" ألكسندرا" أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير

" ألكسندرا" أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير

" ألكسندرا" أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير

من أبرز نساء الحركة الشيوعية الروسية، كانت أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير، ولعبت دورا مهما في الحزب والدولة خلال السنوات الأولى لثورة أكتوبر. ثم واصلت خدمتها للدولة السوفياتية في السلك الدبلوماسي خلال ربع قرن. لكن مساهمتها الكبرى هي نضالها الذي كرست له كل حياتها, ككاتبة ومناضلة شيوعية, من أجل تحرر المرأة, وتحرر النساء العاملات بشكل خاص في بلدها والعالم.
"المرأة العاملة" تستعرض مسيرتها كأول امرأة وضعت المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بحقوق النساء العاملات وعمدت إلى نشر ذلك في أوروبا والدول الناهضة آنذاك، فإلى التفاصيل:

بداية برجوازية

ولدت ألكسندرا دومونتوفتش في أسرة عقيد في الجيش الروسي في سان بطرسبرغ عام 1872, وتزوجت أحد أقاربها, المهندس فلاديمير كولونتاي. تأثرت باكرا بالأفكار الثورية عبر نظرية داروين التطورية واهتمامها بالتربية وعلم نفس الأطفال. ومع أفول القرن التاسع عشر كانت كولونتاي في عداد ذاك الرعيل من النساء الأرستقراطيات والبرجوازيات اللواتي سعين إلى التحرر الشخصي عبر التدريس, عبر "التوجه إلى الشعب"، وكانت تلك الفترة تشهد نهايات "الحركة الشعبوية" التي تعتبر الفلاحين عماد الثورة ضد القيصرية, والجماعية البدائية في الريف قاعدة الانتقال المباشر إلى الاشتراكية.

انطلاقة مبكرة

ومع البروز السريع للطبقة العاملة الروسية, برزت الحلقات الماركسية التي اتحدت في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، عام 1898. انضمت كولونتاي إلى الحركة العمالية منذ سنيها الأولى. وقد أثرت فيها زيارة قامت بها لأحد مصانع النسيج الضخمة الذي يضم 12 ألف عاملة وعامل. فقررت بعد ذاك ربط مصيرها بالطبقة الثورية الصاعدة. فأدى التزامها السياسي إلى تأزم علاقاتها بزوجها الذي اعتبر نشاطها السياسي بمثابة تحد شخصي له. فانفصلت عنه ومعها طفلها الوحيد رغم ما كانت تكن له من حب واحترام. واختارت حياة النضال والعمل الخلاق على حياة الحب والأسرة. ولم يكن مثل هذا الاختيار أمرا يسيرا بالنسبة لها ولبنات جيلها.

رحلة كفاح عالمية

بعد أن استعادت كولونتاي "حريتها" غادرت روسيا إلى ألمانيا، ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ, وأسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية, وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها, وبخاصة روزا لوكسمبرغ وكلارا زتكن. أما على صعيد السياسة الثورية الروسية, فقد وقفت كولونتاي إلى جانب المناشفة خلال انشقاق الحزب عام 1903. ولم تنضم إلى البلاشفة إلا خلال الحرب العالمية الأولى.
عادت كولونتاي إلى روسيا مع اندلاع الثورة الأولى عام 1905. وكرست معظم وقتها, في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى, للعمل بين النساء. تأسست الحركة النسائية في روسيا عقب الثورة الأولى. وكانت بقيادة الحركة النسوية البرجوازية, المطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال, بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لتحقيقها, وسعيها لتنظيم كافة النساء حول هذا المطلب, الأمر الذي يميّع وعي العاملات للاستغلال الذي يتعرضن له ويضعهن تحت القيادة البرجوازية.

نادي النساء العاملات

في سعيها لتأسيس عمل اشتراكي بين النساء, اضطرت كولونتاي إلى النضال على جبهتين: ضد الحركة النسوية من جهة, ومن أجل إقناع رفاقها ورفيقاتها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الاهتمام بتنظيم العاملات. فأسست مع رفيقات لها نادي النساء العاملات عام 1906, لدراسة قضايا المرأة العاملة, والتدريب على مختلف أشكال الدعاية والتحريض في صفوف العاملات.
وأخذت تطالب بإنشاء أجهزة حزبية متخصصة للعمل بين النساء, انطلاقا من خصوصية وضع المرأة كأم وربة بيت, وبالتالي خصوصية أشكال القهر والاستغلال الإضافية التي تتعرض لها، وقد أسهم هذا النادي في تكوين أول نواة للحركة الاشتراكية النسائية في روسيا. وفي المؤتمر النسائي الأول لعموم روسيا، المنعقد عام 1908, أمكن المرأة العاملة أن تتمثل وتطرح مطالبها المتميزة بوفد من النساء الاشتراكيات ضم 30 عاملة, معظمهن من الأميات.

عوائق تقف في طريقها

وفي المنفى صدر كتابها «الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة» وهو بمثابة سجال ضد الاتجاه النسائي ودعوة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي أن يبني حركة عمالية نسائية.

