لا بد من ربط التدريب والتعليم بسوق العمل لخفض معدل البطالة
يعتبر دينيس سنور رئيس معهد الاقتصاد العالمي في مدينة كيل الألمانية أحد الخبراء الاقتصاديين وهو من أصل أمريكي، ويتقن عدة لغات. أجرى سنور العديد من الدراسات والأبحاث في بريطانيا، وألقى الكثير من المحاضرات في جامعاتها أيضاً، وهو من الأشخاص القادرين على تقديم إجابات عن الكثير من التساؤلات التي يطرحها سوق العمل اليوم. ويعمل (سنور) على تطوير المنح الإضافية على نظام التشغيل، كنموذج الأجور المجمّعة، الذي يتكيّف مع البطالة العمالية الممتدة.
ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2004 أصبح (سنور) يدير معهد الاقتصاد العالمي بمدينة ( كيل ) وهو كثيرا ما يتحدث عن برنامج (هارتز 4) والأجور المخفّضة، والحوافز الخاصة في التشكيلات العمّالية وهو يضع هذا الاتجاه العالمي ضمن إعادة هيكلة شاملة، لضمان الجودة الأكاديمية على مدار فترة من الزمن، كارن هورن وماثياس مولير من صحيفة فرانكفورتر ألجماينه التقيا مع ( دينيس سنور) وأجريا معه الحوار التالي بمناسبة المحاضرة التي ألقاها في المعهد البريطاني في برلين.
هل تعتقد بأن برنامج التشغيل والنمو الذي طرحه الائتلاف الحاكم (الحزبين الاشتراكي والمسيحي الديمقراطي) له القدرة على إحداث الاختراق المطلوب في سوق العمل الألمانية؟
لا يمكن أن ينظر إلى هذا البرنامج إلا على أنه مجرد بداية. ولا بد من أن ندرك أن الصعوبات القائمة حالياً في سوق العمل الألمانية أصبحت متغلغلة وراسخة إلى حدٍ بعيد ومن الضروري إجراء تغيير شامل في أسعار الصرف. ولم تعد سياسة الخُطوات الصغيرة ملائمة. لابد من أن تكون خطط إعادة الهيكلة جذرية.
ما الذي تعنيه بالتحديد بهذا الكلام؟
ما أعنيه بالضبط هو مدى أهمية استبدال الحوافز والدوافع الحالية. حيث نلاحظ اليوم الكثير من الحوافز الخاطئة في سوق العمل. نحن نقدّم المعونات المالية للأفراد الذين لا يجدون فرص العمل، ويُعيدون ما أخذوه من معونات مالية عندما يجدون فرصة العمل. ولا يُحدِث برنامج (هارتز 4 Hartz IV) الكثير من التغييرات على التنظيمات التي تختص بالأشخاص محدودي المؤهلات وهم الأكثر عُرضةّ للبطالة في سوق العمل. ولا يتوقّع أحد أن يتمكّن برنامج (هارتز 4) من إحداث نقلة مهمة في حجم التشغيل الوظيفي في ألمانيا.
من القضايا المهمّة التي أوردها برنامج الحكومة هي مسألة أعداد الموظفين الحاصلين على مؤهلات محدودة. كيف لنا أن نخلق قطاعاً للأجور المتدنية على أفضل وجه، بحيث يتمكن هؤلاء الأفراد من الحصول على فرصة؟
أنا أرى أن تطوّر قطاع الأجور المتدنية يتخذ الاتجاه الخاطئ. حيث إن الصعوبات المركزية التي تواجها سوق العمل الألمانية هي البطالة العمالية طويلة المدى، وليست الأجور المتدنية. ولابد من تقديم المعونات المالية للعاطلين عن العمل عبر فترة طويلة من الزمن. ولابد من تقديم الحوافز القوية لهم، وإعادة العمل عليها.
وهل تساعد الأجور المجمّعة في هذا؟
يمكن للأجر المجمّع أن يكون مجدياً، أو مضراً، فهو يعتمد على الشكل الذي يتخذه هذا الأجر. حيث يكون مضراً في حالة تقديمه على شكل تزويدي مجرد في قطاع الأجور المتدنية. حينها يتم تخفيف الحوافز ليتمكن الفرد من تطوير نفسه، وتكون الاستفادة من هذه الحوافز عن طريق رفع معدل الأجور، ورفع حجم إنتاجية الدرجة العلمية. لابد من أن نصل إلى حد يرفع به الناس معدل الإنتاجية.
