الشجاع فقط هو من يستطيع صناعة محركات الطائرات النفاثة

الشجاع فقط هو من يستطيع صناعة محركات الطائرات النفاثة

تحدث مع أي شخص في قطاع تجارة المحركات النفاثة التجارية وسوف يخبرك بأن شركة برات آند ويتني عانت من كارثة في العقدين الماضيين.
بدأ ذلك بخيار "برات" المصيري في أوائل الثمانينيات بعدم تطوير محرك جديد لطائرة "بوينج 737"، التي أصبحت فيما بعد الطائرة الأكثر مبيعاً في العالم. وازداد الأمر سوءاً مع كل جهد فشل في كبح نمو شركتي جنرال إلكتريك ورولز رويس. وبلغ ذروته مع صدور قرار "برات" المتواضع في منتصف الشهر الجاري لصنع قطع غيار احتياطية لمحرك "سنيكما" Snecma الذي تصنعه شركة جنرال إلكتريك الذي يقوم بتشغيل طائرة "بوينج 737".
وخلال ذلك، فإن "برات" انتقلت من شركة رائدة في الصناعة، لديها نسبة تبلغ 40 في المائة من حصة سوق محركات الطائرة الجديدة، إلى شركة خاسرة، تمتلك أقل من 10 في المائة. وكما يمضي المتخبطون في الاستراتيجية الصناعية، فإن تجنب "برات" خط إنتاج محركات طائرات "بوينج 737" يوازي قرار شركة آي. بي. إم IBM في عام 1980 لجعل "مايكروسوفت" تصنع (وتحتفظ بالحق في) البرنامج العامل في خطها الجديد من أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
ومثل IBM، لم يكن لدى شركة برات أدنى فكرة عن مدى أهمية هذا القرار. حيث قامت بصنع محرك لأول نموذجين من محركات طائرات "بوينج 737" التي كان بيعها ضعيفاً. لذا، فعندما طلبت منها شركة بوينج الاستثمار في تطوير محرك أكبر وأكثر هدوءاً لاستبدال نموذجها المبكر الذي كان على شكل السيجار، قامت بالرفض. وقررت عوضاً عن ذلك إنفاق أموالها على تطوير محرك لطائرة "بوينج 757" الأحدث.
يا الهي! إن ذلك ترك الطريق مفتوحاً أمام شركة جنرال إلكتريك للعمل مع "سنيكما" على إعادة استخدام محرك عسكري لطائرة "بوينج 737" الجديدة. وكانت شركات الطيران في الولايات المتحدة بحاجة إلى طائرة ذات ممر واحد لإطلاق أنماط شعاع الدولاب والمحور وأصبحت شركة ساوث ويست SouthWest هي الأولى من بين شركات الطيران العديدة المنخفضة التكلفة التي تختار محركات طائرات "بوينج 737". وفي منتصف الشهر الجاري، أنتجت شركة بوينج الطائرة رقم خمسة آلاف من طائرات "بوينج 737" وكل واحدة منها تحمل منذ عام 1982 محرك "سنيكما" من إنتاج شركة جنرال إلكتريك.
ومع ذلك، فمن وجهة نظر سوق الأسهم، فإن شركة برات لا تبدو بحال سيئة. فهي لا تزال مزوداً رائداً للمحركات لكل من الطائرات العسكرية وطائرات الأعمال الصغيرة النفاثة. وقامت بتحديد المبالغ التي عليها إنفاقها حول تطوير المحركات التجارية الجديدة من خلال الدخول في تحالفات مع كل من شركة رولز رويس وشركة جنرال إلكتريك. وتحالفت مع "رولز رويس" لصنع محركات طائرة "إيرباص A320"، وهي المنافسة لطائرة "بوينج 737".
وحافظت على هدوئها، فقبل عامين طلبت شركة بوينج من شركة جنرال إلكتريك، وشركة برات وشركة رولز رويس التنافس من أجل وضع محركات في طائرتها الجديدة من طراز 787. ولن يقوموا فقط بتمويل المحرك الجديد الذي تبلغ تكلفته 1.5 مليار دولار، ولكنهم سيتحملون حصة من ميزانية تطوير طائرة بوينج 787. ودفعت كل من "رولز رويس" و"جنرال إلكتريك" مقدماً لكن جورج دافيد رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي في شركة يونايتد تكنولوجيز United Technologies وهي الشركة الأم لشركة برات، استقال عندما أعطي الفاتورة الضخمة.
كما عمل الاقتصاد الفضولي في الصناعة لصالح شركة برات، مما جعل المحركات النفاثة للطائرات التجارية تتضمن واحدة من أطول الدورات في جميع الأعمال التجارية. ومن المحتمل أن تدوم الطائرات إلى 30 عاماً على الأقل، حيث تم إطلاق طائرة بوينج 737 في عام 1968 ولا يبدو أن شركة بوينج ستنتج خلفاً لها قبل عام 2015. ويمكن أن يستغرق الأمر أكثر من عقد من الزمن لاسترجاع تكاليف تطوير محرك من خلال بيعه إلى شركات الطيران.
