ليبيا تواصل عروضها للشركات الأجنبية لرفع طاقتها الإنتاجية

ليبيا تواصل عروضها للشركات الأجنبية لرفع طاقتها الإنتاجية

ليبيا تواصل عروضها للشركات الأجنبية لرفع طاقتها الإنتاجية

كان من المفترض أن تطرح ليبيا هذا الشهر مزادات جديدة للشركات الأجنبية الراغبة في العمل في بعض المربعات وذلك في إطار برنامج طموح يغطي هذا العام والعام المقبل، ويشمل 261 مربعا يستند إلى النجاحات التي تحققت في الدورة السابقة لفتح المزاد، لكن التغيير السياسي الذي شهدته ليبيا أخيرا والخلاف الذي برز بين وزارة النفط وشركة النفط الليبية أديا إلى التأخير في الوقت الحالي على الأقل.
ففي مطلع هذا الشهر أجرى مؤتمر الشعب العام تعديلا وزاريا أعفى بموجبه رئيس الوزراء شكري غانم من منصبه، لكنه أبقاه مشرفا على قطاع النفط، وهو القطاع الذي يوفر لليبيا احتياجاتها ويجعلها لاعبا على الساحة الدولية.
وستكون من أولى مهام غانم العاجلة التوصل إلى صيغة مرضية حول قانون جديد للنفط ووضع نهاية لحالة الشقاق بين الوزارة ومؤسسة النفط الوطنية، التي كان يشرف عليها عبد الله البدري، وطال خلاف الرجلين مختلف القضايا من القانون إلى شروط عودة الشركات الأمريكية إلى تحديد الأولويات في تراخيص المناطق الجديدة المطروحة في المزادات وتطوير الحقول القائمة والمضي قدما في طرح مزادات أمام الشركات الأجنبية الراغبة في القيام بعمليات استكشاف للمكامن النفطية.
تحسين البيئة القانونية والاستثمارية سيعطي ليبيا عاملا إضافيا لتحقيق انطلاقة بالنسبة لصناعتها النفطية. فبسبب الطفرة التي تشهدها أسعار النفط في الوقت الحالي يقدر لليبيا أن تحقق دخلا مقداره 31.2 مليار برميل هذا العام مرتفعا من 28.3 مليار العام الماضي ومقارنة بنحو 5.9 مليار دولار عام 1999، الأمر الذي رفع حجم الاحتياطيات الأجنبية إلى 31 مليار دولار في منتصف العام الماضي. ويتوقع للناتج المحلي الإجمالي أن يحقق نسبة نمو هذا العام تصل إلى 6.7 في المائة. تبقى كيفية الاستفادة من هذا الوضع على رأس أولويات مهام غانم في مركزه الجديد مشرفا على الصناعة النفطية.
في نهاية كانون الثاني (يناير) من العام الماضي فتحت ليبيا، ولأول مرة بعد رفع الحظر الأمريكي عنها، المزاد أمام الراغبين فيما عرف بالعروض الرابعة لاتفاقيات قسمة الإنتاج والاستكشاف، وهي متابعة للبداية التي انطلقت قبل ذلك في آب (أغسطس) 2004. وتم طرح 15 منطقة في المزاد، الذي شاركت فيه 56 شركة قدمت 104 عروض، ولو أن المجموعة التي كسبت كانت قليلة بسبب المنافسة الحامية. وفي الختام تمت ترسية تسع مناطق خمس منها على اليابسة وأربعة في المناطق المغمورة على شركات كانت "إكسون موبيل" الأمريكية طرفا فيها أو منفردة، فيما فازت رصيفتاها "شيفرون تكساكو" و"أميرادا هيس" بمساحات في مربع رقم (1) لكل منهما.
قائمة الشركات الفائزة تتضمن أيضا شركة النفط الهندية، اللواء الإماراتية، أويل سيرش الأسترالية، بتروبراس البرازيلية، سوناطراك الجزائرية، فيرينيكس الكندية، وود سايد الأسترالية. ويلاحظ أنه لم تكسب أي شركة أوروبية على عقد في هذه الجولة، علما بأن الشركات الأوروبية كان لها القدح المعلى إبان الحظر الأمريكي على التعامل مع ليبيا.