هل ترى أن الأجور المجمّعة للعاطلين عن العمل لفترة طويلة منطقية؟
نعم، وهي من الممكن أن تكون إيجابية. حيث لابد من ربط المعونات المالية المرتفعة بعمر البطالة العمالية: فكلما امتدت الفترة الزمنية للبطالة العمالية للفرد، كلما بدت الصعوبات المواجهة له أكبر في إيجاد فرصة عمل من جديد. ولكن ليس من المفترض أيضاً رفع معدل المعونات المالية المرتبطة بالفترة الزمنية بالبطالة العمالية إلى حدٍ كبير، لأن عندها تتولد الحاجة إلى انتظار الحوافز. وحالما يجد الفرد فرصة العمل، لا بد من التخلّص من المعونات المالية بصورة تدريجية من جديد.
وكيف يتم القيام بذلك واقعياً؟
عن طريق استخدام المنح الإضافية على الأنماط التشغيلية. وتزداد قيمة هذه المنح الإضافية تبعاً لطول الفترة الزمنية التي قضاها العاطل عن العمل. حيث يحظى كل عاطل عن العمل بمنحة، والتي يمكن أن يحصل عليها عند التصديق عليها من قبل صاحب العمل. ويمكن للشركة حينها أن تخفّض من تكاليف الأجور.
لا تنص منح التشغيل - مثل أنظمة المنح والمكافآت - على إطلاق عنان المنافسة بل على المعونات المالية الخاصة، والمتاحة بصورة سيئة، إما عن طريق مساهمات اجتماعية، أو عن طريق القوانين الضريبية الحكومية.
صحيح. إلا أن هذا النظام أفضل بالمقارنة مع القوانين الضريبية السطحية. حيث إن الحكومة تبني دوماً المزيد من الدرجات. إلا أن هذه الدرجات غير مفيدة؛ لأنها تعمل على انتظار الحوافز، حتى تكون هذه الدرجات قد وصلت الطبقة اللاحقة من المعونات المالية. ومن المفترض أن ينمو حجم المعونات المالية المُقدّمة بصورة ثابتة ومتناسبة مع مدى استمرار البطالة العمالية، ولكن ليس ضمن وثبات متباينة.
أليس من المفترض التخفيف من الضمان الاجتماعي لإنجاح هذه النظام؟
من الطبيعي أن ترتفع الحوافز، إذا تم التخفيف من الضمان الاجتماعي. فلا يجب إلحاق ضرر بالناس دون سبب واضح. فعندما يتم التخفيف من الضمان الاجتماعي، عندها من المهم أن يتم إعادة هيكلة توزيع الضمان الاجتماعي وفقاً للنظام الضريبي. ولابد من إعادة هيكلة توزيع نظام التأمين الاجتماعي في ألمانيا، لأنه غير فعّال.
ما مدى تكاليف المنح والمكافآت التشغيلية على الحكومة؟
- يمكن تشكيل نظام المنح التشغيلية كجزء من برنامج "انتعاش العمل " البريطاني، أي أن يكون متعادلاً بالكامل مع الدخل الضريبي الإجمالي. هذا ما أشارت إليه العديد من الدراسات. وأنا استنتجت، بأنه يمكننا من خلال مساعدات المنح والمكافآت التشغيلية، والتي لن تكلّف سنتاً إضافياً واحداً على النظام الحالي، التخفيف من الحجم الفعلي للبطالة العمالية في ألمانيا بصورة كبيرة.
لا يحتاج المرء أن يناقش أكثر مسألة الحد الأدنى للأجور. حيث تبرر المستشارة الحالية (أنجيلا ميركيل) هذا القول بأن الأجور المجمّعة من الممكن أن تصبح وبالا علي للحكومة، لأن الشركات ستعمل على تخفيض معدل الأجور الصافية بصورة انتهازية. فهل ترى أن هذه المجادلة منطقية؟
لا. عندما يحاول المرء تكثيف الأسعار، عندها لن تعمل ميكانيكية السوق، وستنتج في المحصّلة أمور مختلفة تماماً عن التي تم التخطيط لها من البداية. وتُعد الأجور ذات الحد الأدنى إما أنها منخفضة جداً، حيث إنها لا تشكّل أي وزن البتة، أو أنها كافية إلى أبعد حد، بحيث تُؤخذ بعين الاعتبار. وعندها تعيق التشغيل، أو على الأقل تؤدي إلى البطالة الممتدة.
