عندما ينزح الناس لا تسجل للعقارات قيمة
أصبح التطور السكاني في ألمانيا موضوع الساعة، فالناس يشيخون والأطفال يقلون، وسكان الشرق ينزحون باتجاه الغرب. ويومياً تنتشر أخبار حول أماكن العمل، ويقول آخر اقتراح إنه ينبغي الآن على من لا أطفال لهم أن يتنازلوا عن نصف رواتبهم التقاعدية من أجل التخفيف على خزينة الدولة، ويلاحظ أيضا أنه لم تعد ثمة وجبات ساخنة، إذ لم يعد الناس، كما في السابق يطهون الطعام وعلى الرغم من كل شيء فإن الانفعال الكبير يظهر بوضوح تام أن الأعصاب متعبة.
إن السؤال الذي يطرح نفسه ليس فقط في سياق السياسات الكبرى وإنما أيضا على مستوى الأسر الخاصة، وهو: إلى أين المصير؟! وهذا ينطبق على العمال في ألمانيا الشرقية الذين لا يعرفون ما إذا كان الغد سيحمل لهم راتباً وغذاء، وينطبق هذا أيضاً وبنفس القدر على المستثمرين في ألمانيا الغربية الذين استثمروا أموالاً قبل سنوات في الشرق على أمل تحسين ظروف شيخوختهم، غير أنهم باتوا الآن يواجهون أكواماً من الركام ويبحثون عن حلول تمكنهم من التعامل مع أعباء الديون التي أصبحت تثقل كواهلهم، وتذكر في هذا السياق حكمة تقول إن الاقتصاد والاستثمار كليهما يعتاش على الناس، ولكن ما العمل عندما يرحل الناس أو يموتون وعندما تتبخر فيه الممتلكات العقارية ما بين عشية وضحاها.
عندما تهجر مناطق من البلاد بكاملها لا يعود الأمر يتعلق بتعظيم الفوائد بل بتقليص الخسائر. وتلك هي أيضا واجبات المستثمر الذي قام قبل عشر سنوات، على سبيل المثال، بتشييد بيت يتسع عددا من الأسر في براندنبيرج مدعوماً ببعض الحوافز الضريبية. لقد كلف البناء في حينه 500 ألف يورو وأعطى في سنواته الأولى، وبفضل ضمان الإيجارات، 24 ألف يورو في السنة غير أن السنوات الذهبية تلك ولّت منذ زمن بحيث أصبحت الأرقام الآن سالبة، فالعوائد انخفضت إلى 12 ألف يورو، كما أصبحت قيمة العقار تقدر حالياً بـ 120 ألف يورو فقط، بينما بقية الديون ما زالت في حدود 300 ألف يورو، وهذا يعني بصريح العبارة أن يبقى المستثمر معلقاً في الهواء بما قيمته 180 ألف يورو، هي فاقد القيمة على أية حال.
ويمكن القول إن الآفاق الاقتصادية هي، بتحفظ، من قاتمة إلى عديمة الآمال، فالإيجارات لا تزال تدفع حتى الآن ولكن السكان يتناقصون من شهر إلى شهر، ولا يبقى في الساحة سوى أشخاص لا يكادون يستطيعون تدبير قيمة الإيجار. وبهذا فإن الـ 120 ألف يورو المقدرة حالياً كقيمة للعقار، يبدو تحصيلها، في المدى البعيد، مجرد تفاؤل لا غير. وفي حالة انخفاض الإيجارات، أو حين يصبح العقار ذات يوم خاليا من المستأجرين، فلا بد من توقع عجز المستثمر عن الوفاء بديونه، وعندها قد يفقد العقار كامل قيمته. ترى، في مثل هذه الحالة، ما هو شكل القرار الصائب الذي لا بد من اتخاذه لحصر الخسائر خلال العقد القادم ضمن حدودها الدنيا؟!
الاحتمال الأول هو انتظار الفرج، فالمؤجر يتوقع أن يحصل مستقبلاً على 1000 يورو شهرياً بدون أي خصومات. أما بقيمة الدين البالغ 300 ألف يورو فيحمل فائدة قدرها 5 في المائة سنوياً، وبهذا لا بد من سداد هذه الفوائد بواقع 125 يورو شهرياً. إن الإيماءات وفوائد الدين، والاستهلاكات تؤدي، في مجموعها إلى خسارة ضريبية تقدر بثمانية آلاف يورو سنوياً، إن هذا المستثمر الخاضع لضريبة نسبتها 40 في المائة يصبح في هذه الظروف مستحقاً لردية ضريبية قدرها 250 يورو شهرياً. وبهذا تلغي الدخول والنفقات بعضها بعضاً بحيث يصبح المستثمر في السنوات القادمة يدور في حلقة مفرغة وينتقل من صفر إلى صفر.
