سوق الأسهم والاقتصاد

سوق الأسهم والاقتصاد

سوق الأسهم والاقتصاد

العلاقة بين سوق الأسهم والاقتصاد الوطني في الاقتصاديات الحرة علاقة قوية تتكامل مع بعضها البعض, حيث إن وجود سوق أسهم قوي ومنظم يفتح مجالا لتمويل المشاريع الجديدة وزيادة رأسمال الشركات ويشجع قيام المبادرات والمشروعات الاستثمارية ويوفر وعاء متميزا لتنمية مدخرات المواطنين وتوجيهها إلى الشركات والاستثمارات الجديدة ويقدم للشركات تمويلا غير مكلف للتوسع والتطوير, أي أنه وسيط بين المدخرات والاستثمارات, مما يزيد في التنمية الاقتصادية والحركة التجارية وبالتالي يقود إلى تعميق وتوسيع سوق الأسهم, أي أنها عملية تبادلية مفيدة للطرفين, ومن هذا المنطلق الوطني كانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين حول سوق الأسهم لحماية مدخرات المواطنين ومصلحة الوطن. لذلك فإنه من الأهمية لأية دولة تريد تطوير اقتصادها واستخدام هذا الأسلوب الواعد للتنمية حماية سوق الأسهم وإنشاء الأجهزة والتنظيمات التي تحفظ توازنه وتجعل منه وسيلة للاستثمار الآمن في جو من الحرية والعدالة والشفافية ليصبح وسيلة لتمرير المدخرات ممن يملكونها إلى من يملكون الأفكار والمشاريع المجدية حتى تترجم هذه المدخرات إلى تنمية وفائدة للمستثمر ورجل الأعمال، كما يجب أن يقتصر دور الدولة على توفير الأرضية والمناخ المناسب والسوق الحر الذي يتعامل فيه الجميع على قدم المساواة ويحصلون فيه على المعلومات دون تمييز وبسرعة مناسبة لتكون قراراتهم مجدية ويجب على الدولة بالإضافة إلى إنشاء الأجهزة التي تشرف وتنظم السماح للسوق من خلال شركة السوق بإدارة أموره اليومية دون تدخل غير مبرر من الدولة وكلما كان التدخل في آليات السوق من قبل السلطات قليلا كان ذلك أفضل للسوق والمتعاملين فيه, ومن المهم إشاعة ثقافة الاستثمار من خلال وسائل الإعلام ومحاربة الشائعات ومعاقبة المدلسين والمتلاعبين في السوق. وسوق الأسهم السعودي كسوق جديد وناشئ ينقصه الكثير من التنظيمات والخبرة, فحتى الآن لم تنشأ شركة السوق حتى يدار من قبل القطاع الخاص وتصبح هيئة سوق المال كما هو مراد لها جهة إشرافية ورقابية تختص بالأنظمة وتطويرها والحرص على تطبيقها وليس محركا يوميا للسوق ومتدخلا في الشؤون التفصيلية للتداولات.
وحركة الهبوط الحاد التي جرت هذا الشهر ولا تزال مستمرة ما كان لها أن تكون بهذه الحدة وهذه المدة لو كان تنظيم السوق مكتملا والمعلومات متوافرة بشكل دقيق وشفاف يسمح للمتعاملين باتخاذ القرارات المبنية على معلومات صحيحة ويحد من قدرة المضاربين على التلاعب بالسوق والمؤشر، كذلك يعاني السوق من قلة الشركات المدرجة فيه حيث لا تزيد على 78 شركة بينما الأسواق المماثلة فيها عدد أكبر من هذا بكثير، إن السوق يعاني من قلة الشركات وليس قلة الأسهم فالمستثمر يستطيع شراء أي عدد يريد من الأسهم بسعر السوق ولكن المشكلة كما سبق أن ذكرت أن قلة عدد الشركات تسمح للمضاربين بالتلاعب بالسوق والتأثير على المؤشر