وهل تسري الأمور بهذه الطريقة فقط؟
يتوقف مدى تأثير ضعف التشغيل على حجم أجور الحد الأدنى، وحجم الفرق بينها وبين الأجور المتوازنة. وتُعد نسبة أجور الحد الأدنى في الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، منخفضة جداً. إلا أن هذا غير مقبول في ألمانيا، ويستمر المرء هنا في اتخاذ الاتجاه الخاطئ. ولا يمكن هنا تطوير ميكانيكية الأسواق بصورة كافية طالما أن الأجور، والإنتاجية غير مترابطين مع بعضهما البعض. حيث من الأفضل الآن محاولة التخلّص من المعوقات الموجودة أصلاً بدلاً من إيجاد غيرها. فالمرء لا يحقق المزيد من الالتحام الاجتماعي عن طريق الحد الأدنى للأجور. ولا يزال يوجد الكثير من عدم المساواة بين هؤلاء العاملين، وغيرهم من غير القادرين على إيجاد فرص العمل.
وكيف يمكن تجنّب عدم المساواة هذه؟
عندما يؤمن المرء بجدية بأن الناس الذين يجنون أجوراً مجدية، لابد من أن يرفعوا إنتاجيتهم. يمكن للمرء صنع الكثير عندها يتناول سياسة التدريب كجزء لا يتجزأ من السياسة التشغيلية. وأنا اعتقد أن ألمانيا كرّست نفسها في فترة من الفترات على هذه المسألة، وخاصةّ في تدريب المبتدئين، ولكن للأسف يوجد اليوم الكثير من المبتدئين في غياهب النسيان.
إلامَ تُشير بالضبط؟
لابد من ربط التدريب والتعليم بشكل وثيق مع سوق العمل. فعندما تقدّم الحكومة مسالك بسيطة للتدريب، ولكن بعيداً عن حاجة السوق، فهي بالكاد تكون مجدية، أو فعّالة. ولكن إذا تمكّن أصحاب العمل، ورجال الأعمال أن يلعبوا دوراً مهماً في قطاع التدريب، حينها من الطبيعي أن يتسلّم المتدربون الوظائف مباشرةً. ولهذا أنا أنصح بأن تمنح الحكومة مكافآت تدريبية ويمكن صرفها نقداً لدى مزودين مستقلين. وكلما استمرت فترة البطالة العمالية أكثر، كلما كان من الواجب أن تكون قيمة المنح أعلى.
تعني أنه لابد من تقديم مكافآت التدريب بشكل متواز مع منح التشغيل، أليس كذلك؟
نعم. ولابد أن تكون قيمتها أعلى من منح التشغيل.
وكيف يتم تشكيل هذه المكافآت التدريبية؟
لو نظرنا إلى نظام قوانين ضريبة الدخل الأمريكي، نجد أنه ليس مثالياً، ولكن يحتوي على عناصر ذكية، والتي يمكن للمرء التكيّف معها. فعندما يتقاضى المرء القليل القليل، يحظى حينها بمعونات مالية متدنية جداً. وكلما ارتفع حجم المال الذي يتقاضاه أحدهم، كلما ارتفع حجم المعونات المالية. يبدو هذا غير منطقي، ولكنه في الحقيقة يحقق دفعات قوية تحفّز الفرد على رفع مستواه التدريبي، وللخروج من دائرة الفقر التي تُحيط به.
ولماذا لا تخترق اقتراحات منح التشغيل، والتدريب، السياسة الحالية؟
نفتقد هنا إلى الدوافع المناسبة. كان من الأفضل لو أنه يتم تعويض كل من له علاقة بمسائل التشغيل في الحكومة والإدارة بصورة متصّلة بالكفاءة، وليس بناءً على المناصب الوظيفية. كما هو الحال في الشركات الخاصة.
تقصد الحوافز الاقتصادية الخاصة في تشكيلات البطالة العمالية؟
نعم. وتخص هنا بالذكر ولاية (ميلواكي Milwaukee) الأمريكية وهي الأكثر تميزا في هذا النظام، حيث قدّمت الحكومة في السابق الكثير من الأموال للعاطلين عن العمل. وتم الوصول إلى القرار بعد حين، بأن يتم إعطاء هذه الأموال بأكملها للشركات الخاصة، والتي تجتهد، من ناحية، في المنافسة ما بين بعضها البعض لإعادة هذه الأموال على شكل مال وخبرة، وهي مسؤولة من ناحية أخرى عن دعم البطالة العمالية مالياً. وما يفيض عن تلك التوزيعات يشكّل ربحاً لها. وكلما انخفض حجم البطالة العمالية، كلما كانت أرباح الشركات أعلى. ولكن بالطبع يتم ضبط كل هذا بطريقة صارمة، ولابد من حماية الأفراد. ولكن ترتفع جودة التشكيل الوظيفي بهذه الطريقة بصورة هائلة. هذه الدوافع والحوافز التي تفتقدها منظمات العمل الألمانية.