"البسيطا" ... عندما تغيب الإنجازات تحت جلباب الشركات
"البسيطا" ... عندما تغيب الإنجازات تحت جلباب الشركات
في الركن الشمالي الغربي من وطني تشكلت أضخم سلة غذاء من مختلف الأطعمة والأشربة، أسهم في ذلك توفر المياه واعتدال الطقس، لنرى القمح، الزيتون وزيت الزيتون، الطماطم التصنيعية، اللحوم الحمراء، الخضار والفاكهة وعصائرها، منتجات شتى ولكن مهما قيل لك عن البسيطا فلن يوفي محدثك سوى القليل عنها، والتي كان لها من اسمها نصيب نظرا لانشراح الصدر وبركة في الوقت عندما تكون داخل تلك المروج الخضراء، والتي طالت البركة ما تنتجه تلك الأرض البكر.
لا تصدق ما تسمع ما لم تر بنفسك، مشاريع زراعية مهولة، وهنا أتذكر مقالة نشرت ضمن ملحق زراعي في صحيفة "الاقتصادية" عام 2005 عندما طالب كاتب المقالة بإنشاء هيئة لمنطقة البسيطا على شاكلة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وكنت حينها أتندر على ذلك المطلب، ولكن بعد زيارتي الأخيرة قبل أيام "وطبعا هي الأولى"‘ أدركت مدى الحاجة الملحة لذلك، ولكن ما السبب في عدم بروز المنطقة، بل الأدهى من ذلك عندما سألني أحد الزملاء، أين تقع منطقة البسيطا، كانت الإجابة والتي بالطبع في نفسي على صيغة سؤال (هل هو غياب أم تغيب إعلامي؟)، لماذا غابت الأجهزة الإعلامية في وزارة الزراعة وفي الشركات الزراعية الكبيرة كل هذه المدة عن نشر معلومات تكشف لنا عن منطقة تملك ليس فقط المقومات الزراعية، بل والسياحية، نظرا لاعتدال مناخها في فصل الصيف.
لم يكسر حدة تساؤلي سوى دعوة شخصية من المهندس إبراهيم أبو عباة مدير عام الوطنية الزراعية، الذي تشرفت بتلبيتها، وكان هدفه أن أطلع على المنطقة بنفسي، وهذا ما أوضحه لي بعد توديعي له، عندما قال لي: هل كنت تتوقع أن نوفي المنطقة حقها عندما نحاول أن نوضح لك ما تضمه من مشاريع وبرامج زراعية وأنت في الرياض؟
بالفعل سؤال إجابته على الواقع، بالكاد قضيت يومين لم تكن تكفي إلا فقط لمشاهدة بعض المشاريع وليس كلها وفي شركة واحدة فقط، ورغم ذلك فاقت تصوري، ومع ذلك كان يراودني السؤال الذي أصبح ديدني في الرحلة: من المسؤول عن هذا التغييب الإعلامي؟ أين الجهات الزراعية الرسمية، أين السياحة، أين نحن من ذلك؟ بلا شك تفكير وهمة وقادة من مدير عام الوطنية الزراعية، ورؤية ثاقبة، عندما قال لي: أليس من حقنا أن نشعر الآخرين بما لدينا وبما نقدمه لهم، من خيرات أرضهم ووطنهم، شباب سعودي وأيد عاملة من مختلف أنحاء العالم في منطقة تملك ثروة أبلغ من أي ثروة، بفضل الله عز وجل، ثم شباب طوع الصعاب، ليقدموا ما نأكله على موائدنا العامرة، ورغم ذلك يطالبون بوقف الزراعة لأنها تستنزف المياه، عبارة الأمن الغذائي لا يعيها إلا من يرفع رأسه عاليا ليطالع العالم من حوله، بلاد تشق الأنهار طولها وعرضها ومع ذلك بحاجة إلى حبات من القمح، بلاد ترابها من ذهب يصلح للزراعة ومع ذلك لم يقدروا أن يحققوا الاكتفاء الذاتي لمنتجات ضرورية. تحد وطموح وتفكير وتدبير، عقول سعودية تتوهج حياة وحيوية، في الحقيقة شعرت حينها بما كنت أود أن أعبر عنه حرفيا، ولكنهم كفوني ذلك على الواقع.
كنت أسمع عن الزراعة النسبية ولكني رأيتها في البسيطا، إنها منتجات زراعية تصنيعية، مياه متوفرة، أرض بكر خصبة، شباب متحمس، يقول ماذا ينقصنا عن غيرنا؟
درس إعلامي بليغ من "الوطنية الزراعية" لشخصي، يطرح تساؤلا (أين الشركات الزراعية الأخرى، في الجنوب، الشمال، الوسط، والشرق)، هل يعقل أن هذه الشركات لا تدرك البعد الإعلامي عند إبراز النجاح الزراعي، ألا يدركون معنى الأمن الغذائي، ومعنى أن تكون تحت رحمة خالقك، لا رحمة مخلوق مثلك، (يتحكم في مصيرك وقوتك اليومي)، هل دور وزارة الزراعة فقط منح أراض أم إرشاد أم ندوات، ويكفي، ماذا عن اللجان الزراعية في مجلس الغرف والغرف التجارية، كأني بلسان حالهم، لا يعلمون أن مشاريع البسيطا تستحق الإشارة، وإن إبراز خبر اجتماعاتهم واختيار رئيس ونائب وأعضاء لجان أهم من مشاريع لا تراها الأعين وإن سمعت الآذان فلن تصدق، أليس من حقنا أن نعلن ما لدينا ونفتخر بذلك، أليس المعطي هو الله عز وجل، أليس شبابنا هم من طوع الأرض.
إذا" لتكن البسيطا ملتقى زراعيا عالميا، والبحث عن خطة تطويرية متكاملة، ولم لا تقام كلية زراعية ومعاهد مختلفة المشارب، الإنتاج الزراعي، الحيواني، المختبرات، تطوير الطرق، توفير الخدمات الكهربائية، والتعليمية، المنطقة من ذهب وكما قلت سابقا لن يوفي الكلام حق البسيطا.
للعلم فقط:
وفد كرواتي عالي المستوى زار المنطقة، كان يحمل أفكارا وخبرات مختلفة يرغب في عرضها على مسؤولي الشركات السعودية في البسيطا، ولكنه عاد أدراجه بعد أن شاهد ما فاق تصوره عن المملكة العربية السعودية، حيث إن التصور الذي يحمله أنه بلد صحراوي وسيلة تنقلاته الجمال، ولكنه تفاجأ بما شاهده من مشاريع أقرب إلى الخيال، وما أحوجنا نحن إلى كشف الغمة عن هذا الخيال فهو واقع نحن بحاحة إليه ليرفع من معنوياتنا.