آمال ضئيلة في التغيير وتراجع أداء القطاع الصناعي في إيطاليا

آمال ضئيلة في التغيير وتراجع أداء القطاع الصناعي في إيطاليا

دعا ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الإيطالي الجديد، إلى تطبيق خطط إعادة الهيكلة المتفق عليها وإحداث المزيد من عمليات المنافسة والإصلاح في الخزانة المالية من أجل تحقيق وثبة نحو النمو والتقدّم الاقتصادي في إيطاليا.
وحرص محافظ البنك المركزي الإيطالي على تذكير المرشّحين لانتخابات مجلس النواب الإيطالي في التاسع والعاشر من نيسان (أبريل) المُقبل بضيق الوقت، وقال: "كما ترون فإن الوقت المتبقي للمضي في سياسة النمو وإصلاح أوضاع الخزانة المالية محدود".
وتعاني خزانة الدولة الإيطالية شبه المفلسة من المزيد من الأثقال والأعباء الجديدة بسبب سياسة الفائدة للبنك المركزي الأوروبي، الأمر الذي أوجد عجزاً حكومياً عام 2005 بمعدل 4.1 في المائة من قيمة إجمالي حجم الناتج المحلي، وارتفاعاً آخر في المديونية إلى ما يزيد على 108 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تشير كافة البيانات التي وردت عن عام 2005 إلى أن إيطاليا فقدت جزءا آخر من قدرتها التنافسية مجدداً، كما تشير معدلات التصدير الحالية إلى حدوث تراجع كبير. فمنذ كانون الثاني (يناير) حتى تشرين الثاني (نوفمبر) انخفض معدل تصدير المنتجات الجلدية بنحو 8.9 في المائة مقابل عام 2004، وكذلك المنسوجات والملابس الجاهزة بنحو 6.8 في المائة، بينما تراجع حجم مبيعات المفروشات بنحو 9.1 في المائة. وبربط ذلك مع التقديرات المرتفعة بقوة في مجال استيراد النفط والغاز والطاقة، حينها يمكن القول إن إيطاليا وصلت إلى قيمة قياسية من العجز في الميزان التجاري لعام 2005.
هذا لا ينطبق على قطاع التصدير فحسب، بل كذلك على سوق الاستهلاك المحلية، حيث بدأت المنتجات الإيطالية الأصل تفقد أرضيتها. وتقدّر دائرة الإحصاءات أن معدل الاستهلاك الخاص الإجمالي للشعب الإيطالي ارتفع بمعدل حقيقي نحو 0.1 في المائة، ولكن في الحقيقة يكمن خلف هذا المعدل صورة مختلفة تماما، فقد أنفق الإيطاليون فعليا 0.1 في المائة أقل مقارنة بعام 2004 مقابل البضائع الإيطالية الأصل، ولكن 6.8 في المائة أكثر مقابل البضائع المستوردة. وعمل السيّاح القادمون من الخارج على انسياب أموال أقل بنحو 0.8 في المائة مُعدّلة مع حجم التضخّم بالمقارنة مع العام الذي سبق.
ومن الممكن أن تعمل إيطاليا على تثبيت وجود نسبة جيدة من حصصها في السوق العالمية، لو تمكّنت من حلّ الكثير من المشاكل الموجودة لديها.
ويوضّح جريجوريو دي فيليتشيه الخبير الاقتصادي في بنك إنتيزا: "لقد حقق الاقتصاد الإيطالي نموا بمعدل 1.3 في المائة سنويا خلال الأعوام العشرة الماضية، وكان بإمكاننا تثبيت حصصنا من السوق على المستوى العالمي، لو أننا تمكنّا من تسجيل معدل نمو بما يعادل نحو 2.5 في المائة".
ونظراً لأن المنتجات الإيطالية تواجه دوماً منافسة صينية حادة، وخاصةً في مجالات: الأحذية، الملابس، والأثاث، ولأن أسواق الترويج الإيطالية التقليدية مثل الألمانية نوعاً ما، لا تنمو، إضافة أن تكاليف العمل الإيطالية، وغيرها من النفقات ارتفعت في المعدل، فقد شهدت الدولة تراجعاً عاماً بصورة ملحوظة.
ويُقدّر الخبراء الاقتصاديون من بنك إنتيزا حصص إيطاليا التجارية في السوق العالمية بنحو 4.7 في المائة عام 1995، مقابل نسبة تزيد على 3.5 في المائة بشيء بسيط عام 2005، إضافة إلى التعليل المُتجاهل اليوم، أن قطاع التصدير الإيطالي استفاد في الحقيقة بصورة كبيرة خلال عام 1995 من الانخفاض الحاد الذي طرأ على سعر الليرة آنذاك.
