فك الارتباط بين الرياضة والشباب!
عندما انتقد مجلس الشورى بصيغة لاذعة الرئاسة العامة لرعاية الشباب أثناء مناقشته للتقرير السنوي للعام المالي 1424و1425 هــ, فإنه بذلك يسلط الضوء على جانب مهم لابد من الالتفات إليه, خاصة وأن التوصيات حظيت بإجماع أعضاء مجلس الشورى, وهذه التوصيات باختصار هي, ضرورة الاهتمام بالرعاية الفكرية للشباب إلى جانب الرعاية البدنية وإعطاء ذلك نصيباً كافياً من ميزانية الرئاسة, وأن تدعم الرئاسة إسهامها في الحركة الثقافية والفكرية للشباب بتخصيص جوائز سنوية في هذا المجال، ومراعاة التوازن في توزيع المشاريع المنفذة بين مناطق المملكة, ودراسة إسهام الرئاسة في الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية للمرأة وفق الضوابط الشرعية, وأن يشملها مفهوم رعاية الشباب بتخصيص نشاطات تشرف عليها وتديرها المرأة، وضرورة ترشيد الإنفاق لعقود الصيانة والنظافة في الرئاسة ومنشآتها الرياضية وإعطاء فرص المنافسة لمؤسسات وشركات أخرى.
هناك جوانب أخرى لابد من الالتفات إليها أيضاً, وهي لاتقل أهمية عن سابقتها, ومن أبرز تلك الجوانب تهميش" وتطنيش" الاهتمام بالفعاليات والمهرجانات الشبابية في ظل تركيز واهتمام مضاعف بالفعاليات الرياضية, مع العلم أنه لا يخفى على المسؤولين في الرئاسة أن كثيرا من الشباب لايهوون الفعاليات الرياضية ولايشجعونها, ودور الرئاسة هنا هو البحث معهم عن الفعاليات التي تتناسب مع ميولهم الترفيهية, ومن ثم تقيمها لهم, وأقرب دليل على تهميش الفعاليات والمهرجانات الشبابية هو ما تم في الصيف الماضي, حيث نظمت الرئاسة العامة لرعاية الشباب مهرجاناً أطلقت عليه اسم "المهرجان الشبابي الأول" ويبرز من مسماه أنه أول مهرجان في ظل عقود السنين التي أنشئت فيها الرئاسة!! وإني هنا أتساءل, كيف يوضع مهرجان للشباب وهي رئاسة لرعاية الشباب!! ألا يعني هذا عجزا عن القيام بالواجب الدائم والاكتفاء نيابة عنه بمهرجان يتيم بسيط!! أليس من الأجدر أن تكون هناك فعاليات دائمة ومستمرة بأجندة معروفة مسبقاً تهيئ للشباب, وأن تجعل الرئاسة جل أيام السنة فعاليات ومهرجانات للشباب!. وعودة المهرجان الشبابي الأول إذ كانت فعالياته متواضعة وسطحية بسيطة تراعي فيها رغبات شريحة واحدة فقط, وتهمل فيها رغبات الشرائح الأخرى من هذا المجتمع, ومن أبرز فعاليات ذلك المهرجان"ملعب الصابون للتزحلق" و"فرقة أبو البراء للإنشاد الإسلامي"!! .
لو كان الاسم الرسمي للرئاسة هو "الرئاسة العامة لرعاية الرياضة" لقدرنا لها هذا الدور وباركناه, ولكن على عاتق الرئاسة مهمة أسمى من الرياضة, ألا وهي الارتقاء بفكر الشباب وتلبية متطلباتهم وحاجاتهم!
عشرات البطولات الرياضية التي تصرف عليها المليارات من خزينة الحكومة في مجالات كرة القدم والطائرة والسلة واليد والتنس وألعاب القوى وغيرها, ولكن عندما نريد مهرجانا أو فعالية تخدم فكر الشباب وتتناسب مع طموحاتهم يصرف عليها ربع ما صرف على الفعاليات الرياضية للن نجد!
