الألبان يأملون في جذب الاستثمارات الأجنبية
لو صدقت الحكومة الألبانية الجديدة بزعامة رئيس الوزراء سالي بريشا في وعودها للناخبين لقلّ الفساد في ألبانيا في غضون أربعة أعوام، ولتحسنت أساليب الإدارة ونجحت ألبانيا في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتمكّنت من الاقتراب من أوروبا أكثر فأكثر.
وتحظى الحكومة الألبانية الجديدة بقبول دولي واسع، فأعضاء الحكومة الجديدة كلهم من الشباب باستثناء رئيس الوزراء، كما أن أعضاء الحكومة يتمتعون بدرجة عالية من التعليم ويمتلكون مهارة إدارة الشؤون الخارجية، أضف إلى هذا أن وجوههم غير مستهلكة من الناحية السياسية. وحققت الحكومة الألبانية نجاحها الأول من خلال خطط إعادة الهيكلة عن طريق رفع الدخل الجمركي نحو 30 في المائة.
لكن الألبان أنفسهم يشعرون بالارتياب، نظراً لتكرار خيبة أملهم في حكوماتهم السابقة. وأفاد استطلاع للرأي أن معظم الألبان يرون أن حياتهم لم تتحرك للأمام بأي شكل من الأشكال خلال المائة يوم الأولى في عمل الحكومة، إلا أن بعض الذين خضعوا للاستفتاء ما زالوا يحتفظون ببارقة أمل ويقولون إنه ما يزال يوجد القليل من النشاطات التي يمكن القياس عليها حول عمل الحكومة الجديدة. والبعض الآخر يتهم الحكومة بأنها لم تعالج موضوع انقطاع التيار الكهربائي المستمر بصورة يومية نهاية عام 2005، والذي أثّر على الاقتصاد والحياة اليومية لجميع المواطنين الألبان بصورة كبيرة.
لكن من غير العدل اتهام مجلس الوزراء وحده بمشكلة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة، وهو ما يدل على حجم المعاناة التي يرزح تحتها الشعب الألباني بفعل سوء الإدارة الحكومية وممارسات الفساد والاستبداد السياسي وضعف الإدارة. ويواجه الشعب هذه التصرفات بمزيد من الضجر آملين من الحكومة الجديدة أن تبادر إلى فعل شيئين، هما: إنشاء مؤسسات عامة تكرّس جهودها للعمل على سن قوانين وتشريعات حكومية وسياسية، إضافة إلى العمل على وضع ألبانيا على الطريق نحو القارة الأوروبية.
وستكشف انتخابات البلدية المقرر إجراؤها أواخر الخريف المُقبل مدى نجاح الحكومة الائتلافية المؤلّفة من خمسة أحزاب وإذا كانت ستتمكن من تحقيق تلك التوقعات والأماني.
وخلال زيارة قام بها مانويل باروزو رئيس المفوضة الأوروبية إلى ألبانيا أخيرا، قال إن كل شيء يسير حتى الآن حسب المخططات، في إشارة إلى الجهود المبذولة بهدف القيام بخطط إعادة الهيكلة. والأهم من هذا أن المفوضية الأوروبية منحت ألبانيا عامين على الأقل قبل مصادقة دول الاتحاد على مبدأ إمكانية انضمامها حيث ينوي الاتحاد الأوروبي الحكم على وضع المرشحين، "إذا توصّلنا إلى درجة من الاقتناع بأوضاع المرشحين، يمكن تبديل ملحقات الميثاق الخاص بألبانيا بالكامل" ـ وفقما ورد على لسان أولي رين المفوض الأوروبي لشؤون التوسعة.
ووفقما يقال، فإن هناك خطى تقدّم ملحوظة في نزاع ضد الانتهاكات التنظيمية وممارسات الفساد، وتحقيق اقتصاد تجاري وإدارة حكومية تتقاربان في مواصفاتهما مع مقاييس الجودة والإدارة الأوروبية، وإعادة الأملاك الشرعية التي تم انتزاعها دون وجه حق في فترة الحكم الشيوعي. وترى المفوضية الأوروبية ضرورة المعالجة في بعض المجالات المتعلّقة بحماية حرية الإعلام وإبداء الرأي.