بالمضاربة على سعر عدد محدد ومؤثر منها, وذلك هو في نظري سبب الارتفاع الشديد والهبوط الشديد بسرعة كبيرة مما يزعزع الثقة ويدمر نفسية المتعاملين, وقد يقود إلى انهيار السوق لا سمح الله بما يتبعه من عواقب غير مرغوبة وليس أدل على ذلك مما حدث يوم الخميس 23/2/1427هـ حيث أدى تحرك ثلاث شركات فقط إلى تغيير مسار المؤشر, ولذا ليس صحيحا في نظري ونظر الكثير المختصين أن تبيع الدولة أسهمها سوف يكون الحل لمشكلة السوق والمضاربات, بل الحل هو في سرعة الترخيص للشركات المساهمة لزيادة عمق وسعة السوق.
ومن المشاكل الموجودة في السوق والمؤثرة سلبا على مساره سرعة تطبيق القرارات, حيث لا يجري التمهيد لها بشكل مناسب, وكذلك صياغة إعلانات الشركات تكون أحيانا مبهمة وتعطي الانطباع الخاطئ وليست معدة بشكل مهني ومستوى عال من الدقة كما يفترض لها وكونها تؤثر على ثروات كبيرة, والدليل أن تلك الإعلانات تصحح عدة مرات بعد أن يكون الضرر قد حصل، كما أن قرارات وإعلانات هيئة سوق المال أيضا بحاجة إلى تطوير حيث تصدر دون تمهيد كاف ولا تعطي وقتا لتصحيح الأوضاع مثل مطالبة الشركات ببيع الأسهم التي لديها في وقت وجيز أو تطبيق نسبة 5 في المائة بشكل سريع ومربك وفي فترة وجيزة لا تسمح للشركات أو المستثمرين بالتكيف معها وترتيب استثماراتهم وأعمالهم وفقا لها ومع أنه ورد في النظام أن يكون لشركة السوق دور أكبر في التنظيمات اليومية وإدارة التعامل ومراقبته إلا أن دور الشركة لم يفعل ويجب أن يتم ذلك وأن تكتفي هيئة سوق المال بالدور الإشرافي والرقابي من بعيد ولا تصبح طرفا في الخلافات مع المستثمرين, بل تترك التطبيق لشركة السوق حيث إنها أقرب إلى المتداولين وأعرف بمشاكل السوق وآلياته.
ومن الحلول المقترحة التي أرى مناسبتها تعديل مدة التداول وجعلها فترة واحدة أسوة بالأسواق الأخرى وأن تكون من الساعة 4 ـ 8 مساء كل يوم ما عدا يومي الخميس والجمعة، وإيقاف الاكتتابات الجديدة حتى يستقر السوق وإعطاء صندوق الاستثمارات العامة دورا أكبر كصانع للسوق, بالإضافة إلى توجيه خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ بفتح المجال للمقيمين للاستثمار في الأسهم وكذلك تجزئة الأسهم. ومن الأهمية أيضا إلغاء نسبة التذبذب السابقة وهي 5 في المائة حيث إن تجزئة الأسهم سوف تجعل من تلك النسبة مقيدة للتداول لأن نسبة 5 في المائة من عشرة ريالات هي نصف ريال مما يترتب عليه أيضا السماح بالتداول بأجزاء من الريال وليس الريال فقط. والأهم من هذا كله من وجهة نظري تخفيف كثرة وحدة التغييرات في الأنظمة.
وختاما فإن سوق الأسهم السعودي سوق واعد يدعمه ويقويه حيوية الاقتصاد السعودي وقوته وارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي وتطور النشاط الاقتصادي والصناعي والتجاري وثبات سعر العملة وانخفاض التضخم وزيادة الاحتياطات الحكومية والأهلية, حيث إن هذه المقومات هي الأهم وهي الوقود والمحرك للسوق المالي وسوق الأسهم في أي دولة.
والله الموفق،،،

الأكثر قراءة