وهكذا تصل الأمور إلى نهاياتها بكل معنى الكلمة. فقيمة الرهن ستبقى كما كانت 300 ألف يورو، حيث إنه لم يسدد منها سوى الفوائد المستحقة. أما قيمة العقار فلن تتجاوز وفقاً لأفضل الاحتمالات 100 ألف يورو. ولأن المؤجر سيتكبد نفقات باهظة على صيانة العقار، فسيترتب على ذلك، في ظل ظروف استمرار عمليات النزوح، ديون إضافية تقدر على الأقل بـ 200 ألف يورو، هذا إذا بقي العقار بعد عشر سنوات، قابلاً للبيع، مما يتسبب في النهاية بوقوع خسائر تقدر بـ 35 ألف يورو، على فرض سعر فائدة قدره 4 في المائة فقط.
وستزداد التكاليف إذا أخلى المستأجرون المأجور لأنهم لم يعودوا قادرين على دفع بدلات الإيجار. وفي حالة انهيار العائدات تماماً، خلال خمس سنوات مثلاً، فسيكون على المالك أن يتدبر 625 يورو شهرياً، وهذا كله مشروط طبعاً بفرضية استعداد أجهزة المالية العامة لتحمل الخسائر الضريبية طوال السنوات الخمس. ولكن الأسوأ ألا تتحمل الخزينة العامة الإعفاءات الضريبية على العقار لسنتين أو ثلاث فقط. وفي حالة استمرار توقف تدفق العائدات يبرز خطر تصنيف العقار كمقتنيات تحفية وهو ما يعني إلغاء أية إعفاءات ضريبية عليها، أما إذا عرض العقار للبيع خلال عشر سنوات، وهو خالٍ من الساكنين، فلا بد أن يفقد جزءا من قيمته وعلى فرض انه سيفقد 50 ألف يورو من قيمته فإن الديون في هذه الحالة سترتفع إلى 250 ألف يورو. إن أقساط سداد الدين الستين بواقع 625 يورو لكل قسط مضافاً إليها دفعة السداد الأخيرة والبالغة 250 ألف يورو، يمكن أن تترجم إلى قيمة نقدية قدرها 197 ألف يورو. وهذا يعني أن خطر خلو المأجور من السكان وما يترتب عليه من فاقد في القيمة يمثلان معاً خسارة تزيد بما لا يقل عن 62 ألف يورو عن البديل الأول.
أما الحل الوسط، فهو البديل الثالث وهو محاولة بيع العقار بأسرع وقت ممكن، إذ عندما يباع البيت اليوم بمبلغ 120 ألف يورو، أولاً لأنه مؤجر بكامله، وثانياً لأنه يدر عائداً قدره 12 ألف، وثالثاً لأن المشتري يأمل أن تظل الأمور على حالها فإن المستثمر يبقى في هذه الحالة تحت عبء دين قدره 180 ألف يورو، أما ما إذا كانت الخسارة ستزداد فهذا منوط بقدرات المستثمر وإمكانياته، فإذا توفر له المال الكافي، استطاع أن يسدد الفواتير دفعة واحدة، ويبيع، على سبيل المثال، جزءا من السندات المالية، وإلا فإن عليه أن يسعى للحصول على قرض يلتزم بدفع 5 في المائة فائدة سنوية عليه، وبتسديده على أقساط شهرية تكون قيمة كل قسط منها 1909 يورو. وستكون القيمة النقدية لهذه المائة وعشرين قسطاً 189 ألف يورو، هذا إذا كانت الأقساط محملة بفائدة قدرها 4 في المائة فقط.
إن الأرقام تنطق لمصلحة البديل الأول لأن الخسائر هنا ستكون الأقل بفارق كبير، إذ عندما نطبق معيار القيمة النقدية للبديلين الثاني والثالث على البديل الأول، يمكن أن تهبط بقيمة العقار إلى الصفر. إن الفكرة كلها بقضها وقضيضها تدور حول ثبات بدلات الإيجار، وهذا يقود في النهاية إلى طرح السؤال المتعلق بمدى استقرار الاقتصاد في براندبيرغ وبمدى خطر نزوح المزيد من السكان، إذ عندما ينطلق القطار لا يعود ثمة مجال للوقوف في غالبية الحالات. وثمة الآن العديد من الدلائل التي تؤكد ذلك، كما أن الثقة بالاستثمار في العقار لم تعد مجدية طالما كان يعيش فيها بشر وإلا فإن خطر خسارة الممتلكات يبقى محدقاً.
والقضية نفسها تتعلق أيضا بصفقة بيع شركة بناء الشقق في مدينة درسدن التي أثارت اهتماما بالغاً من قبل الكثيرين، فالمشتري الأمريكي عرض مبلغ 1.7 مليار يورو ثمناً لـ 48 ألف شقة. ومما لا شك فيه أن عرضاً يعطي عائداً قدره 131 مليون يورو سنوياً ليس بالعرض السيئ. أما إذا بقيت العوائد مستقرة لعشر سنوات قادمة فإن حساب العائد السنوي الصافي سيعطي 7.7 في المائة، أما إذا تراجع عدد السكان وانخفضت قيمة العقار في مجرى السنوات العشر القادمة بنسبة 20 في المائة لكل منهما فستتراجع نسبة الفائدة السنوية إلى 3.7 في المائة، وهذا ما لا يتوقع حدوثه في منطقة مدينة درسدن، حيث إن الظروف تبدو مختلفة تماماً بالنسبة للمناطق المحيطة في عاصمة ساكسونيا.