وبالنسبة لدولة مثل ألبانيا عاشت في عزلة شيوعية خلال 40 عاماً من الزمان، ولم تعرف أبداً شكل البنية الديمقراطية والاقتصادية التجارية، فمن المؤكّد أن تعهّد إنجاز المتطلبات الأوروبية مشروع غير سهل على الإطلاق، فالأموال التي تقدمها بروكسل لا تكاد تكفي تمويل عمليات الإصلاح وإعادة الهيكلة التي يتحمل الألبان أنفسهم الجزء الأعظم منها، وبرغم هذا فإن ألبانيا تسودها حاليا أجواء من التفاؤل، حيث صرّح ناند شاني الخبير الاقتصادي الذي يعمل في البنك الدولي: "لقد بدأنا العمل من العمق السحيق، ونشهد في الوقت الراهن الكثير من التقدّم، وسنتمكّن كذلك من تخطيّ الفجوة الأخيرة".
ويثق كل ألباني بالأهمية البارزة لميثاق الموازنة والتضامن الأوروبي SAA، وما سيحققه من تطوّر على مستقبل ألبانيا، حيث تقدّم أوروبا ضمانة للاستقرار السياسي، وسلامة الإدارة الحكومية، والتطوّر الاقتصادي.
من جانبها، طالبت أنيه فيستين ممثلة صندوق النقد الدولي، أوروبا باستغلال هذا الدور بحكمة واتزان، فعلى بروكسل أن تكون أكثر ليونة مع ألبانيا، ولكن في الوقت ذاته أن تمارس ضغطاً ثابتاًَ على الحكومة الألبانية بحيث تعمل على تقدّم خطط إعادة الهيكلة في أهم قطاعات الدولة.
ولا يمكن للاتحاد الأوروبي بأية حال من الأحوال أن يضمن تنفيذ أية قوانين بصورة أوتوماتيكية، أو من المحاباة السياسية، لأن الأمر يبدو على هذا النحو وكأن هدفه إلحاق الضرر بألبانيا وليس إصلاحها. ويُعد أفضل ضمان من المخاطر التبديل السريع قدر الإمكان والمُقنع لميثاق الموازنة والتضامن الأوروبي SAA فيما يتعلّق بالمستثمرين الأجانب، الذين تبدو ألبانيا في أمسّ الحاجة إليهم لتعزيز البناء الاقتصادي.
وفي الحقيقة، يوجد في ألبانيا القليل من الاستثمارات الإنتاجية إلى حدٍ بعيد، والتي من الممكن أن تحقق منتجات تصديرية مميزة، وفرص عمل لآلاف متعددة من الألبان الشباب، الذين يندفعون عاماً تلو عام إلى سوق العمل. وبالرغم من ذلك شهد اقتصاد ألبانيا سيراً سريعاً في مجمله خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيث تبلغ معدلات النمو الاقتصادي في ألبانيا بين 5 و6 في المائة، ما يضعها على قمة قائمة معدلات النمو الاقتصادي لدول البلقان، وهي الوحيدة من بين تلك الدول التي تمكّنت من تعويض الخرق في معدل النمو لحجم الناتج المحلي الإجمالي لديها عقب انهيار الستار الحديدي.
وبالرغم من ذلك، بالكاد يمكن الحديث اليوم عن نمو ملحوظ في معدلات التصدير الدائمة والقوية، أو حتى عن قوة اقتصادية تجارية فعّالة. وبالفعل يشهد النمو الاقتصادي دفعة قوية وملحوظة من قبل حجم الاستهلاك الخاص وحده، والذي يكمن وراءه حجم التحويل الكبير من الأيدي العاملة الأجنبية الألبانية، إضافة إلى الحسابات الائتمانية في البنوك، والذي يثير حجم نموها الهائل بنحو 70 في المائة خلال العام الماضي مخاوف وقلق بنك الاحتياط وصندوق النقد الدولي.
وتكمن القوة التصديرية بالفعل في قطاعات: الزراعة البيئية، صناعة معالجة الأخشاب، وقطاع النسيج، ومن الممكن تحويل قطاع السياحة إلى مصدر جذّاب لتحقيق الأرباح، طالما أن البنية التحتية اللازمة مُتاحة. ولكن ينقص ألبانيا بوجه عام المستثمرون المعززون مالياً، والذين يمتلكون الشجاعة للتعهّد بالتزامات طويلة المدى في ألبانيا، وبناء خطوط إنتاجية كذلك.
ولهذا، فمن المهم جداً أن تلتزم الحكومة الجديدة بوعودها وتأخذها على محمل الجدّ، وذلك بتحقيق مناخ استثماري ودود، استئصال الضفائر البيروقراطية، تليين الأنظمة الضريبية، إضفاء الصفات الاحترافية على الإدارة الحكومية والسلطات القضائية، تكريس الجهود لمحاربة الفساد، وتطبيق قوانين لقيادة حكومية جيدة، وحسبما ورد عن فيستين: "الإرادة بالفعل موجودة، ولكن كل شيء يسير ببطء شديد".