"فعاليات التطعيس" التي يعشقها الشباب وتحضرها أعداد غفيرة تفوق جمهور مباريات الديربي" وشاهدناها في القصيم" تمت بتنسيق وإشراف الهيئة العليا للسياحة ." فعاليات رالي حائل" كانت بفكرة ومتابعة وتبني شخصي من أمير منطقة حائل . مهرجانات الأعياد والإجازات الصيفية وما يتم فيها من دعم لهوايات الشباب في رياضات السيارات والمغامرة وألعاب المخاطرة والدراجات النارية تتم بتنسيق وتنظيم مباشر من أمانة مدينة الرياض ومؤسسات القطاع الخاص . الشباب الذين يحملون الهم الثقافي ويعشقون الأدب قد تكفلت بهم واحتضنتهم الأندية الأدبية. عشاق الحوار من الشباب ومحبو المناظرات تلقفتهم الصالونات الأدبية ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. لا نريد من الرئاسة أن تحضر بصفة "شرفية / كمبارس" في كل مهرجان شبابي ويحمل ممثلها دروعاً تذكارية يهديها لأصحاب الصفوف الأمامية وكأنها بذلك "قدمت أكبر خدمة للوطن" بل نريدها تحتوي الشباب وتنظم لهم ملتقيات وتعمل استبيانات رأي وإحصاءات من خلالها تعرف ماذا يحتاج الشباب وتقوم بتوفيرها لهم, نريد من مسؤولي الرئاسة البحث عن الشباب والنزول إليهم في مواقعهم وملتقياتهم والتحاور معهم في احتياجاتهم, لا نريد مسؤولين يقبعون خلف مكاتبهم يتعاملون مع احتياجات الشباب وكأنها معاملة أرشيف داخلي!!
يتضح من خلال ما سبق الخلل المنهجي الجلي في التعامل مع قضايا الشباب واهتماماتهم من قبل هذا الجهاز الحكومي الكبير, الذي ربما عجز عن حمل هذا الثقل في ظل تركيزه على الأنشطة الرياضية.
أسوق مثالاً آخر ولكنه ذو منحى مختلف, ويعطي انطباعاً غير مفهوم حول تعامل الرئاسة مع بعض الأنشطة الشبابية, حيث إنها لم تكتف بتهميش اهتمامات الشباب وعدم تنظيم ملتقياتهم, بل أصبحت حجر عثرة في طريق بعض الفعاليات البريئة الشبابية المجازة من الجهات الحكومية وتقوم الرئاسة بتعطيلها وإيقافها, وما أوردته الصحف المحلية وكذلك صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها (9885) هو دليل دامغ على ذلك, حيث أمرت الرئاسة العامة لرعاية الشباب نادي الصفا الرياضي بصفوى (شمال الدمام) بإيقاف عرض مسرحية (أبو فلس) بعد ملاحظة أن أحد الممثلين في المسرحية يتقمص دور سيدة, علماً أن العرض مصرح ومجاز من وزارة الثقافة والإعلام وأنه يأتي ضمن الأنشطة غير المنهجية التي اشتهر بها النادي, مما جعل النادي يوقف عروض تلك المسرحية!.
مصدر التعجب الكبير الذي يلف رؤوسنا هنا هو أننا نشأنا وكبرنا ونحن نستمع للشخصية النسائية الساخرة "أم حديجان" بصوت الفنان الكبير عبد العزيز الهزاع في الإذاعة الرسمية الحكومية, ونشاهد الأدوار التمثيلية في العديد من المسلسلات المحلية عبر التلفزيون الرسمي الحكومي ومنها "طاش ما طاش" وما يقوم به الفنانون من تقمص لشخصيات نسائية لأغراض فكاهية بحتة, ولم يقم أحد بإيقاف تلك العروض التمثيلية, فلماذا يتم إيقاف ذلك العرض الذي يقيمه شباب طموح يبحثون عن ذاتهم في عروض مسرحية تدخل على مجتمعهم النفع والترفيه والبهجة!.
لعل بعض المسؤولين المعنيين بشؤون الشباب في الرئاسة هم من كبار السن ويحتاجون إلى دورة في قسم علم الاجتماع وعلم النفس وذلك لفهم حاجات الشباب التي تختلف عن احتياجات غيرهم من شرائح المجتمع !
نحن إذن أمام مشكلتين كبيرتين, الأولى عدم القيام بأساسيات رعاية الشباب على الصعيدين الفكري والشمولي, والثانية عدم إدراك خصوصية وحاجات الشباب التي تميزه عن غيره من الفئات داخل المجتمع. لذلك تقول العرب "إذا ثقل عليك الحمل, قم بقسمته" ويصبح تقسيمه ضرورة ملحة عندما لا تجيد فن التعامل مع هذا الثقل.