هل يتفتت الاتحاد الأوروبي بسبب إجراءات الحماية الاقتصادية واندلاع الحروب التجارية ؟

هل يتفتت الاتحاد الأوروبي بسبب إجراءات الحماية الاقتصادية واندلاع الحروب التجارية ؟

أوروبا تنهض على الاقتصاد أو لا تنهض على الإطلاق...
هذه النصيحة التي أطلقها خبير النقد الفرنسي جاك روف التزم بها الاتحاد الأوروبي منذ البداية وحتى الآن، أي منذ إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية إلى إنشاء سوق مشتركة وإلى اعتماد اليورو عملة للاتحاد. وقد كوفئ الأوروبيون على جرأتهم في المضي قدماً نحو مزيد من الحرية الاقتصادية والمنافسة. فمن خلال عملية التوحيد الأوروبية ارتفع الدخل والمستوى المعيشي العام، وربما لهذا السبب أصبح الاتحاد الأوروبي بؤرة جذب لما وراء أوروبا أيضا. وقد كان لكل مواطن حصة في هذا النجاح سواء بصفتهم مستهلكين أسهموا في تحقيق أسعار أفضل من خلال تنويع خياراتهم، أو كعمال من خلال تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي.
ومع أن مزايا الأسواق التي لا حدود لها للسلع ورؤوس الأموال في أوروبا ملموسة وبديهية، فإن كثيراً من الأوروبيين ما زالوا متشككين في هذه الوصفة الأوروبية للنجاح. فمنذ التوسع صوب الشرق وفشل الاستفتاء على الدستور في فرنسا وهولندا تبدو المجموعة في حالة من التشكك بين الدول الأعضاء، فكيف ينبغي على أوروبا أن تواجه تحديات الاقتصاد الدولي وتواجه العولمة؟؟ ووسط حالة من الإحباط العام يجري أولا استحضار الشراكة الاجتماعية الأوروبية فهل يمكن أن نصدٌق أن أوروبا تستطيع أن تكسب المنافسة مع آسيا وأمريكا عن طريق فرض حماية جمركية في وجه المنسوجات أو الأحذية الصينية؟ إن من يتصور ذلك فهو مخطئ ويكون بخطئه هذا قد أسهم فقط في زيادة أسعار تلك المنسوجات والأحذية.
وما تعلق فعلاً هو أن الشكوك حول الأسواق الحرة قد ازدادت في هذه الأثناء حتى داخل الجماعة الأوروبية ذاتها مفسحة المجال لانتعاش السياسيات فرض إجراءات حماية تجارية كما يبدو هذا واضحاً تماما في النزاع بشأن الاتجاهات العامة لتقديم الخدمات في الاتحاد الأوروبي. وفي فرنسا تصدى الرئيس جاك شيراك بنفسه لمحاولة شراء شركة ميتال للحديد والصلب لشركة أرسيلور لا لشيء إلا لأن المشتري من أصل هندي متغاضيا عن حقيقة أن مقر شركة أرسيلور موجود في هولندا. وفي هذه الأثناء يتخذ رئيس وزرائه دومنيك دوفيلبان الإجراءات اللازمة للدمج القسري لشركة سويس مع شركة غاز دوفرانس للطاقة التابعة للدولة بهدف وقف تغلغل شركة أنيبل الإيطالية في الأراضي الفرنسية، بينما يخفي حقيقة أنه سبق لشركة الكهرباء الفرنسية (اليكتريستي دو فرانس) أن دخلت طرفاً في شركة أديسون، وهي ثاني أكبر شركة مزودة للطاقة، في شركة ENBW وهي ثالث أكبر شركات الطاقة الألمانية.
