ترشيحات باستمرار ترقب أسواق النفط لعاملي الجيوبوليتيكا وتقييد المصافي
استمرار قلق أسواق النفط
حالة الترقب والانتظار التي بدأت تعيشها السوق في أواخر الأسبوع الماضي مرشحة للاستمرار هذا الأسبوع عندما تفتح الأسواق أبوابها للعمل اليوم. وهذه المزاجية تعكس مجموعة من العوامل على رأسها استمرار حالة القلق المتعلقة بالجانب الجيوبوليتيكي أمنيا وسياسيا في بعض الدول المنتجة، إلى جانب الخوف من عدم توافر كميات كافية من البنزين بسبب عاملي دخول موسم قيادة السيارات من ناحية واتجاه المصافي إلى التقيد بالإجراءات الجديدة القاضية بأن تنتج البنزين مخلوطا بالإيثانول وهي التي ستدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل.
فالأسبوع الماضي شهد ارتفاعا مقداره نحو ثلاثة دولارات أو نحو 4 في المائة إلى قرابة 67 دولارا للبرميل الخميس الماضي، وكذلك إثر الرد الفوري لإيران على قرار مجلس الأمن الذي يطالبها بالتوقف عن جهود تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها ورفضها له.
ويوم الجمعة شهد تراجعا في الأسعار يعود إلى أسباب فنية في الغالب مثل اتجاه التجار والمتعاملين إلى قطف ثمار الارتفاع وجني الأرباح، وفي الوقت ذاته التقاط الأنفاس لمعرفة ما سيصير عليه الوضع بخصوص مواجهة إيران مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، كما أن تصريحات وزير الخارجية مانوشهر متقي التي أعلن فيها أن بلاده لن تلجأ للحظر النفطي ليكون وسيلة في تسيير سياستها الخارجية كان لها دورها في هذا التراجع.
يوم الجمعة أغلق على تراجع بالنسبة لخام برنت شحنات أيار (مايو) بنحو 26 سنتا إلى 66.20 دولار للبرميل مقابل مكاسب بلغت 91 سنتا يوم الخميس إلى 66.46 دولار عند الإغلاق. أما الخام الأمريكي الحلو وهو ويست تكساس فتراجع يوم الجمعة الماضي 77 سنتا إلى 66.39 دولار للبرميل. وبلغ سعر الجالون للمستهلكين في محطات التجزئة 2.53 دولار للجالون، أو 0.67 سنت للتر، أي بزيادة تقارب الضعف خلال عام إذ بلغ سعر اللتر في الفترة المقابلة من العام الماضي وهي0.37 سنت، ولو أن إدارة معلومات الطاقة تتوقع لسعر الجالون أن يستقر عند 2.50 دولار في المتوسط خلال فصل الصيف.
وأسهمت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي بدأت السوق في استيعابها في التأثير من خلال التراجع في حجم مخزون البنزين، وهو عامل يكتسب أهميته كون المصافي التي يدخل جزء كبير منها في عمليات صيانة دورية تعاني من مشكلتين في ذات الوقت، العمل على التخلص من المخزونات القديمة، حيث البنزين المنتج مخلوط بميثال الأثير المثيلي الثلاثي، وهو ما سيمنع ابتداء من الشهر المقبل وضرورة تحول المصافي إلى إنتاج البنزين المخلوط بالإيثانول. وعليه يتوقع أن يصبح سعر البنزين مؤشرا على اتجاهات السوق خلال الأسابيع القليلة المقبلة وطوال الربع الثاني من هذا العام خاصة والتوقع أن يستمر السحب بذات المعدل بين خمسة ملايين إلى عشرة ملايين برميل حتى مطلع الشهر المقبل.
والشيء نفسه حدث بالنسبة لمخزونات الغاز الطبيعي حيث تم سحب 104 مليارات قدم مكعب بأكثر مما كانت تتوقعه السوق، ولو أن المخزون الموجود يقل بنحو 459 مليار قدم مكعب عما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. وتلخص حالة المخزون من النفط الخام النفسية القلقة للسوق. فالسوق في هذا الجانب تعيش أفضل أيامها إذ بلغ حجم المخزون أعلى معدل له منذ سبع سنوات وهو 341 مليون برميل، إضافة إلى مخزونات تجارية في حدود 685 مليونا، الأمر الذي ينبغي أن يوفر سندا قادرا على التعاطي مع أي انقطاع. ورغم ذلك تستمر الأسعار في الارتفاع، ومع أن الوضع الاقتصادي تمكن من امتصاص هذه الزيادة طوال هذه الفترة، إلا أن بعض المحللين بدأوا في التركيز أن الجانب المتعلق بأمن إمدادات الطاقة أصبح من الهشاشة بمكان، وأن السوق بوضعها الحالي لا تحتاج إلى أكثر من عملية انقطاع واحدة بحجم أكبر مما شهده العالم حتى الآن لترسل موجات من التأثير على مجمل الوضع الاقتصادي.
فإلى جانب المواجهة مع إيران بخصوص ملفها النووي، فإن الوضع في نيجيريا لا يزال خارج السيطرة، الأمر الذي ينجم عنه استمرار وجود نحو نصف مليون برميل يوميا خارج الشبكة. وهو وضع مرشح للاستمرار بسبب تصاعد الصراع السياسي من ناحيتي سعي الرئيس النيجيري أوليسيجون أوباسانجو تعديل الدستور بما يسمح له بالترشيح لفترة رئاسية ثالثة، ثم الانتخابات العامة التي ستجري الشهر المقبل وعزم المجموعات المتمردة في دلتا النيجر على اللجوء إلى خيار تركيع الصناعة النفطية لإسماع صوتها. وهي الرسالة التي فهمتها شركة رويال دتش شل وأعلنت أنها لن تضحي بسلامة العاملين فيها.
من ناحية أخرى فإن نحو 300 ألف برميل يوميا تظل خارج الشبكة الإنتاجية من خليج المكسيك منذ أن ضرب إعصار كاترينا المنطقة في آب (أغسطس) الماضي، إضافة إلى عدم قدرة الإنتاج العراقي على تجاوز المعدلات الحالية ونذر مواجهة في فنزويلا مع بعض الشركات الأمريكية خاصة أكسون/موبيل على خلفية تفضيلها بيع حصة لمشروع لها في فنزويلا إلى شركة ريبسول الإسبانية وليس إلى فنزويلا. وكل هذه التطورات تسهم في تقوية الإحساس بأن الجانب الأمني والسياسي في العديد من الدول المنتجة أصبح ضعيفا ويمكن أن يؤدي إلى انقطاع أكبر في الإمدادات ولفترة قد تطول أو تقصر. وأن البرامج التي أعلنت عنها العديد من الدول المنتجة وعلى رأسها السعودية التي قامت بتسريع إنجاز بعض المشاريع مثل مشروع حرض الذي أضاف 300 ألف برميل يوميا إلى طاقتها الإنتاجية، إنما ستعوض في نهاية الأمر عن التراجع الإنتاجي في مناطق أخرى، وهو ما سيجعل قضية اضمحلال الطاقة الإنتاجية لدى منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" هما دائما.