلت إلى نحو 0.5 في المائة، أي المعدل الأعلى منذ خمسة أعوام. ونتيجة لهذا، خسر وزير المالية الياباني ضمان فائدة بنفس القيمة لقروض العامين الجديدة، ولهذا تحاول الحكومة أن تبذل أقصى جهودها في توفير الحيطة والحذر. وأوضح رئيس الوزراء كويزومي أنه لا يعتقد أنه تم القضاء على مرحلة الانكماش الاقتصادي بالكامل بعد.
ولكن من وجهة نظر أخرى، فإن البنك المركزي الياباني يرى أنه تم القضاء على فترة الانكماش الاقتصادي بربط ذلك مع المعدلات الإيجابية التي تشير إليها قائمة أسعار الاستهلاك، ولهذا ينوي أن يُدير وُجهة السياسة المالية بنفسه.
قبل خمسة أعوام عمل الخبراء الماليون العاملون في البنك المركزي على ضغط سعر الفائدة الأساسية إلى ما يُقارب الصفر المئوي، وفي المقابل على رفع الحد الأعلى للاستثمارات المالية اليومية الناضجة والتابعة للبنوك التجارية إلى نحو 35 مليار ين. ومنذ ذلك الحين، يشتري بنك اليابان شهرياً قروضاً حكومية مقابل نحو تسعة مليارات يورو. ويقدّم سندات قيّمة للبنوك الكاسدة عن طريق تملّك المساهمات، ويضاعف حجم الميزان التجاري لديه إلى 150 مليون ين، وهذا يطابق نحو ربع الإنتاج الاقتصادي الإجمالي للدولة. لقد كان الهدف من موجة السيولة تلك محاربة الانكماش الاقتصادي وحماية الأنظمة المالية المتوعّكة من الانهيار. وعلى ما يبدو الآن أن قطاع البنوك يشهد حالة من إعادة التأهيل.
وأعلنت المؤسسات المالية الكبرى في اليابان عن تحقيق فائض أرباح بلغ هذا العام نحو 20 مليار يورو، ولا مجال للحديث هنا عن انكماش اقتصادي لديها علي الإطلاق. ورغم هذا يصر كثير من أعضاء الحزب الديمقراطي الحر علي الضغط على البنك المركزي من أجل ترك الصمامات النقدية مفتوحة أكثر. ويخشى الكثير من الاستراتيجيين من الحزب نفسه مثل هيديناو ناكاجاو، من أن يؤدي التحوّل المبكّر في الوضع الاقتصادي إلى معدلات إعسار واضحة.
وتبلغ صكوك التزامات القطاع الحكومي نحو 5.7 مليار يورو، وهذا يُطابق ما يزيد على ضعفي حجم الناتج المحلي الإجمالي مرة ونصف. وتكلّف خدمات المديونية طوكيو نحو 130 مليار يورو سنوياً، ومنها ينساب نحو النصف في دفع الفوائد، حيث تفترس هذه الفوائد ما يُعادل 10 في المائة من خزينة الدولة. وعليه يبلغ حجم الأرباح في نهاية السوق الممتدة نحو 1.6 في المائة فقط. ومن المحتمل أن تعمل زيادة بنسبة 0.2 في المائة على رفع حجم عبء الفائدة نحو ثمانية مليارات يورو، وهذا ما تحاول الحكومة تجنّبه.
وإلى جانب العوامل الاقتصادية تجدر الإشارة إلى حدوث تراجع واضح في حجم السكان في اليابان خريف العام الماضي، وبلغ عد سكان اليابان وفق آخر إحصاء 127.76 مليون نسمة، وهذا هو الانخفاض الأول في نسبة زيادة السكان منذ بداية التوثيق الإحصائي عام 1899. ومن الممكن أن ينزلق حجم المواليد هذا العام إلى تحت المعدل بما يعادل نحو مليون نسمة. وينخفض حجم المواليد منذ عام 2000، وفي المقابل ترتفع نسبة أعداد كبار السن، حيث تبلغ نسبتهم اليوم نحو 20 في المائة من إجمالي عدد سكان اليابان، بينما كانت النسبة لا تزيد علي نحو 9 في المائة فقط في أوائل الثمانينيات.
واتخذت الحكومة اليابانية سلسلة من الإجراءات خلال الأعوام الـ 15 الماضية بهدف تحقيق التأمين الاجتماعي بموازاة أرقام تغير الخريطة السكانية، وبالتالي فقد أعطت السياسة دفعة واضحة للسكان لإنجاب المزيد من الأطفال. إلا أنه يبدو أن هذه الحملة لم تحقق النجاح المطلوب منها حتى هذا رغم أن اليابانيين يُعتبرون من الشعوب المُولعة بالأطفال.
ويوجد في المدن الكبرى شبكة كثيفة مترابطة من حضانات الأطفال، وبدأت الكثير من الشركات في تسهيل فترات عمل الموظفات من الطبقة النسائية العاملة، وجعلها أكثر مرونة. وتخصص أيام أكثر من الرعاية لإضفاء المزيد من النصائح وإتاحة أجواء من المشاورة فيا يتعلّق بالعناية بأطفال موظفيهم. وبرغم هذا تتوقّع مؤسسة بحث السكان اليابانية، أنظمة التأمين الاجتماعي NIPSR، أن الحجم السكاني في اليابان سينخفض عام 2050 إلى 100 مليون، وبالتالي أقل من معدل فترة أواخر السبعينيات.