فتحالف "أوكسيدنتال" و"اللواء" فاز بعقود تغطي مربعي 131 و136 على اليابسة في حوض مرزوق، إلى جانب مربعات: 104 و124 في منطقة سرت و59 قرب الحدود مع مصر. وعند التوقيع على العقود قامت الشركات بدفع علاوة توقيع يقال إنها في حالة "أوكسيدنتال" بلغت 25.6 مليون دولار لمربع 126 وحده، وكانت من أولى الشركات الأمريكية التي توصلت إلى اتفاق مع الحكومة الليبية لاستعادة نشاطها وذلك في تمور (يوليو) الماضي لتجاوز تبعات الحظر الذي فرضته إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان واستمر قرابة عقدين من الزمان. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حددت الشركة برنامجا للعمل يتضمن حفر 30 بئرا استكشافية.
وشهد تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عقد الجولة الثانية من المزادات تحت العروض الرابعة وشاركت فيها 51 شركة، وتم الاتفاق على عروض بقيمة 500 مليون دولار في شكل استثمارات جديدة. وخلال هذه الجولة عرضت 26 حقلا على اليابسة والمناطق المغمورة ذهبت إلى 19 شركة، حيث حصلت "إكسون موبيل" وحدها على أربعة مربعات. وتضم القائمة "توتال" و"إيني" وغيرها، بإجمالي 13 شركة تمثل مختلف الجنسيات من الهند إلى الصين إلى إندونيسيا. وتم توقيع الاتفاقيات لفترة خمس سنوات يمكن تمديدها إلى 25 عاما وفق ضوابط معينة.
واعتبرت الجولة ناجحة وبلغ التنافس أشده بين الشركات، الأمر الذي دفع بعضها إلى تقليص حصصها حتى 6.8 في المائة في بعض الحالات كي تحسن من فرصها للفوز. ووفقا للشروط الموضوعة، فكلما قلت حصة الشركة تحسنت فرصها في الفوز وذلك حتى تزيد نسبة الأرباح التي ستحصل عليها الشركة الوطنية بتملكها حصة أكبر، إلى جانب احتفاظها بالملكية، رغم أن الشركات الأجنبية تتحمل كامل تكلفة العمل لفترة خمس سنوات على الأقل.
المفارقة أنه رغم النجاح الذي حققته العروض الرابعة لاتفاقيات قسمة الإنتاج والاستكشاف، إلا أن بعض العقود من الجولة الثالثة لا تزال تنتظر التوقيع رغم أن شروطها مختلفة. فشركة شل مثلا لا تزال تنتظر الموافقة على مشروع للغاز المسال، كما أن شركات أخرى مثل "ريبسول" الإسبانية، "تاليسمان" الكندية، و"أو. أم. في" النمساوية لا تزال تفاوض وتتنافس في مربعات تحكمها عروض المزاد الثاني.
على أن التطور الأكبر في الساحة الليبية يتمثل في عودة الشركات الأمريكية والاتفاق الذي تم توقيعه نهاية العام الماضي مع مجموعة الواحدة التي تضم "أميرادا هيس"، "ماراثون"، و"كونوكو فيليبس"، وذلك بعد عامين من المفاوضات. ووافقت المجموعة على دفع 1.8 مليار دولار لاستعادة امتيازاتها في سرت، وسيستمر الاتفاق فترة 25 عاما. وتنتج المناطق التي تعمل فيها المجموعة حاليا 350 ألف برميل يوميا متراجعة من مليون برميل كانت تنتجها عام 1969 و400 ألف برميل كانت تنتجها عند مغادرتها ليبيا عام 1986.
