تقييم قياسي للمستثمرين في أسهم شركات السيارات
كانت بداية هذا العام مبشرة تماما لصناعة السيارات الأوروبية فقد فاجأت شركات فولكس فاجن، ديملر ـ كرايسلر، ورينو أسواق رأس المال ببيانات مالية استراتيجية وهي تخطو الخطوات الأولى على طريق تحقيق المزيد من العائدات.
وفي حالة "فولكس فاجن" و"ديملر ـ كرايسلر" كانت الأصداء في البورصة ذات وقع إيجابي إلى حد بعيد بعد الاطلاع على الأرباح فوق العادية التي حققتها أسهم هذه الشركات.
ولا يكاد المرء يصدق ما يسمع، فبعد كل هذه الشكوى وهذا التذمر من جانب مديري مصانع السيارات الأوروبية طوال الشهور الماضية من تراجع أرقام أسواق التوزيع الرئيسة وارتفاع أسعار الحديد والصلب وزيادة أسعار النفط جاءت هذه الأرقام لتكشف عن أن المتعاملين في البورصة كأنهم لا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن كل هذا. وإلا فكيف يمكن تفسير أن بعض أسهم شركات السيارات أصبحت الآن أعلى من أي وقت مضى منذ سنوات؟!
ويبدو أن نوربرت كريتلوف من مؤسسة البحوث المستقلة يعرف الجواب على هذا السؤال، فهو يقول: "إن السوق تؤمن بأن منتجي السيارات الرئيسين سيتمكنون في النهاية من السيطرة على المشكلات التي تواجههم" ويعتقد كريتلوف أن "فولكس فاجن" ستكون الرائدة في ذلك. ويضيف قائلاً: "إذا ما كتب النجاح لشركة فولكس فاجن في إنجاز عملية التقليص وإعادة الهيكلة التي تخطط لها فإن ذلك سوف يدفع بسوق السيارات، التي هي سوق احتكار القلة، درجة أخرى نحو الأعلى، حيث إن من المعروف أن "فولكس فاجن"، كبرى الشركات المنتجة للسيارات في أوروبا، سوف تلغي عشرين ألف وظيفة، كما تخطط لساعات عمل على مدار الأسبوع، وذلك بسبب تدني الإيرادات من بيع طرز المجموعة الرئيسة. كانت تلك هي الأنباء التي أسعدت أسواق رأس المال، ولهذا فإن سعر سهم "فولكس فاجن" قد ارتفع منذ مطلع هذا العام بنسبة 29 في المائة، وهو ارتفاع لم يسجل له مثيل في أسواق المال الألمانية DAX. وكذلك يعتبر سهم "ديملر- كرايسلر" من كبار الأسهم الرابحة حيث حقق سعره ارتفاعاً قدره 15 في المائة، وذلك منذ أن أعلن مدير الشركة ديتر تسيتشه قبل ثلاثة أسابيع، عزمه على اتخاذ المزيد من إجراءات التقشف والتوفير.
وبعد سنوات من الانتظار وضع بعض المنتجين الأوربيين نصب أعينهم مشكلة فائض إنتاج مصانعهم عن حاجة السوق في الاعتبار، فمصانع السيارات في جميع أنحاء العالم تستطيع اليوم أن تنتج 15 مليون سيارة أكثر مما يمكن للأسواق أن تستوعب، ولهذا فإن شركتي جنرال موتورز وفورد قامتا بتقليص طاقاتهما الإنتاجية في أمريكا. أما في أوروبا فإن شركات فولكس فاجن وأوبل ورينو تقوم حالياً بدراسة كيفية تحقيق استخدام أفضل لطاقاتها الإنتاجية.
ويقول باتريك يوخمش أحد المحللين الماليين العاملين في مؤسسة
Bank hous sal Oppenheim: لقد قامت البورصة بتوزيع مقدم الجوائز، وما على الإدارات المعنية الآن إلا أن تقوم بتقديم نتائج أعمالها". إن العديد من مديري الصناديق المالية والمحللين الماليين يتوقعون سنة طيبة لأسهم السيارات فعمليات إعادة الهيكلة ستؤدي إلى زيادات في الأرباح. وكذلك يتوقع أن تكون محصلة عوائد منتجي السيارات إيجابية أيضا. وعلى أية حال فإن الكثيرين يتوقعون تأثيراً مناسباً على السوق الألمانية في ضوء زيادة ضريبة القيمة المضافة التي أعلن عنها لعام 2007. وفي الحقيقة إن الزيادة في عدد السيارات الجديدة المرخصة في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري تنعش الآمال.