ومن الوضح أن باريس ترقع شعار "إن الشركات الفرنسية الكبيرة جيدة لأوروبا ولكن الشركات الأوروبية الكبيرة ليست جيدة لفرنسا" ولخشيته من عمليات الاستحواذ أمر دوفيلبان بإعداد قائمة بالشركات التي يجب توفير "الحماية" لها، ومن بين هذه الشركات: شركة دانون لإنتاج الألبان وسلسلة كارفور التجارية، وهكذا يبرز الانطباع وكأن باريس تريد أن تعلن على الملأ أن الصناعة الفرنسية بل وجميع الشركات الفرنسية هي جزء من التراث الثقافي العالمي.
وجاء الرد الإيطالي على النزعة الوطنية الفرنسية واضحاً كل الوضوح على لسان وزير الاقتصاد الإيطالي جوليو تريمونتي الذي قال:" إننا نخاطر بتكرار عواقب تشبه ما حدث في آب (أغسطس) 1914" في إشارة إلى الظروف التي أدت للحرب العالمية الأولى. ومع هذا فليس ثمة بعد قوارب مدفعية إيطالية قبالة الشواطئ الفرنسية. ولكن الخطر قائم بأن يفترق الاتحاد الأوروبي، في حمى الفعل وردود الفعل الهستيرية، عن النموذج الأمثل لحرية التجارة، والدخول في اتحاد جمركي على الطراز الألماني القديم، والنكوص اقتصادياً إلى القرون الوسطى.
وهناك إشارات تحذيرية كثيرة، وبعضها من إسبانيا أيضا، حيث تريد الحكومة، عن طريق إصدار قوانين جديدة بهدف الحيلولة دون استحواذ شركة أيون EON الألمانية للطاقة على شركة أينديسا الإسبانية الكبيرة، والمثل نفسه تكرر أيضاً في بولندا حيث قاومت الحكومة محاولات استحواذ البنك الإيطالي الرئيسي يونيكريدت Unicredit على البنك البولندي الرئيسي BPH. ومع ذلك تمكن الإيطاليون في النهاية من شراء البنك، كما اشترى بنك يونيكريدت من قبل، ودونما تدخل سياسي، ثاني أكبر مؤسسة إقراض ألمانية هي مؤسسة هيبو ـ فيراينزبانك.
تراود البلدان الأوروبية أكثر فأكثر أحلام البطولات القومية، غير أن التنافس، وليس الأحلام، هو ما سيقرر المستقبل الاقتصادي لأوروبا أما ردود الأفعال الدفاعية ذات الطابع القوي فتعكس نوعاً من الهلع المريب غير أن الخوف ناصح رديء. إن القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي قائمة على الليبرالية والحرية الاقتصادية، فالسوق البينية هي التي جعلت من الممكن انتقال السلع ورأس المال والأشخاص عبر الحدود بحرية تامة، حيث أصبح بفضل ذلك من الممكن بالنسبة للشركات الأوروبية أن تبيع منتجاتها وخدماتها في جميع الدول الأعضاء كما أصبح بمستطاع مواطني الاتحاد الأوروبي أن ينتقلوا بين غالبية أجزاء القارة دون الحاجة إلى جوازات سفر، وإلى ذلك أصبح بإمكان المواطنين أيضاً أن يعيشوا حيث يشاؤون وأن يعملوا بأقل ما يمكن من العقبات.
عندما يريد السياسيون من ذوي النزعات القومية أن يلغوا نواة الاتحاد الأوروبي، وهي السوق المشتركة، فإنما هم يعملون ضد أوروبا. لقد بني الاتحاد على أساس سوق لا حدود لها ولهذا فإن نصيحة جاك روف تتطلب التمسك بالحرية والمنافسة الاقتصادية الآن أيضا كما في السابق، فقد قام الاتحاد الأوروبي مستنداً إلى النقود، وفقط باستناده إلى النقود يمكن له أن يستمر في الوجود. لقد قطعت أوروبا على نفسها عهداً بتحقيق النجاح الاقتصادي وهي بحاجة إليه.كما أن المواطنين يطالبون الاتحاد الأوروبي بمزيد من النمو والرخاء, أما إذا لم توف المجموعة بهذا العهد فستكون أوروبا عرضة للانقسام.

الأكثر قراءة