الدولة والسوق والمواطن

 الدولة والسوق والمواطن

ساهمت الدولة جهازا وموظفين في اتخاذ عدد من القرارات المهمة خلال الأسابيع الماضية في عز الأزمة وكان المواطن ومعاناته صلب الحدث. وبدأ سوقنا في التحرك والاتجاه نحو الارتفاع وأصبح من الممكن للمواطن الدخول والخروج بصورة مرنة. ويجب ألا ننسى الماضي ونتعظ من الدرس الذي تعلمناه بأن ليس هناك شيء مجاني وأن التعقل والتدبر في الاستثمار بعد مهم ويجب ألا نصدق ما لا يمكن أن يكون.
القرارات التي اتخذت ارتكزت على ثلاثة أبعاد رئيسية، الأول ارتكز على التجزئة وبالتالي تخفيض قيمة السهم إلى الخمس تقريبا. وهذا الإجراء هدف إلى جعل الشركات ذات العوائد والربحية في متناول المستثمرين خاصة صغارهم، حيث يستطيع التنويع والاستثمار في حدود إمكانيات مقبولة، وبالتالي يلغي قضية ركز عليها البعض في الماضي وهي شراء الأسهم الرخيصة والاستفادة من حجم الارتفاعات السعرية. مع أن المفترض هو النظر إلى قدرة الشركة على النمو وخططها التوسعية المستقبلية وقدرتها على الاستجابة للطلب في ظل النمو الاقتصادي الذي تعيشه بلادنا والذي لن يجدي الشركات إلا إذا تفاعلت معه، وبالتالي يفرض دورا على مجالس الإدارات في الشركات التي يتقاعس بعضها ولا يقوم بدوره، كما يجب ويستفيد من الفرص ويحسن ربحيته من خلال الموارد والفرص المتاحة له. وأعتقد مع صدور نظام حوكمة الشركات يجب أن يشعروا ويدركوا بأهمية الدور ويتفاعلوا معه وأن الدولة تحملت ما يجب ودورهم حان.
البعد الثاني ويتركز على قضية إنشاء صندوق التوازن الذي يمكن أن يحقق للسوق الاستقرار والذي ستتحمل تبعاته ونتائجه الدولة وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية ممكن، ولكن يجب أن يصاغ بطريقة تدعم آلية السوق السعودي، فالظروف المالية الحالية وبفضل سياسات الدولة خلال السنوات السبع السابقة وضعتنا في موقف قوى يجب ألا تضيع نتيجة لسلوكيات واستغلال البعض للأنظمة ليزيدوا ثراءهم على حساب المواطن ومن خلال استغلال عدم الشفافية أو وجودهم قرب مصادر المعلومات. يجب أن تتم دراسة الفترة السابقة ومعاقبة من تعامل أو استغل السوق خاصة من هم في مركز المسؤولية وخارج إطار موظفي الدولة الذين تلقوا الاتهامات خلال الفترة السابقة دون وجه حق مع وجود من قام بالأخطاء خارج دائرة الاتهام.
البعد الثالث والمهم التركيز على توسيع دائرة السوق من خلال إتاحة مزيد من السيولة من خلال المستثمر المقيم ومن خلال طرح المزيد من الشركات خاصة بنك الإنماء، فالسوق السعودي للمستثمر وللاقتصاد في حاجة ماسة لمزيد من الأمثلة والشركات الناجحة والرابحة في ظل مجموعة من الشركات ابتلي السوق بها ولا تقدم أداء يشفع لها في الوجود في اقتصادنا وسوقنا في ظل انخفاض القدرة على المحاسبة، فالسوق والمواطن يتعطشان لوجود شركات رابحة ونماذج للتنمية والتطور تسهم في زيادة مدخراته ومساندته مستقبلا وهو ليس في حاجة إلى مزيد من الشركات التي تثقل السوق وتثقل محفظته الاستثمارية دون وجه حق أو مراعاة، فالدولة حباها الله تبذل جهودا مضاعفة، ولكن هناك فئات دأبت على امتصاص قوت المواطن يجب أن تحاسب. ولعل أكبر وأهم قضية تؤرق السوق هي الشفافية والاتجار بالمعلومات، التي نعتقد بصورة واضحة أن هناك ثغرات لا تزال موجودة وتحتاج إلى من يوقفها. ومن المهم التركيز مستقبلا على هذا الجانب خاصة في ظل تطوير صناعة المعلومات المالية وفي زيادة حجم التحليل المالي. وزيادة الوضوح في السوق قضية مهمة وحيوية تحاول الهيئة مشكورة عن طريق الترخيص لمزيد من الشركات في مجال الوساطة والإفصاح.
الدولة والمسؤولون يسعون بصفة دائمة ومستمرة في الحفاظ على مكتسبات الوطن ولكن البعض ممن يفتقدون الوطنية وهمهم الأول الثراء الذاتي وزيادة حجم الثروة من دون وجه حق ومن خلال استغلال ثغرات النظام ليحققوا مبتغاهم. هذه النوعية من البشر التي تعيش على السوق وعلى رزق المواطن لن يقضي عليها سوى زيادة وعي المواطن وتصديه لتوجهاتهم السلبية في قيادة السوق ومن خلال زيادة الإفصاح وعدم التعامل مع الأمور بسرية. الشركات يجب أن يكون لها دور وطني وحساس في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل جعل كل المعلومات منشورة ومفتوحة حتى لا يكون هناك استغلال وتلاعب. فنحن نحتاج في الفترة المقبلة لأن تكون الاستثمار ونتائجه واضحة وصريحة، فالشركات وسعر السهم والولاء يكون لكل المساهمين وليست للبعض، ونقضي على التلاعب والاستفادة من المعلومة دون وجه حق.

الأكثر قراءة