ويؤكد العديد من المحللين الماليين الوضع الإيجابي لمجموعة فولكس فاجن, فالمحلل المالي يوخمش من مؤسسة أوبنهايم يقدر القيمة العادلة لسهم الشركة في مدى ستة أشهر بـ 63.60 يورو. أما المحللون الماليون من بنك ولاية راينلاند فهم أكثر تفاؤلاً حيث إنهم رفعوا توقعاتهم من 64 إلى 77 يورو للسهم الواحد. كما أن أسهم الشركة الصانعة لسيارات بورشيه الرياضية المدرة أرباحا طائلة، وتملك 18 في المائة من أسهم "فولكس فاجن"، لا تزال تحتل المرتبة الأولى في قائمة الشركات الموصى بها من قبل البنوك، حيث تقدر مؤسسة أوبنهايم القيمة العادلة لسهم هذه الشركة بـ 786 يورو.
أما الحكم على رينو فقد جاء أكثر تحفظاً، مع أن قيمة سهم رينو, وهي أكبر منتج فرنسي للسيارات, قد بلغت 82 يورو وهو أعلى سعر تسجله خلال 52 أسبوعاً، وذلك بعد أن أعلن مدير الشركة كارلوس غصن استراتيجيته للسنوات الثلاث القادمة. وفي هذا السياق يقول مارك رينيه توني من مؤسسة إم إم فاربورج: "إن استراتيجية غصن الباذخة مليئة بالمخاطر، فشركة رينو تعتمد اعتماداً كبيراً على طراز واحد، وستبقى لأمد غير منظور منتجة للسيارات المضغوطة والصغيرة الحجم"، ويعتقد توني أيضاً أن السعر العادل للسهم هو 76 يورو، وهو لا يعتقد أن الآفاق تبدو أكثر إشراقاً أمام مجموعة PSA الفرنسية المنتجة لسيارات بيجو وستروين ولا أمام شركة فيات الإيطالية الواقعة في أزمة "فالسوق الأوروبية للسيارات الصغيرة تشهد هذا العام منافسة شرسة"، كما يقول توني . فبيجو تريد أن تبيع المزيد من طرازها الجديد من سيارات 207، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة رينو وطراز كليو الذي تنتجه، وفيات أيضاً تسعى لاسترداد ما فقدته من حصتها في السوق من خلال ما تنتجه من طراز جراند بونتو. ويقول توني: "كان من السهل في الماضي أن تكسب حصصاً إضافية من السوق على حساب فيات، ولكن ليس من الضروري أن يبقى الأمر على هذه الشاكلة ". وبالطبع فإن من غير الجائز ألا تؤخذ الظروف الاقتصادية العامة بعين الاعتبار، فمثلاً في حالة ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 70 دولاراً للبرميل، أو ضعف الدولار أو تعثر الاقتصاد، سيكون من المؤكد أن تعاني حتى أكثر الشركات إدراراً للربح.
أما كيف يمكن لمثل هذه العوامل أن تؤثر على منتجي السيارات، فبوسعنا التعرف على ذلك من خلال مثال شركة BMW، وهي إحدى أكثر الشركات تحقيقاً للأرباح. وكان لتغير سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار المواد الخامة العام الماضي، آثارا سلبية تقدر بمليار يورو كما يقول هيلموت بانكه رئيس مجلس إدارة الشركة. غير أنه تم استيعاب هذه الآثار في أسعار أسهم BMW، إذ سجلت قيمة السهم نحو 40 يورو، وهو أعلى سعر خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد تحقق ذلك دون إحداث تغييرات تذكر في استراتيجية الشركة ودون تسريح أعداد كبيرة من العاملين في الشركة. لقد تحقق ذلك ببساطة لأن شركة بي. إم. دبليو جنت ما جنت من أموال من بيعها لما تنتجه من سيارات.