الشركات في قفص السياسة
تدور عجلة اندماج الشركات بسرعة ملحوظة بينما تشير خطط إعادة الهيكلة إلى العديد من مجموعات الشركات خلال الأعوام الماضية، ومعدلات الإيرادات الوفيرة إلي الكثير من تأثير ضغط الشركات المنافسة الجديدة القادمة من الشرق الأقصى.
لقد فجر العرض الذي تقدمت به مجموعة "ميتال" للحديد و الصلب لشراء شركة "أرسيلور" المنافسة المشاعر الوطنية . فيعد هذا العرض بفترة وجيزة تقدمت شركة تزويد الطاقة الألمانية أيون بعرض لشراء شركة إنديسا الإسبانية لكن أيون لا تحظى بأي ترحيب في مدريد كما تم تأسيس حلف في باريس لمواجهة شركة ( إنل) في إيطاليا التي تعتبر واحدة من كبرى شركات تزويد الطاقة في أوروبا.
ولا تسعى التدخلات السياسية إلى تبديد فرحة الاندماجات الكبرى لكن ما يُشار إليه على أنه "اندماجات غير مضرة " هي بمثابة قيام قوة جديدة بالكامل إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو : إلى أي مدى يمكن جعل هذه العملية تسير على نحوٍ أفضل: فالشركات تتوق دائما إلى الأرباح والتقدّم في مجالها و يدور الأمر بالنسبة لدولها حول تعزيز قوتها الصناعية المحلية، الشيء الذي يكلّف تلك الشركات الكثير أيضاً.
وعلى ما يبدو فإن صناديق مجموعات الشركات المالية مكتنزة بالأموال وهي كذلك في ألمانيا. وحسب ما تشير إليه التقديرات، فإنه يمكن لإحدى شركات مؤشر داكس-30 أن تنفق ما يزيد على 120 مليار يورو مقابل عملية استحواذ، دون الاعتماد على قروض البنوك. وهذا المبلغ يزيد نحو الثلث على ما سجّلته مبالغ الاستحواذ في عام 2002. ومن بين أكبر عشر عمليات استحواذ للمجموعات الألمانية المُعلن عنها منذ عام 2002 حققت خمس منها أهدافها، وتظهر الحال مشابهة في غيرها من الدول الأوروبية، حيث تدور الأفكار اليوم في تقديم عرض شراء أكبر الصناديق العقارية "إبي ناشونال" في بريطانيا من قبل البنك الإسباني الكبير "ستنادرد" ، وكذلك بنك الاتحاد –هايبو في ميونخ من قبل بنك "يونيكريدت" في إيطاليا.
وفي الوقت ذاته، يصطدم أقطاب عمليات الاندماج بالكثير من العقبات. ويجهّز "الأبطال الوطنيون" أنفسهم لمقاومة سلطات الكارتل في المنطقة، وعليهم، كما في حالة "إيون" للطاقة، أن ينالوا الترخيص الحكومي للاندماج بالحيلة. وسريعاً ما تنتهي كياسة الحكومات لروّاد الأسواق الأوربية إلى جانب التحفظات التنافسية على مثل هذه العمليات الاندماجية، وخاصةّ عندما تأخذ هذه الشركات مقرها في دولة الشريك.
ولا تعتبر ظاهرة "الأبطال الأوروبيون" جديدة، فمن الأمثلة السابقة على مثل هذه الظاهرة، مجموعة شركات النفط "رويال دوتش- شل" التي ألقت مرساتها في هولندا، وبريطانيا. إلا أنه ومنذ نجاح (إيرباص) السلمي ضد شركة ( بوينج ) الأمريكية المنافسة فقد فرض هذا النوع من المنافسة نفسه على الشركات. ومنذ ذلك الحين أصبح الدعم الحكومي يتعذر تجنبه. والآن يتسارع هذا الاتجاه و يتنامي لاسيما في سلسلة النزاع على المصادر العالمية والأسواق. وتشير الحكومات على نحوٍ متزايد إلى قدراتها الوطنية الخالصة ويتفاخر الأقطاب العظام بأنفسهم حيث تغذّي الصين صناعتها الكبرى بإلقاء قبضتها على التقنية الغربية وأسواقها. وتكشف الولايات المتحدة عن حقيقتها بالوقوف في وجه صفقة الموانئ وكأنها حجر الأساس في تحقيق الأمان الوطني. وفي أوروبا تجاهر فرنسا بالأخص في الحديث عن نفسها في تأمين قطاع الطاقة الحيوي و ترعى صفقة ( غاز دو فرنس) مع شركة الطاقة "سويس".
ولكن كيف يجدر بالدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي من شرق أوروبا أن تشعر حيال ذلك الآن، بينما أنظمتها البنكية تحت قبضة اليد الأوربية الغربية إلى حدٍ بعيد؟ ونظراً للورقة الرابحة تلك، لا تؤثر جهود المفوضية الأوروبية في قوانين الاستحواذ التحررية. بينما تدور الأمور بالنسبة للحكومات الوطنية حول فرص العمل، ومقر المجموعات، والضرائب، ولا يوجد غير ذلك لاحقاً ما يستحق الشجب. فقد أدت المناظرات حول اندماج البورصة الألمانية مع أحد الشركاء، و فيما سبق حول بيع البنك الألماني لمجموعة "سيتي جروب" البنكية إلى أن تقدّم مراكز الشركات إنتاج خدمات أساسية ، وعرض كفاءتها المركزية ، وتوظيف طاقم عمل مؤهل على مستويات عالية. لقد احتاجت هذه الشركات في مناطقها إلى شبكة كاملة من المحامين، ومستشاري الضرائب، والخبراء الماليين. وتميل هذه الشركات في أغلب الأحيان إلى الحفاظ على فرص العمل في الداخل.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن للمجموعات في مواقع مقراتها تجريد نفسها من القيود الاقتصادية الصناعية. ولا يبالي قرار المنطقة الصناعية الإنتاجية، والقوى العاملة بالحدود الوطنية، بقدر ما يهمه في الأساس مسألة الأسواق والتكاليف. وهنا تواجه الدول الشروط العامة فيما يتعلّق بالمنافسة. وفي حالة فصلت نفسها عن الشركات، عليها كذلك التراجع عن "الأبطال الوطنيين" فيما يتعلّق بعملياتها الاستحواذية المتجاوزة للحدود. وعلى الأغلب، فقد تضرر الأوروبيون نتيجة هذه الأوامر الحكومية بخلاف الولايات المتحدة والصين، حيث أثرت التدخلات الحكومية في عمليات استحواذ الشركات في أوروبا سلبياً. وأولاها يمكن أن يكون عن طريق تكتيكات وعقبات تفرضها فرنسا على شركة إيون .