وبالفعل يتجنّب حاكم بنك الاحتياط الجديد ذكر هذه المشكلة ضمن تحليلاته القاسية قائلاً: "لا يمكن أخذ الوسيلة المساعدة السابقة بخفض سعر الليرة مقابل المنافسين بعين الاعتبار أكثر، حيث لا يمكن تحقيق الانتعاش الاقتصادي إلا عن طريق رفع حجم الإنتاجية".
وبالنظر من زاوية إحصائية، فإن تنمية حجم الإنتاجية في إيطاليا بقي متخلّفا عن معدل باقي الدول الأوروبية الأخرى. وتظهر الحكومة نفسها أكثر طموحاً مقارنة بالموظفين الحكوميين في دائرة الاقتصاد المهني، نظراً لأن المجتمعات المهنية للخدمات العامة في الائتلاف تجد الكثير من التحالفات، والتي ترى قدرة تصويت كامنة في قطاع الخدمات العامة بالأخص.
وفي الوقت ذاته، ارتفع عدد الموظفين في غضون خمسة أعوام، حسبما ورد عن المعطيات الإحصائية، دون أن يعمل هذا التأثير على إحداث توسّع ملحوظ في حجم الإنتاج.
ويكمن وراء معدلات النمو تلك وضع القوانين التشريعية فيما يتعلّق بالعلاقات العمّالية غير القانونية القائمة للإيطاليين وغيرهم من الوافدين الأجانب، الذين أسهموا حتى هذه اللحظة في الإنتاج الإيطالي المحلي دون أن يتم إلحاق تلك المعدلات ضمن الإحصاءات المُسجّلة، ما يؤدي اليوم إلى إلحاق الكثير من الضرر بقيم الإنتاجية.
ولا يمكن للمناقشات النظرية للمسؤولين الإحصائيين أن تتجاهل مقولة إن القيمة المُضافة لحجم التوظيف في إيطاليا انخفضت خلال الأعوام الخمسة الماضية فحسب، بل ارتفعت تكاليف العمل الجزئية في الوقت ذاته ما يزيد على نحو 15 في المائة، بينما بقيت معدلات الأخيرة ثابتة في ألمانيا.
ويشير سيلفيو بيرلوسكوني رئيس الوزراء إلى فرص العمل الإضافية، التي في الحقيقة بالكاد عملت على تقدّم النمو الاقتصادي، حيث شهد الوضع الاقتصادي الإيطالي عام 2005 كساداً مقارباً في معدلاته مع تلك في عام 2003، بمعدل نمو قُدّر بنحو 0.0، بينما شهد عام 2002 نمواً هزيلاً بقيمة نحو 0.3 في المائة، وبما يُعادل 1.1 في المائة عام 2004، وتشير معدلات النمو المتوقّعة لعام 2006 إلى قيمة تفاؤلية تُعادل نحو 1.5 في المائة.
إلا أن القليل من الآمال تُعلّق اليوم على الدوافع الإيجابية المُحتملة ما بعد فترة الانتخابات، بما يماثل الثقة الكبيرة للمستهلكين الألمان عقب تبدّل الحكومة. وأغلب الظن أن الوعود اليومية المنبثقة عن النزاع الانتخابي أسهمت في تقويض ثقة المستهلكين، والتي لطالما أسهمت خلال الأعوام الماضية في سد ثغرات الاقتصاد التصديري قليلاً.
وتُعد المظاهر المُشيرة إلى قدرة خطط إعادة الهيكلة الجديدة عقب الانتخابات في تحقيق المزيد من القوة في النمو، قليلة بالنظر إلى النزاع والبرامج الانتخابية. وأصدرت أحزاب الوسط اليسارية برنامجها الانتخابي في 281 صفحة، مستندة في ذلك إلى استطلاعات رأي، حيث يمكن لكل فرد أن يجد في هذا البرنامج ما يهمه.
ويقول رومانو برودي قائد ائتلاف اليسار إن على الحكومة أن توفر لكل مولود جديد ميزانية للتعليم. وفي الوقت ذاته، تكثر الوعود حول المزيد من النفقات على المدارس والبحث وعلى غيرها من المجالات الأخرى، ولكن كذلك بسياسة اندماج الخزانة المالية الصارمة.
وعلى ما يبدو أن سيلفيو بيرلوسكوني رئيس الوزراء، لا يهتم بخطط المعارضة، ولا يغالي بكثير من الوعود، حيث ينوي لاحقاً أن يرفع الحد الأدنى من أجور التقاعد للمواطن الإيطالي الذي يزيد على 65 عاماً من العمر من 500 إلى 800 يورو، إضافة إلى وجود مكافآت للأطفال، حيث قام بإصدار تشريع لأول مرة، بالنظر إلى النزاع الانتخابي، بتخصيص ألف يورو لكل مولود جديد خلال عامي 2005 و2006.

الأكثر قراءة