مجموعة فولكس فاجن تتخذ قرارات حاسمة لخفض التكاليف
أخيراً.. قررت مجموعة فولكس فاجن لتصنيع السيارات، التوقف عن اعتبار أن أيام الأسبوع أربعة أيام فقط بعد أن كانت الشركة الوحيدة التي لا ينتظم عمالها سوى أربعة أيام فقط في الأسبوع. بدأت القصة منذ عام 2003 حين اجتمع في 30 أيلول (سبتمبر) بيتر هارتس رئيس قسم الموظفين وكلاوس فولكرت رئيس قسم العمال لتهنئة بعضهم البعض علي الضربة الناجحة التي قاموا بها في مجال سياسة الأجور: ألا وهي الحفاظ علي المرتبات كما هي مع تقليص عدد أيام العمل إلى أربعة أيام فقط في الأسبوع. لقد تم إلغاء هذا القرار من قبل المجموعة التي كانت تعتبر قبل عشر سنوات أكبر شركة تصنيع سيارات في القارة الأوروبية برمتها، في محاولة للحيلولة دون إلغاء نحو 30 ألف وظيفة. لقد كان من الممكن أن ينظر إلى قرار الأيام الأربعة ومع الانتعاش الذي شهدته "فولكس فاجن" خلال حقبة التسعينيات على أنه نموذج من نماذج العمل الخاصة كإحدى معجزات مدينة فولفسبيرج مقر شركة فولكس فاجن غير أن الزمن الجميل ولى مدبرا وحانت لحظة الثأر لإدارة الشركة بعد أن اشتدت حدة المنافسة في تبادل مواقع الصدارة بين أوساط كبار منتجي السيارات مما يرغم الجميع على إجراء تخفيضات في الأسعار ولهذا فإن "فولكس فاجن" لم تتمكن من تخطي نقطة التعادل عام 2005 إلا بفضل عمليات الدعم المالي الداخلية. أما حقيقة أن الشركة ككل قد ضاعفت أرباحها، فيعود الفضل للنجاحات التي حققتها شركة أودي، وهي إحدى الشركات الفرعية التابعة لشركة فولكس فاجن ولقطاع الخدمات المالية.
إن المشكلة الأساسية بالنسبة لـ "فولكس فاجن" تكمن في ارتفاع تكاليف العمل والإنتاج في ألمانيا، حيث يتقاضى العمال في مصانع "فولكس فاجن" الستة في غرب ألمانيا أجوراً تزيد بنسبة 20 في المائة على حدود لوائح الأجور، في الوقت الذي يستهلكون فيه ضعف الوقت الذي يستغرقه العمال في مصانع الشركات المنافسة لإنتاج سيارة واحدة.
في ظل هذه الظروف لا تستطيع السيارات الألمانية أن تباع في آسيا والولايات المتحدة وتحقق الأرباح. ومن هنا قام بيرنت بيشتريدر رئيس مجلس الإدارة وفولفجانج بيرنهارد رئيس علامة فولكس فاجن بالعمل على برنامج إعادة هيكلة يضع نهاية أخيرا للعمل أربعة أيام فقط في الأسبوع . أما تهديدات معارضي هذا الإنجاز، فلم تعد تخيف أحداً بعد أن تم في العام الماضي فصل كل من بيتر هارتس رئيس قسم الموظفين وكلاوس فولكرت رئيس قسم العمال من منصبيهما بسبب فضيحة أخلاقية. ورغم هذا فإن مجلس الإدارة تنتظره مفاوضات شاقة بعد أن أصبح العاملون في شركة فولكس فاجن مطالبين بالعمل مستقبلاً ست ساعات إضافية مقابل المستوى نفسه من الأجور. وهذا سيؤدي لحدوث فائض في العمالة.