وفي إطار ذلك يتناول المشرعون الدوليون أمرين بالأخص بكثير من القلق. الأول، حيث يكمن الخوف من أن يعمل تبدّل الحكومة مباشرةً على زيادة ضعف الجهاز الإداري الحكومي الواهن أصلاً، لأنه على ما يبدو أن حكومة الائتلاف مصممة بضراوة على تحقيق موقع أتباع حزبها الخاصين ضمن الصفوف الرسمية، حيث إن هذا التبدّل بالكاد يبدو أنه أمر حقيقي قادر على خدمة محاربة الفساد. وغالباً ما تنشأ الكثير من نزاعات المصلحة الجديدة، ولكن يتم إلغاء السعات المتخصصة بالأخص وعلى نحوٍ مؤقّت على الأقل. ويشتكي دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي قائلاً: "هذا بالضبط ما لا تحتاج ألبانيا إليه في الوقت الراهن".
وتظهر معضلة إعادة الملكيات الشرعية إلى أصحابها أكثر مراوغة، حيث يعتقد الكثيرون بأنها معضلة غير قابلة للحل. ولا يُعد عدم الأمان القانوني الحالي المصدر الوحيد وراء قيام المنازعات، حيث تم ارتكاب أغلب المجازر في خضمّ النزاع على المسائل الملكية، بل ويعمل عدم الأمان القانوني الحالي على إبقاء المستثمرين المقتدرين بعيداً.
المشكلة ضخمة: فمن ناحية، امتلك نحو 70 في المائة من جميع الألبان الأراضي قبل أن يستحوذ الحكم الشيوعي على السلطات، ومن ناحية أخرى، فإنه يتم إنشاء ما يزيد على 70 في المائة من جميع المباني في ألبانيا اليوم بطريقة غير شرعية.
وانتهت محاولة حكومة بريشا الأولى في حل مسائل إعادة الحقوق الملكية إلى أصحابها الشرعيين في منتصف التسعينيات بكثير من الفوضى والفساد، واليوم تعلن حكومة بريشا أنها ستعمل على حل مشكلة البناء غير القانوني عن طريق عفو عام، ومطالبة المالكين المُسجّلين الجدد برسوم ضخمة لتتمكن عن طريقها من تعويض المالكين السابقين. ولحسن الحظ أن هذا الحل لم ينل موافقة أحد، ولكن تتبادر الشكوك والتساؤلات إلى الذهن، فيما إذا كان هذا الحل قابلاً لأن يُوضع موضع التنفيذ سياسياً. ومن المؤكّد أن ألبانيا لن تصل إلى حالة من الهدوء إذا لم تضع حلاً سلمياً فيما يتعلّق بمسألة الملكية، وكذلك سيبقى الطريق نحو أوروبا مسدوداً.
ولعل الكثير من الأمور الجارية في ألبانيا الآن كانت ستبدو على نحو مختلف مما هي عليه الآن لو أن ما يزيد على مليون من الألبان الأجانب لم يحوّلوا عاماً تلو العام ملايين اليورو إلى عائلاتهم التي خلفوها وراءهم في الوطن، ولولا ذلك لما كان يوجد على لوحة العاصمة الكبرى "تيرانا" الكثير من المنازل والمساكن الريفية العامة الجديدة، ولا حتى العدد الهائل من سيارات الصالون الفاخرة التي تمشي على طرقاتها، ولما اعتبر حجم الاستهلاك الخاص محرك نمو للوضع الاقتصادي هناك، ولبلغت نسبة الفقراء من بين نحو 3.2 مليون نسمة في ألبانيا، أعلى من تلك التي يقدّرها البنك الدولي بنحو 25 في المائة.
ولكن لا يمكن لألبانيا أن تثق ثقة عمياء بأن هذا المصدر من الثراء سيستمر بالغليان وإطلاق الفقاعات إلى الأبد، لأن الجيل المُهاجر الثاني بطبيعته يغدق بالقليل من الأموال قياساً مع الجيل الأول، إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي يضع باستمرار حدوداً للأجانب الباحثين عن العمل، ويرفع من كثافة تلك الحدود والمعوقات، ما يؤدي إلى نضوب السيولة النقدية بصورة سريعة وينزلق الميزان الإنتاجي أكثر إلى مراحل الخطر. ومن المحتمل أيضاً أن يتزايد ضغط الحجم السكاني على العاصمة، حيث تضاعف الحجم السكاني هناك خلال الأعوام العشرة الماضية ثلاثة أضعاف.