العمل الإبداعي استثمار للقدرات الفنية في مواجهة متطلبات الحياة
هذا المقال موجه بصفة خاصة إلى خريجي أقسام التربية الفنية في المملكة من الرجال والنساء على حد سواء, بهدف تشجيعهم على استثمار قدراتهم الفنية على نحو مستمر يعود عليهم بكثير من الفوائد المنشودة. فمن المعروف أن أغلبية الخريجين يسعون للحصول على وظيفة معلم للتربية الفنية في المرحلتين الابتدائية أو المتوسطة, وهذا أمر طبيعي لأنه الهدف الأول من إنشاء تلك الأقسام, وهناك بعض منهم يسعى للحصول على وظيفة معيد في أحد تلك الأقسام أو يسعى لمواصلة الدراسة العليا في أحد برامج الماجستير داخل المملكة أو خارجها إذا كان التقدير العام "جيد جداً" فما فوق. ولكن, هناك اتجاه رابع لم يفكر فيه أو يقدم عليه إلا قلة قليلة من الخريجين ألا وهو السعي للحصول على عمل آخر له علاقة مباشرة بطبيعة المجالات العلمية والفنية العملية التي تم عملها أثناء الدراسة, وهذا هو محور المقال. ويمكن الحديث عن ذلك العمل بوصفه عملا إضافيا مهما ينتج عنه فوائد عدة منها:
(1) استمرار تطوير القدرات والخبرات الفنية ( 2) المساهمة في زيادة العاملين السعوديين وتقليل الاعتماد على المتعاقدين. (3) المساهمة في زيادة الإنتاج الفني السعودي وانتشاره بين الناس. (4) تحسين مستوى الدخل المادي وربما مضاعفته في وقت لاحق. ويمكن تحقيق ذلك العمل لدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
القناة الأولى: العمل لدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة:
وهو أن يعمل الخريج في الفترة المسائية لدى إحدى المؤسسات الحكومية أو إحدى مؤسسات القطاع الخاص, في مقابل مكافأة شهرية يتم الاتفاق عليها بين الطرفين, ويكون العمل عادة في مجال من المجالات الفنية التي يفضلها الخريج ولديه ميول نحوها وقدرات فنية تمكنه من التجديد والابتكار فيها, وعلى سبيل المثال: جميع مؤسسات الطباعة, والنشر, والصحافة والدعاية والإعلان, تحتاج إلى رسامين, ومصممين, ومخرجين, ومشرفين فنيين, فإذا كان الخريج لديه قدرات فنية جيدة في الرسم التشكيلي, أو التصميم, أو رسوم الحاسب الآلي, فإنه يستطيع العمل في إحدى المؤسسات المذكورة, وهناك شركات ومصانع سعودية تحتاج أيضاً إلى العاملين في المجالات السابقة كرسامين ومصممين مثل: شركات صناعة الخرف, والسجاد والأقمشة, والأثاث والأدوات المنزلية, وغيرها. كما أن المراكز الثقافية والمؤسسات الفنية تحتاج إلى مشرفين ومنظمين للمعارض الفنية وغيرها وما تتطلبه من تجهيزات ومطبوعات وتسويق.
