بريطانيا تتحول من بلد مصدر إلى مستورد للغاز الطبيعي والنفط

بريطانيا تتحول من بلد مصدر إلى مستورد للغاز الطبيعي والنفط

تسود مخاوف في جميع أرجاء بريطانيا اليوم من حدوث عجز في توريد كميات الغاز الضرورية بعد أن حذرت شركة تزويد الغاز الطبيعي والطاقة الوطنية (ناشونال جريد- National Grid) من أن احتمالات عدم قدرتها على تغطية حجم الطلب على الطاقة والغاز الطبيعي في الدولة مشيرة إلى أنه لم يعد بالإمكان اتباع خطط ترشيد استهلاك الغاز بالنسبة للقطاع الصناعي. وأرجعت الشركة السبب في هذا إلى شدة وقسوة فصل الشتاء، والتي أدت إلى زيادة حجم الطلب على منتجات الطاقة بصورة واضحة. وفي الوقت ذاته، توقّفت إحدى أكبر منشآت الغاز الطبيعي في بريطانيا عن العمل بسبب حدوث حريق فيها.. وبدأت وسائل الإعلام تتحدث بشكل مباشر عن وجود أزمة في التزويد. وارتفعت أسعار التداول التجاري الكبرى في سوق الغاز إلى ما يزيد على ثلاثة أضعاف.
وبدأ المواطنون وأصحاب المنازل أخيراً بالتنبّه لهذا الوضع المتوتر في بريطانيا مباشرةً وأفادت الأنباء أن الأسعار سترتفع بقوة خلال شهر آذار (مارس) بشكل لا سابق له وأعلنت شركة بريتش غاز- British Gas، عن زيادة في الأسعار تقدر بنحو 22 في المائة بينما رفعت الشركة الفرع إيون – Eon أسعارها بنحو 24 في المائة. وأعلنت جميع شركات التزويد الست الكبرى مباشرةً عن زيادة الأسعار. ويتحدث المسؤولون في مجال حماية المستهلك عن فصل الشتاء هذا، واصفين إياه بأنه الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لزبائن الغاز.
ويتهم البريطانيون باستمرار دول القارة الأوروبية بأنهم يتجنّبون فتح أسواقها أمام المنافسة، وأن الدول الأوروبية الأخرى تحتفظ بالغاز لديها لمواطنيها، وفي المقابل يرى الكثير من مراقبي السوق أن الحكومة البريطانية مسؤولة عن حدوث هذه الأزمة، فهي تحتفظ بقليل من احتياطي الغاز، بحيث يمنعها ذلك من أن تتمكن من تسليح نفسها أثناء فصل شتاء قاس ٍ كهذا.
وتتحلى بريطانيا بإحدى أكثر أسواق الطاقة تحرراً في العالم، حيث بدأت الحكومة المُحافظة مباشرةً في أوائل الثمانينيات، في تخصيص شركات التزويد، وتحرير السوق من الشروط المُقيّدة، وبهذا يستفيد المستهلكون، حيث يدفعون منذ أعوام أسعاراً أقل مقابل الغاز والطاقة، أو على الأقل، أقل مما يدفعه المواطنون الألمان. ومنذ العام الماضي ترتبط بريطانيا بدول القارة الأوروبية في شؤون تزويد الغاز، و لكن نظرا لتراجع مصادر بحر الشمال تدريجياًَ، تحوّلت بريطانيا من دولة مصدّرة إلى دولة مستوردة للغاز الطبيعي .
وشجب مارك كلير، المسؤول الإداري في شركة الغاز البريطانية ذلك منذ فترة قصيرة قائلاً: "منذ أن بدأت بريطانيا بالاعتماد على الاستيراد، يدفع المستهلك البريطاني ثمن فشل أوروبا في فتح أسواق الطاقة". وإذا كان لابد أن يتحمّل الأفراد ذنب ارتفاع الأسعار، فمن المفترض أن يكون من يتحمل هم أوروبيو الأرض الثابتة. وبالنظر إلى أن الأنابيب التي كانت من المفترض أن تُفتح قبل نحو عامين، حسب ما جاء من معطيات عن الاتحاد الأوروبي، بقيت على حالها، نظراً لأن الشركات المُحتكرة في ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، تمسكت بانغلاقها على نفسها. بالإضافة إلى تدفّق القليل من الغاز عن طريق القنوات الموجودة، أكثر مما كان مُتوقعاً كونها سوقاً متحررة. وقال كلير: "سجّلت أسعار التداول الكبرى في بريطانيا حتى فترة مؤقتة أعلى بأضعاف مضاعفة مما هي عليه في ألمانيا. وبرغم ذلك لم نتمكن من الاقتراب من الغاز". وقدّرت سلطات التشريع القانونية، أوفجيم- Ofgem، التكاليف المفروضة على المستهلك البريطاني، بنحو 1.5 مليار يورو تقديرياً خلال العام الماضي، ومن المتوقّع أن ترتفع هذا العام الجاري إلى نحو 4.5 مليار يورو، إذا استمر الأوروبيون في إغلاق أسواق الطاقة الخاصة بهم.
خبراء السوق لهم رأي آخر، حيث صرّح نيال تريمبل، المسؤول الإداري في شركة إنرجي كونتراكت- Energy Contract قائلاً: "المشكلة تكمن في السوق البريطانية، حيث يوجد لدينا القليل من مخزون غاز الشتاء"، وبالفعل يمتلك البريطانيون مخزوناً احتياطياً من الغاز، قادرا على تغطية 4 في المائة فقط من حجم الطلب السنوي، وفي المقابل يمتلك الألمان نحو 21 في المائة في المنشأة الواحدة، والفرنسيون نحو 25 في المائة. ويُعد الاعتماد على الاستيراد أمراً ساذجاً للغاية، حيث صرّحت شركة إيون للغاز قائلة: "من السذاجة أن تتحول شركات الغاز عن إشباع حاجة زبائنها، بهدف أن تقدّم الغاز للسوق البريطانية".

