آثار رفع أسعار الفائدة .. بين التفاؤل والتشاؤم
لن يكون بوسع المدينين على الأرجح أن ينعموا بالهدوء والراحة ولفترة طويلة مقبلة. ففي أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، وحين سجلت أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل أدنى مستوى لها في أسواق المال، كان بوسع خزينة الدولة في ألمانيا على سبيل المثال أن تدفع أقل من 3 في المائة على قروضها لعشر سنوات. وكان هذا الأمر نفسه ينطبق على قروض تمويل المشاريع والمنازل الخاصة مع هامش معتدل من التغير والتذبذب.
وحتى هذه اللحظة يمكن الحصول على قروض تمويل إنشائية طويلة الأجل بسعر فائدة لا يكاد يبلغ 4 في المائة، حيث يمكن اعتبار هذه الشروط مغرية للاقتراض من أجل تحقيق حلم بناء منزل خاص أو تجديد آلات مصنع قديم، وذلك في ضوء معدل تضخم يزيد على 2 في المائة.
والسؤال الآن: هل سيصبح الأمر أكثر تكلفة بالنسبة للمدينين مع التغير المنتظر في أسعار الفائدة؟ أو لنقل السؤال من وجهة النظر الأخرى: هل سيكون بوسع المدخرين أن يحصلوا على عائد أفضل مستقبلاً مع ارتفاع أسعار الفائدة؟!
إن الإجابات على مثل هذه الأسئلة يكتنفها كثير من الغموض كما هو الأمر بالنسبة للتنبؤات المتعلقة بسوق الأسهم في السنة المقبلة. أما ما هو مؤكد فهو أن البنك المركزي الأوروبي سيرفع سعر الفائدة الأساسية، وقد تم حتى الآن، وعلى مرحلتين، رفع سعر الفائدة من 2 إلى 2.5 في المائة.
إن التعليقات الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي أكدت أن العام الجاري سيشهد خطوات إضافية في هذا الاتجاه، بل إن أسواق النقد قد شهدت حتى الآن خطوتين إضافيتين بالنسبة لأسعار الفائدة على قروض العقود الآجلة، ما رفع تكلفة القروض النقدية قصيرة الأجل إلى أكثر من 7 في المائة سنوياً، وذلك منذ شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.
وفي ضوء هذه التوقعات يبدو العائد الصافي على القروض الاتحادية لعشر سنوات والمقدر بنحو 3.6 في المائة متواضعاً للغاية، وما زال ثمة مجال لمزيد من الارتفاع.
في الحقيقة إن غالبية البنوك تتوقع ارتفاعاً يتجاوز 4 في المائة، ولكن ماذا بعد؟ هل ثمة خطر في حدوث تصفية في سوق الإقراض كما حدث عام 1999؟ في ذلك الحين فقدت عوائد القروض طويلة الأجل ما بين 15 إلى 20 في المائة.
القليل من الخبراء فقط هم المتشائمون بالنسبة لتقديرات الفرص والمخاطر. أما الغالبية فتأخذ بعين الاعتبار الارتفاع في صافي العوائد والتراجع في أسعار الخصم. ومع ذلك فإن هذه التقديرات تنبئ بتراجع بسيط في أسعار الخصم ما يجعل من الممكن تعويض هذا التراجع عن طريق كوبونات القروض طويلة الأجل والنافذة المفعول.
وثمة بعض الدلائل على احتمال حدوث ارتفاع معقول على العوائد، فهناك أولاً سيطرة البنك المركزي الألماني على معدلات التضخم. ومع أن ارتفاع الأسعار قد بلغ 2.4 في المائة، فإن ثمة مؤشرات على أن هذا كان مجرد ارتفاع طارئ لا غير. ويمكن النظر بالأهمية نفسها للطلب المرتفع هيكلياً على القروض الجارية طويلة الأجل.
إن صناديق التقاعد وشركات التأمين مهتمة بتطويل أمد استثماراتها المالية، خصوصاً وأن هناك حالياً اختلالا في التوازن بين استثماراتها والدفعات المستحقة عليها. إن هذه الدفعات تستحق على مدى زمني أطول، وهي تطول أكثر بسبب زيادة معدل السنوات التي يعيشها الناس، ما يؤدي إلى تغير المخاطر في عمليات إعادة الاستثمار.
ولمعادلة هذا الاختلال في التوازن، ولو جزئياً، يحتاج المستثمرون المؤسسون لإدارة أصول بألوف المليارات من العملة الأوروبية (اليورو)، وقروضاً طويلة الأجل بمبالغ طائلة. كما أن هناك أيضاً طلباً إضافياً من البنوك المركزية الآسيوية التي تستثمر جزءا متزايداً مما لديها من عملات صعبة كثيرة في المنطقة الأوروبية.
أما مسألة الطلب هذه فلا ينبغي طبعاً المبالغة فيها، لأن المستثمرين المؤسسين لن يشتروا المدد الطويلة بأي سعر كان. ولكن الشهية المعروفة لطلب القروض طويلة الأجل يمكن أن تشكل، ولو في المدى المتوسط، ضمانة ضد احتمالات حدوث تراجع في أداء الأسواق. أما من أراد السير في سكة السلامة فعليه أن يتماشى مع القروض طويلة الأجل. وعلى أية حال فإن أفضلية أسعار الفائدة على قروض العشر سنوات مقارنة بقروض السنتين قد تراجعت بنصف نقطة مئوية. ولكن من المعروف أيضاً أن القروض قصيرة الأجل عرضة لأقل ما يمكن للتراجع في العوائد.
أما الاحتمال الآخر فهو تلافي حدوث مفاجأة سيئة في سوق الإقراض، ويكون ذلك من خلال شراء أوراق مالية ذات فائدة متغيرة (ديون عائمة) ترتفع نسبة الفائدة عليها بارتفاع أسعار الفائدة على قروض الأشهر الثلاثة، لأن هذا يشكل ضمانة ضد أي ارتفاع مفاجئ في أسعار الفائدة الأساسية.
ومن اللافت للنظر أن عرض القروض الجديدة قد تقلص خلال الأسبوعين الماضيين إلى حد بعيد. ومن الواضح أن العديد من مصدري الأوراق المالية في انتظار معرفة ما إذا كان عائد الإقراض لن يتراجع ثانية بعد الارتفاع الحاد الذي سجله أخيرا.