إن المعطيات من "فولكس فاجن" تشير إلى أن 20 ألفا من إجمالي 100 ألف فرصة عمل في مصانع الشركة في غرب ألمانيا معرضة للخطر وهو ما ينسجم تماماً مع الاعتبارات الداخلية الداعية لتقليص طاقة إنتاج السيارات بنسبة تقرب من 20 في المائة، وهذا يعني أن أقساماً كاملة من وحدات الإنتاج سيتم إلغاؤها. يضاف إلى هذا أن فولفجانج بيرنارد يريد تقليص قسم التوريد في الشركة وربما إغلاق أو بيع المصانع غير الرابحة.
والسؤال هو كيف سيستطيع مجلس الإدارة التعامل مع ذلك؟ فبموجب اتفاقية الأجور لا تستطيع الشركة أن تسرح أحداً من العاملين قبل عام 2011. غير أن المادة المتعلقة بالعمل الجزئي لكبار السن تسمح بتعليق عمل 13 ألفا من العاملين لفترات طويلة، أما بالنسبة للإنذار الذي يعطي مهلة ثلاث سنوات قبل الفصل، فمن الممكن أن يطول، وفقاً لحسابات الشركة، 7500 من العاملين، كحد أقصى. ولكن مقابل هؤلاء ثمة بند يتعلق بالتدريب ويقضي بتشغيل أكثر من ألف عامل جديد سنوياً. وفي الوقت نفسه سيكون من الصعب دفع أحد من العاملين للتقاعد الاختياري مقابل تعويضات سخية، ذلك لأن فرص إيجاد أماكن عمل مناسبة في فضاء مدن فولفسبيرج أو إيمون أو سالسفيتر هي بالتأكيد غير واعدة. كما أن بيع أقسام من المصانع هو أيضاً ليس بالأمر الهيّن. ولكن في ضوء الأهمية الكبرى التي تعيرها للزبائن فإن شركة فولكس فاجن لن تفقد بعض المهتمين من أوساط الصناعات الموردة.
إن هذه العقبات لن تعرقل توجهات مجلس إدارة "فولكس فاجن"، كما أنها في الوقت ذاته لن تقلل من شراسة مقاومة مجلس العمال الذي ستزداد ضراوته ولاسيما وهو يقف على أعتاب انتخابات داخلية جديدة. وقد يجد مندوبو العمال حليفاً جديداً لهم في شخص كريستيان فولف رئيس وزراء ولاية نيدر زاكسن الذي وإن كان قد رفع شعار كسر شوكة نقابة ومجلس عمل "فولكس فاجن" إلا أن الأمر يختلف تماما عندما يكون متعلقا ببيع أو إغلاق مصانع "فولكس فاجن" في ولايته لأنه في هذه الحالة قد ينتقل إلى الخندق المقابل خوفاً من تعرضه للهزيمة في الانتخابات المقبلة لبرلمان الولاية ولهذا، فهو قد يسعى لحل أرحم من ذلك.
من جانبه يؤكد بيشتريدر أن الأمر لا يتعلق بالتخلص من عدد من العاملين، لأن القضية الحاسمة هي قضية تخفيض تكاليف الأيدي العاملة، وهذا يتيح الفرصة لمجلس العمال والنقابة العاملين في الصناعات المعدنية التوصل إلى حل وسط يضمن إنقاذ ماء الوجه. فإن هم قدموا تنازلات بالنسبة لأوقات العمل ولمستوى الأجور، فإن مجلس الإدارة سيعمل في المقابل على الاستغناء عن عدد من العاملين أقل مما هو مخطط له. إن إعلان بيرنهارد في هذا الوقت بالذات عن النية لتصميم 20 طرازا جديدا من السيارات هو بالتأكيد ليس من قبيل المصادفة، فخلف هذا الإعلان تكمن الرسالة التالية: إذا انخفضت تكاليف العمل بما فيه الكفاية وارتفعت الإنتاجية أيضاً بما فيه الكفاية، فلسوف نقوم بإنتاج هذه السيارات (ولو جزئياً) في ألمانيا، وإلا فلسوف يجري إنتاجها في جمهورية التشيك أو البرتغال أو المكسيك.