أول نزاع عمالي ألماني في مجال الخدمات العامة منذ 14 عاما

أول نزاع عمالي ألماني في مجال الخدمات العامة منذ 14 عاما

إنه ليس زعيما تاريخيا ولا مجال لمقارنة أداء فرانك بسيركسة رئيس اتحاد عمال نقابات الخدمات (فيردي) بالمصلح الديني مارتن لوثر الذي اقتبس كلمته التي قالها في ساحة البرلمان حين قال: "ها أنا ذا أقف هنا، ولا أستطيع أن أفعل غير ذلك". لقد قالها بسيركسة قبل أسبوعين عندما نشب أول نزاع عمالي في ألمانيا في مجال الخدمات العامة.
لا مجال إذن للمقارنة بين الرجلين فلأول تكللت محاولته الإصلاحية بالنجاح بينما يقود الثاني نقابته نحو طريق مسدود ولن يكون بوسعه الخروج من هذا المأزق إلا بالتنازل عن بعض ما يطالب به.
ترى هل كان بالإمكان تحاشي ذلك؟ ربما لا لأن الضغوط الداخلية كبيرة جداً، حيث إن اتفاقية الأجور السارية المفعول في الخدمات العامة أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على كاهل أعضاء النقابة وهي الاتفاقية التي سبق أن توصل لها بسيركسة مع ممثلي الاتحاد والبلديات العام الماضي والتي أصبحت مكافآت الخدمة المميزة ترفع بموجبها على أساس الخبرة المهنية والإنجاز بدلاً من معيار العمر والوضع العائلي، كما كان في السابق.
يضاف إلى ذلك أن النقابيين التقليديين يرون من منظورهم الخاص، أن ميزان سياسة الأجور، حتى خارج قطاع الخدمات العامة (الذي يجري تعويض العاملين فيه بمكافآت تبلغ 300 يورو سنوياً ولمرة واحدة) هو في حالة تراجع، كما أن عمليات الشد والجذب مع أصحاب العمل تطول أكثر فأكثر بينما النتائج المتحققة عنها تقل أكثر فأكثر، ففي مفاوضات استمرت عاماً بأكمله، في قطاع تجارة التجزئة، كانت المحصلة زيادة الأجور بواقع 1 في المائة لا غير.
إن انزعاج القواعد النقابية من هذا الوضع قد أدى إلى استنزاف حاد في العضوية، حيث فقدت نقابة العاملين في الخدمة العامة أكثر من 100 ألف عضو في السنة الماضية وحدها، مما جعل النقابة تتراجع، ضمن الاتحاد الألماني لنقابات العمال، إلى المرتبة الثانية، بعد منافستها نقابة العاملين في الصناعات المعدنية. ومن المعروف أن الإضرابات العمالية تشكل في حالة الأزمات التنظيمية النقابية مخرجاً مجزياً من هذه الأزمات، والواقع يشير إلى أن النضال العمالي لنقابة العاملين في الخدمات العامة لم يوقف الانسحابات من عضوية النقابة فحسب، وإنما شجع أيضاً أكثر من عشرة آلاف عامل على الانضمام للنقابة كأعضاء جدد منذ كانون الثاني (يناير) الماضي. فإلى أي مدى يمكن لحسابات بسيركسة أن تؤدي لتقوية نقابته على المدى البعيد؟ والصراع هنا لا يدور حول زيادة الأجور بنسبة مئوية ما بقدر ما يتعلق بإرغام الولايات على القبول بتوجيهات نقابة العاملين في الخدمات العامة.
غير أن أصحاب العمل في الولايات المختلفة يصرون على رفض قانون العمل الذي يصفه مخترعوه بأنه مرن، وأنه يؤدي، في المدى المتوسط، لتحقيق وفرات في التكاليف، ولأنهم لا يريدون أن يقبلوا بالنقاط المتعلقة بتحديد ساعات العمل. ففي بلديات مناطق غرب ألمانيا مثلاً لا يسمح بتشغيل العاملين أكثر من 38.5 ساعة حدا أقصى.
واعتادت الولايات على استغلال الصيغة العائمة لاتفاقيات الأجور بهدف اقتحام شروط أكثر ملاءمة لمصلحتها، على الأقل فيما يتعلق بعمل الموظفين الجدد: حيث يجري زيادة عدد ساعات العمل الأسبوعية وتقليص مكافآت الإجازات والأعياد. كما أن أصحاب العمل في البلديات ليس لديهم ما يشغلهم الآن أكثر من إبلاغ نقابة العاملين في الخدمات العامة بقرارها وضع أسبوع العمل المكون من 40 ساعة موضع التطبيق.
إن ما قام به بسيركسه لن يستطيع التخلص من نتائجه بأي حال من الأحوال .ولعل من الأمور التي ستعقد المفاوضات بالنسبة للطرفين ذاك البند الغريب الوارد في قانون العمل وهو بند "الجهة الأولى بالرعاية". فإذا استجابت نقابة العاملين في الخدمات العامة لمطالب ولاية بادن فورتمبرج وراينلاند- بفالتس، سيدق بابها على الفور، وبنفس المطالب، كل الآخرين الذين ينتظرون نتائج هذه الحرب القائمة بين ممثلي الطرفين.
أما إذا أرادت النقابة أن تحول دون حدوث سلسلة من التأثيرات المتعاقبة بالنسبة لساعات العمل، فليس أمامها سوى عدم التراجع والرضوخ في أية ولاية من الولايات فالقضية هي إما الحصول على كل شيء أو خسارة كل شيء. ولكن إذا أصر أصحاب العمل في البلديات على مطالبهم فستضطر نقابة العاملين في الخدمات العامة لتقديم نفس التنازلات التي تسعى حالياً للحيلولة دون تقديمها. إن زيادة عدد ساعات العمل في الخدمات العامة لا مندوحة عنها، ففي أوقات العجز الكبير في الميزانيات العامة ينبغي على العاملين في الخدمات العامة أن يسهموا أيضاً في تحقيق بعض التوفير . أما الحجة بأن تمديد ساعات العمل سيؤدي إلى تقليص أماكن العمل فمردود عليها لأن القضية الجوهرية هي أنه بدون معالجة الوضع الحرج للميزانيات العاملة لا بديل عن إلغاء المزيد من الوظائف، وتخصيص المزيد من المرافق. وهذا لن يؤدي بطبيعة الحال لا إلى ضمان أمن العمل ولا إلى تحسين مستوى الأجور، بل فقط من خلال تمديد أوقات العمل يمكن وضع حد للاتجاه نحو تسريح العاملين.
ولهذا فلا ينبغي لنقابة العاملين في الخدمات العامة أن تعترض منذ الآن على أية إجراءات من شأنها أن تخفف الوطأة عن الولايات والبلديات بما فيه الكفاية. ولكن استجابة بسيركسه لذلك ستؤدي به إلى وضع صعب داخل نقابته، غير أنه من أجل ضمان أماكن العمل يكون قد فعل الشيء الوحيد الصواب، على الرغم من أن الكثيرين من العاملين يعتقدون عكس ذلك في هذا الجو المحموم الذي أثاره الإضراب.

الأكثر قراءة