وتبلغ الاحتياطيات النفطية المؤكدة في ليبيا 39 مليار برميل، ونحو 80 في المائة منها يوجد في حوض سرت حيث 90 في المائة من الإنتاج كذلك. وتظل ليبيا غير مستكشفة إلى حد كبير، إذ إن عمليات الاستكشاف تغطي فقط ربع مساحة البلاد. وبدأت البلاد التنقيب عن النفط في 1955، وبعد أربع سنوات تم اكتشاف أول حقل وبعد عامين آخرين بدأ التصدير.
وتأمل السلطات الليبية أن يسمح المناخ الانفتاحي الجديد وتركيز غانم على قطاع النفط في الدفع بهذا القطاع إلى الأمام، خاصة لجهة رفع الطاقة الإنتاجية إلى نحو مليوني برميل يوميا من 1.6 مليون في الوقت الحالي، وذلك في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، ثم إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول العام 2015، وهو ما يتطلب بصورة رئيسية تحسين البنية الأساسية وتطويرها.
وكان حجم الطاقة الإنتاجية في ليبيا قد وصل إلى ذروته عام 1970 عندما كانت تنتج 3.3 مليون برميل يوميا، وتراجعت بعد ذلك بخمس سنوات إلى 1.5 مليون لأسباب سياسية وأخرى تعلق بقلة الاستثمارات في هذا الجانب، قبل أن ترتفع إلى 2.1 مليون في 1979، ولتتراجع في عقد الثمانينيات إلى 1.2 مليون وفي العقد التالي إلى 1.4 مليون. ويتطلب رفع الطاقة الإنتاجية إنفاقا رأسماليا قد يصل إلى 30 مليار دولار، يؤمل أن توفره الشركات الأجنبية.
المعالم الأساسية لخريطة الاحتياطيات النفطية تبدو مغرية بسبب قلة تكلفة الاستخراج من ناحية، إذ تصل في بعض الحقول إلى أقل من دولار للبرميل، هذا إلى جانب النوعية الجيدة للخام الذي يصنف أنه خفيف ومحتواه الكبريتي منخفض، إلى جانب قرب ليبيا الجغرافي من أسواق الاستهلاك الأوروبية.
ومن الخامات الليبية الرئيسية السرير الذي يراوح بين 36 و37 درجة وفق مقياس معهد البترول الأمريكي، ثم الشرارة 44 درجة، الزويتينة 42 درجة، بريقة 40 درجة، وأقلها البوري 26 درجة، ومعظم الإنتاج الليبي يباع وفق اتفاقيات طويلة الأمد مع شركات أوروبية في الغالب مثل "أجيب"، "إيني" و"ريبسول"، بينما تذهب كميات بسيطة إلى الأسواق الآسيوية وجنوب إفريقيا.
الشركة الوطنية ومعها شركات فرعية تدير الصناعة النفطية وتشرف على نحو نصف الإنتاج تعاونها مجموعة الواحة التي تكونت عام 1986 لتسلم الحقول التي كانت تشرف عليها الشركات الأمريكية، ولو أن حجم الإنتاج تراجع من مليون برميل إلى ما بين 350 ألفا إلى 375 ألفا، ثم تليها شركة الخليج العربي البترولية وإنتاجها في حدود 430 ألف برميل، وهناك أيضا زويتينة للبترول وإنتاجها في حدود 100 ألف برميل يوميا.
وفيما يتعلق بالعمليات النهائية والتكرير، فإن في ليبيا خمس مصاف محلية بطاقة 380 ألف برميل يوميا، وهو ما يفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي البالغ 258 ألف برميل. والمصافي هي: رأس لنوف بطاقة 220 ألف برميل وتوجد على خليج سرت، ثم الزاوية بطاقة 120 ألف برميل، طبرق بطاقة 20 ألفا، ثم بريقة عشرة آلاف والسرير عشرة آلاف أيضا.
كما تقوم ليبيا ببعض الأنشطة التكريرية والتسويقية في أوروبا عبر شركة تام أويل، التي يتركز نشاطها في ألمانيا، إيطاليا، وسويسرا. وفي إيطاليا تتمركز الشركة في ميلان، حيث تسيطر على 7.5 في المائة من سوق التجزئة للمنتجات المكررة والشحوم.

الأكثر قراءة