نابليون بونابرت.. هل كان ضحية لمستواه المتدني من التخطيط الإداري العام؟

نابليون بونابرت.. هل كان ضحية لمستواه المتدني من التخطيط الإداري العام؟

إن نابليون بونابرت هو أحدى الشخصيات الأكثر تأثيراً في التاريخ الأوروبي الحديث، وحتى بالنسبة للذين يدافعون عنه، فهو السوط الذي ضرب به معظم أجزاء القارة الأوروبية. وكان مارشالاته عبارة عن مجموعة استثنائية من الأفراد، بعضهم من طبقات أرستقراطية، بينما يمثل آخرون أفضل ما يمكن أن تجمعه فرنسا من الأفراد (حيث يشكلون مع بعضهم سلالة استثنائية من العلماء، والفلاسفة، وأصحاب الصناعات). والثورة الفرنسية هي أول ثورة" شيوعية" حقيقية في أوروبا تهدف إلى تغيير جذري للنظام، وتنادي بفكرة " الدولة الأمة" التي أصبحت منشأ أوروبا الحديثة.
ويمهد كل ذلك السبيل إلى مناقشة عميقة للقيادة، بحيث تقارن بين فكرة القيادة البطولية التي يمثلها نابليون بنفسه على أفضل وجه، مع فكرة القيادة الجماعية، التي يمثلها في هذه الحالة فريق المارشالات الإمبريالي. فما هي الدروس التي يقدمها تحليل الصعود الاستثنائي السريع، والسقوط الهائل لأحد أكثر قادة العالم الغربيين ذكاءً، لطلاب الاستراتيجيات السليمة في عالم الأعمال والقيادة؟ وعلى الرغم من نهاية نابليون المذلة، فإن هذا القائد الذي جاء جندياً متدني الرتبة من كورسيكا، قاد جيوشه في معارك وانتصارات أكثر مما فعل كل من يوليوس قيصر، والإسكندر الأكبر، وهانيبعل، مجتمعين. فكيف أمكن لفرنسا في فترة عشر سنوات فقط أن ترتقي من حالة الفوضى التامة التي تبعت الثورة، إلى أحد مراكز السيطرة الأوروبية في تلك الفترة الزمنية القصيرة؟ وكيف يمكن لكل تلك الفتوح العسكرية أن تنتهي في عام 1815 إلى لا شيء تقريباً فيما يتعلق بالتوسع الفرنسي؟
ويقدم كل من ريني موبورجن، الزميل المميز للاستراتيجية والإدارة الدولية في "إنسياد"، ودبليو شان كيم أستاذ الإدارة الدولية في مجموعة بوسطن للاستشارات، ولودوفان دير هايدن أستاذ الإبداع التكنولوجي، تاريخاً مختصراً وشاملاً في الوقت ذاته لبونابرت، الجنرال (أو"مدير وحدة عالم الأعمال")، ونابليون الإمبراطور (أو "رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي").
وكما يشير المؤلفون، أبدى بونابرت عموماً انضباطاً يستحق الثناء به في إدارة العديد من المناطق التي احتلتها. ولكن يجب أن ننظر إلى نقصه التام من خلال عدم القدرة على موازنة الأهداف الاستراتيجية مع الإمكانات التنفيذية.
وبالنسبة للوقت الذي مارس فيه تقريباً القيادة المطلقة، ينظر إلى الأمر كعدم مقدرة على التحول للقائد في الجيش إلى قائد "أمة كبيرة". وبعد مضي قرنين تقريباً على معركة "والترلو"، بقي بونابرت نموذجاً كلاسيكياً ومأساوياً على كيف يمكن أن يؤدي صُنع القرار المختل وظيفياً إلى الإطاحة برئيس تنفيذي موقر وطموح.
ويركز المؤلفون على الاستراتيجيات الحربية الجديدة بالغة الأهمية وعظيمة النجاح التي ابتكرها نابليون التي تسمى بنظام "فيلق الجيش" الذي أمن حركة أكثر بكثير للقوات، واستخداماً للوقت كسلاح استراتيجي". وألهم الإمبراطور ولاءً شديداً بين العديد من ضباطه وجنوده، بحيث يتم تأكيد إعطاء حتى الأقل رتبة بينهم فكرة عامة على خططه في المعركة، وهو ما لم يتم التفكير فيها خلال النظام القديم لفرنسا. وكانت النتائج غالباً غير عادية.
ولكن كما تبينه دراسة الحالة، كان نابليون رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي ظلاً شاحباً لنابليون قائد الجيش. وفي سنوات نابليون الأخيرة، أصبح منعزلاً بشكل أكبر بكثير، وأقل تقبلاً لوجهات النظر المعارضة له.
وتشير الحالة إلى كيف أنه حتى أكثر القادة تصميماً يمكن أن يسمحوا للأنانية والقوى النفسية الأخرى بأن تقودهم إلى نسيان مبادئهم الأساسية في الحرب خلال أوقات الأزمات. ويمكن أن يتم تدريس مقدرة بونابرت على الفوز بدعم القوات الفرنسية التي عادته مبدئياً خلال الفترة الأسطورية التي تبلغ مائة يوم، في جميع برامج التدريب وورش عمل التحفيز. ولكن معركة والترو صورته شخصا وقع في خسارة تامة من حيث توصيل أهدافه لقادته الكبار سواءً قبل الاشتباك أو في أثنائه. وعبر محاضرة مبنية على التاريخ بخصوص العلاقة بين الاستراتيجية، والقيادة، وصُنع القرار من الجهات العليا، توفر الحالة مناقشة عالية الانفتاح حول القيادة في سياق تعرف فيه الحقائق بصورة واضحة –حتى لو أن الجوانب النفسية التي تؤثر في حوافز الأفراد يمكن أن تكون مازالت مخفية بشكل كبير. والأكثر من ذلك هو أن هنالك "نابليون" الذي لا يكمن فقط في المواقع العليا، ولكنه يوجد كذلك في الدرجات الأدنى لمعظم قادة عالم الأعمال الناجحين "المبدعين " حقاً"، ويشكل بذلك حالة مواجهة لممارسات عالم الأعمال التقليدية الموجودة.

وتقدم هذه الحالة نقطة بداية موضوعية مفيدة للغاية للشركات التي ترغب في مناقشة قضايا الإدارة لديها في أعلى مستوياتها.

الأكثر قراءة