القناة الثانية : العمل الخاص في المنزل:
وهو أن يقوم الخريج بإنتاج أعمال فنية متنوعة حسب ميوله وقدراته في عدد من المجالات الفنية التي تعلمها, ثم يقوم بتسويقها تدريجياً بين الأصدقاء والأقارب والأفراد بأسعار متهاودة تراوح بين 50 و500 ريال. ويمكن وصف هذه الأعمال بأنها صغيرة, أو تجميلية, أو تجمع بين الغرضين الجمالي والنفعي "الوظيفي" لوضعها في المكاتب والمنازل, ومن تلك الأعمال, سوف يكون هناك عروض أو "طلبات خاصة" لإنتاج أعمال أخرى مشابهة مع التعديلات والإضافات مقابل أسعار أفضل من ذي قبل, وربما يتطور الأمر عند البعض إلى تصميم ونفي الزخرفة الداخلية "الديكور" في تلك المرافق وغيرها, أو إلى تصميم باقات الورود ومستلزمات بيوت الأفراح, أو إلى إعداد مختلف تصاميم الأزياء لتنفيذها من قبل محلات التفصيل والخياطة. وبصفة عامة, فإن ممارسة إنتاج مثل هذه الأعمال هو أمر لا غبار عليه لأن كثيرا, من الفنانين المشهورين عالمياً قاموا بممارستها في فترة أو أكثر من فترات حياتهم الفنية لمواجهة متطلبات الحياة وتحسين أوضاعهم المعيشية, وحول العمل في المنزل بصفة عامة, تقول المستشارة الإدارية والاقتصادية نائلة عطار (يوجد توجه كبير وعالمي يدعو إلى العودة إلى العمل من المنزل, ففي الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 60 مليون فرد يعملون في المنزل, 46 مليونا منهم من النساء ويكسبون دخلاً أكثر من دخل أصحاب المكاتب بنحو 28 في المائة, وفي بريطانيا 15 في المائة من القوة العاملة تعمل من المنزل, بينما 80 في المئة من المشاريع الصغيرة في إيطاليا تقوم أساساً في المنزل) (صحيفة "الاقتصادية" 2/2/1427هـ )
القناة الثالثة: العمل الخاص في مؤسسة فنية صغيرة.
وهو أن يعمل الخريج من خلال مؤسسة فنية صغيرة خاصة به لإنتاج وتسويق أعماله الفنية أو للتصميم والإشراف على التنفيذ لواحد أو أكثر من المجالات الفنية المذكورة أعلاه. ونظراً لأن مثل هذه المؤسسة تحتاج إلى رأسمال لمواجهة الإيجار والأثاث, والتجهيزات الأخرى, فإن على الخريج إعداد دراسة متكاملة عن مؤسسة تم تقديمها للجهات المعنية للحصول على القرض المالي المناسب. وفي المملكة حالياً ثلاث من الجهات التي تدعم المشاريع الصغيرة للشباب وتقدم لهم القروض اللازمة وهي : بنك التسليف والادخار, صندوق المئوية, صندوق عبداللطيف جميل لدعم المشاريع الصغيرة, كما أن الهيئة العليا للسياحة قامت قبل فترة قصيرة بتنظيم " مهرجان النماء والانتماء الوطني النسائي ", وهو خاص لتنمية وتسويق جميع أنواع الحرف والمشغولات اليدوية للمرأة السعودية, ومن المتوقع أن ينظم سنوياً بصفة منتظمة.
ولكي يشق الخريج طريقه بنجاح في أي من قنوات العمل الثلاث السابقة فإنه لابد أن يضع في عين الاعتبار بعض الواجبات أو " الشروط " المهمة ومنها:
-معرفة الخريج ( الشاب ) لطبيعة مرحلة الشباب المليئة بالطاقة والحيوية واستثمار تلك المرحلة بالصبر والكفاح لتأسيس وضع فني خاص به ووضع أفضل له ولأسرته مستقبلاً.
- معرفة الخريج أن الفن خبرة والخبرة لا تأتي إلا عن طريق الممارسة المستمرة, ومجال التربية الفنية مليء بالفنون التي تثري التجربة الشخصية وتوسع مداركها نحو احتياجات الإنسان التعبيرية والجمالية والنفعية.
- التفاعل والإتقان التامين في إنتاج أي عمل فني, أو القيام بأي عمل إداري, أو إشرافي, انطلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) والإتقان هنا يعني المرور بمنزلة الجمال.
- الالتزام بالصدق والأمانة في التعامل مع الناس, والتحلي بالصبر ودماثه الأخلاق في نشر الوعي والتذوق الفني بينهم.
- معرفة واتباع الأنظمة الخاصة بمزاولة وتسويق الأعمال الفنية تفادياً للوقوع في بعض التعاملات والطرق السلبية في هذا المجال .. ودمتم بسلام.