تعديل شهري على أسواق الأسهم في كوريا
تتمسك سوق الأسهم في كوريا الجنوبية ومنذ بداية كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، بالسيناريو الذي رسمه خبراء التخطيط الاستثماري حول أداء بورصات الدول النامية بقوة، وهي الدول التي بات يطلق عليها اليوم "الدول الصناعية الحديثة". وتصر سوق الأسهم في كوريا الجنوبية على إجراء تعديل وتصويب في منتصف كل شهر وفق ذلك السيناريو.
وفي خضم مجريات هذه العملية الأخيرة، تراجعت قائمة مؤشر كوسبي لبورصة سيئول بنحو 10 في المائة. وبرغم الانتعاش الملحوظ الذي لحق بهذا التراجع مباشرة، نظراً لانسياب رأسمال جديد وضخم إلى السوق وخاصةً من الخارج، فإن المؤشر لم يتمكن من النهوض مرة أخرى بصورة سليمة.
ولا عزاء في هذا إلا التفاؤل الذي يبديه بعض الخبراء من أن مؤشر كوسبي لا يمكن أن ينحدر أكثر من الانخفاض القياسي الذي حدث في 16 من كانون الثاني (يناير)، حين خسر نحو 1421.79 نقطة .
ويقول خبراء آخرون إن مرحلة الإصلاح في بورصة سيئول لا تتعلّق بالمظاهر الاقتصادية في كوريا الجنوبية فقط، بل يمكنها أن تشير إلى الكثير من المظاهر السائدة في الاقتصاد العالمي، حيث تداولت سوق الأسهم في كوريا الجنوبية أسهم شركات رائدة ذات توجه تصديري كبير وتحظي بحصص كبيرة من الأسواق الأجنبية، لأن المحصلة تعمل على تحديد الإنتاج في كوريا الجنوبية بفعل التعلّق القوي لشركات التصدير على حجم الطلب الخارجي.
ويوضّح ريتشارد بيرنشتاين من مجموعة ميريل لونش، أن مؤشر كوسبي أظهر نفسه على مدار 20 عاماً وكأنه مؤشّر موثوق به، ليس للاقتصاد العالمي فحسب، ولكنه مؤشر مبكر للتغيرات المتوقعة في دورة النشاطات الاقتصادية العالمية.
وفي الوقت الحاضر يُضاف منظور آخر إلى ما سبق، حيث تُعاني عملة كوريا الجنوبية "الوون" من ضعف واضح ومنذ أسابيع برغم ارتفاع سعر الفائدة مع احتمال تواصل هذا الاتجاه في رفع أسعار الفائدة.
ويقول محللون إن ذلك يرجع إلى تدفق رساميل إلى بورصة سيئول، حيث لم تتوقف خسائر المستثمرين على سوق الأسهم فقط، بل امتدت لتشمل خسائر في سوق أسعار الصرف. ولهذا يحذر الكثير من المحللين الاستراتيجيين وبالأخص بالنظر إلى أسواق الدول النامية الأخرى من تجاهل عواقب امتصاص فائض السيولة من قبل البنوك المركزية الثلاثة الأكبر في العالم (الأوروبي والأمريكي، والياباني)، أو حتى من الاستخفاف في تقديرها.
وبناءً على هذا الرأي، فقد كان متاحاً خلال الأعوام الـ 15 الماضية الكثير من السيولة النقدية لدى بنوك الاحتياط أكثر مما استلزم الاقتصاد الفعلي بهدف محاربة الأزمات في العالم كافة. وتم تزويد الاقتصاد المالي بهذا الجزء المفرط، وأدى تباعاً إلى إيجاد الكثير من فقاعات المُضاربة. ويبقى من المُنتظر، كيف سترد الأسواق المالية على سحب السيولة النقدية المُعلن عنه أخيرا من قبل البنك المركزي الياباني.
وعلى أية حال، كلما عملت الشركات، وجميع الأوضاع الاقتصادية، برأسمال أجنبي مرتفع، وأسهمت في تنشيط الأسواق المالية بقدر كبير من القروض الائتمانية، لا بد أن تجتذب مناخاً ذا طابع محفوف بالمخاطر عند سحب السيولة.
ولا يقف في مقابلة هذا أن تشير معدلات الوضع الاقتصادي الأخيرة عن كوريا الجنوبية إلى نجاح ممتاز. وتُعد هذه المعطيات مباشرةً أمراً ماضياً بالنسبة للأسواق المالية المتطلّعة دوماً نحو المستقبل، بينما لا يزال الخبراء الاقتصاديون منشغلون بالتنبؤ بتلك المعدلات والأرقام عن المستقبل، ويتوصلون نوعاً ما إلى تصريحات مليئة بالتفاؤل. وهذا ما ينطبق اليوم بصورة خاصة على حجم الطلب الداخلي، الذي يمنح الوضع الاقتصادي الإجمالي الآن دعماً ثابتاً عقب أعوام من الكساد.