وتقول متحدثة باسم الشركة: "إن وضع التزويد اليوم يُراعي مسألة العقود المُتفق عليها في التوقيت الصحيح، ومسألة سعات النقل المتوفّرة، ونشهد هنا في بريطانيا اليوم حالات من الفشل". وأضافت موجّهة حديثها للمواطن الألماني قائلة: "نعيش اليوم أقسى فترة شتاء منذ عشرة أعوام، وبرغم هذا الوضع المتردي الذي يُحيط بنا، فإننا نزوّد زبائننا على نحوٍ شامل. وبالمناسبة، يمكننا أن نرتد إلى مخزوننا، وإلى شبكة قنوات توصيل مرنة، ومعززة بصورة جدية، وإلى سنداتنا التجارية المرجعية المتنوّعة".
ويتوقّع مراقبو السوق، أن تخف حدّة توتر السوق في بريطانيا خلال عامي 2007 و2008. ومن المحتمل أن تتراجع الأسعار نظراً للمنافسة الحادة، والعروض المتزايدة. والسبب يكمن في سير الكثير من عقود التزويد الجديدة، وكذلك مشاريع البنية التحتية المتعددة، حيث من المفترض أن يبدأ تشغيل ثلاثة مواقع استيراد جديدة هذا العام وخلال العام المقبل، وستتضاعف سعة أنابيب زيبروج- باكتون- الواصلة بين بلجيكا، وبريطانيا. إضافة إلى إنشاء أنابيب تحت الماء من النرويج، وهولندا. ولكن لا يزال في علم الغيب إذا كانت هذه السعات ستكفي. فقد تأكّد البريطانيون خلال فصل الشتاء هذا، بأن المزيد من السعات لا تعني بالضرورة المزيد من الغاز.

الأكثر قراءة