ويقوم المصنعون ببيع محركاتهم بسعر رخيص ويسعون إلى الحصول على عقود لتوفير قطع الغيار، وتغطي هذه الفعاليات في الوقت الحاضر ما نسبته 60 في المائة من العوائد. هذا التركيز على التكاليف في المرحلة الأولى وإرجاء إنفاق العوائد يعني أن بإمكان شركة مثل "برات"، التي توجد العديد من محركاتها في الطائرات القديمة ولكنها تتجنب الاستثمار كثيراً في الطائرات الجديدة، أن تربح كثيراً بدون الأمجاد السابقة.
هذا شيء جيد بالنسبة لمعظم المستثمرين. فعندما لم تحصل شركة برات على حصة في إنتاج طائرة "بوينج 737"، ارتفعت أسهم شركة يونايتد تكنولوجيز. وأعجب حملة الأسهم بفكرة تخليها عن فاتورة بقيمة مليارات الدولارات، تماماً في الوقت الذي أصبح فيه المستثمرون في شركة رولز رويس عديمي الصبر في التسعينيات حينما استثمرت الشركة بقوة في محركات "ترينت" Trent التي قامت بتصنيعها. والآن فقط، عندما نجحت عوائدها من الخدمات والمبيعات، أصبح أداء أسهمها جيداً.
وبالطبع، فإن المشكلة هي أن بإمكانك النجاح مستخدماً هذه الحيلة على المدى الطويل فقط. وبعد عقدين من الزمن، تبدأ قاعدتك المتينة بالتقلص عندما يتم استبدال الطائرات القديمة التي تحمل محركاتك بطائرات جديدة تحمل محركات أخرى. وهناك تجد شركة برات نفسها. فمع استرداد شركات الطيران وضعها الطبيعي بعد فترة الركود التي مرت بها بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، قامت بطلب شراء طائرات جديدة، وخصوصاً طائرات بوينج 737 من الطراز الجديد.
لذا، فهناك طريقتان نستطيع من خلالهما النظر إلى قرار شركة برات بصنع قطع غيار لمحركات طائرات بوينج 737. أولاهما هي أن الشركة أخيراً استسلمت وحولت نفسها إلى مرفق الخدمات وقطع الغيار, وهناك بعض الشركات الصغيرة التي تقوم بتصنيع قطع الغيار ولكن لم يسبق إن هبط مستوى أي من مصنعي المعدات الأصلية من قبل.
وفي مقدمة ذلك كله، فإن هناك بعض المنطق في الترويج لتجارة قطع الغيار ذات هامش الربح المرتفع. ولكن الأمر يقف عند هذا الحد. حيث أن نموذج المحرك الذي ستقوم شركة برات بإعادة هندسة أجزائه قديم جداً بحيث لا يمكن أن تغطيه العديد من براءات الاختراع. ففي تلك الأيام، كان المصنعون أكثر حماساً فيما يتعلق بحقوق الملكية الخاصة بهم بالإضافة إلى الحصول على عقود طويلة الأمد للخدمات والتزويد بقطع الغيار مع شركات الطيران. وإن لم يكونوا كذلك، فإنهم لن يكونوا قادرين على تبرير الحاجة إلى تطوير محركات جديدة.
التفسير الآخر- وهو الذي تتبناه شركة برات - هو أنها تبني علاقات مع شركات الطيران حتى تصبح في الموقع الأفضل لوضع محركها الخاص في الطائرات التي ستحل محل طائرات بوينج 737 وطائرات إيرباص A320. وهي تستعد من أجل الحصول على فرصة تاريخية للتعويض عن غلطتها السابقة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه سيكون على شركة يونايتد تكنولوجيز في النهاية المخاطرة بسمعتها في سوق الأسهم من خلال استثمار المليارات من الدولارات في المحركات الجديدة.
وكما أظهرت شركة رولز رويس، فإن بإمكان ذلك أن يحقق ربحاً حتى لو قللت المؤسسات الاستثمارية من عظم حجم الفاتورة. وتبدو دورة صناعة المحركات النفاثة طويلة جداً بحيث إنها تجاوزت إدراك معظم المؤسسات الاستثمارية، ناهيك عن صناديق التحوط. لكن الفشل في الاستثمار سوف يلاحقك، حتى لو طال الأمد. وقد كانت شركة برات صبورة جداً، وثابتة وصارمة خلال تلك العقود الكئيبة، وسيكون عليها أن تكون شجاعة في أحد الأيام.

الأكثر قراءة