عيد عالمي للمرأة

شاركت عام 1911 في تنظيم أول عيد عالمي للمرأة, الذي ما زلنا نحتفل به في الثامن من (آذار (مارس من كل عام، وزارت فرنسا حيث أسهمت في تنظيم اضطرابات ربات البيوت ضد غلاء المعيشة, وإنجلترا, حيث اطلعت على الدور الذي تلعبه النساء في النقابات العمالية الإنجليزية.
غادرت كولونتاي ألمانيا بعد اندلاع الحرب العالمية, وقد صعقها موقف أغلبية الأحزاب الاشتراكية - الديمقراطية الأوروبية المؤيدة لحرب اقتسام المغانم بين الدول الاستعمارية. فقطعت صلاتها نهائيا بالاتجاه المنشفي وانضمت أخيرا إلى البلاشفة في حزيران (يونيو) 1915.

أول وزيرة في العالم

عينت كولونتاي مفوضة الشعب "وزيرة للشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين. وشغلت هذا المنصب حتى آذار (مارس) 1918. فأرست الأسس لعدد واسع من التحولات الجذرية بالنسبة لوضع المرأة العاملة والخدمات الاجتماعية عامة. وكان من أول إجراءاتها تحسين أحوال مشوهي الحرب، وإلغاء التعليم الديني للفتيات في المدارس الرسمية, وإحالة الراهبات والرهبان إلى الإدارة المدنية, ومنح الطالبات حق الإدارة الذاتية للمدارس, وإيواء الأيتام واللقطاء في مؤسسات خاصة بالمشردين. وشكلت اللجنة التي وضعت قانون الضمان الصحي المجاني الشامل لجميع سكان روسيا, وأنشأت المكتب المركزي لرعاية الأمومة والطفولة في مطلع 1918, وحولت مستشفيات التوليد إلى بيوت مجانية لرعاية الأمومة والطفولة تتولى إرشاد الحوامل وتوفير وسائل منع الحمل, وأنشأت الحضانات النهارية لإيواء أطفال العاملات.
وعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918, أول مؤتمر للفلاحات والعاملات ضم 1147 مندوبة. وانبثقت عنه لجنة لتوعية النساء الكادحات, على حقوقهن الجديدة ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء, في الحزب والمجتمع. وكان الهم الرئيسي لهذه اللجنة تعبئة النساء للمساهمة في النضال السياسي وفي بناء الاشتراكية.

محاربة في الجبهة

خلال الحرب الأهلية استدعيت كولونتاي للنضال على جبهة القتال, إذ عينت مفوضة للشعب لشؤون التوعية والإعلام في الحكومة الأوكرانية, فأسهمت في تجنيد المئات من النساء لصد الهجمة الرجعية المدعومة من الاستعمار الانجلو - فرنسي، وعند عودتها إلى موسكو, تولت مكتب التنسيق للعمل بين النساء في الحزب, الذي أشرف على إصدار صحيفة شيوعية نسائية, ونظم العمل بين النساء المسلمات, وعقد مؤتمرين عالميين للنساء في موسكو.

دبلوماسية عالمية

بعد هذا التاريخ, تقلص دور كولونتاي في السياسة الداخلية. فانضمت إلى السلك الخارجي عام 1923 وشغلت عدة مناصب دبلوماسية في النرويج والمكسيك وفنلندا والسويد, إلى أن رقيت إلى رتبة سفيرة متجولة عام 1943. وقد انتدبتها الحكومة السوفياتية لتوقيع اتفاقية الهدنة السوفياتية -الفنلندية عام 1945.
وما من شك في أن انسحاب كولونتاي المبكر من الحياة السياسية الداخلية قد أنقذها من المصير المظلم الذي لاقاه رفاقها في "المعارضة العمالية". توفيت كولونتاي في موسكو عام 1952 ولها من العمر 80 عاما. وتركت عددا كبيرا من الكتابات حول قضايا التربية, والمسألة القومية والاشتراكية في فنلندا, والحرب العالمية، والطبقة العاملة الأوروبية, وقضايا السلطة العمالية في روسيا السوفياتية.

لقد لخصت كولونتاي نفسها فهمها لقضية تحرر المرأة العاملة التي نذرت حياتها لها بهذه العبارات المقتطفة من مذكراتها المكتوبة عام 1926":
إذا كنتُ قد حققت شيئا في هذا العالم, فليس مرد ذلك لصفاتي الشخصية. فإنجازاتي ما هي إلا الدليل على أن المرأة باتت تسير باتجاه كسب الاعتراف العام بها, على الرغم من كافة الصعاب. فانخراط ملايين النساء في العمل الإنتاجي, الذي تم بوتيرة متسارعة خلال الحرب, هو الذي أفسح المجال أمام المرأة لكي تحتل أعلى المراكز السياسية والدبلوماسية، غير أنه من المؤكد أن بلدا مستقبليا، كالاتحاد السوفياتي, هو وحده القادر على معالجة قضية المرأة دون أفكار مسبقة, وعلى تقييم أعمالها فقط من منظار مهارتها ومواهبها".

الأكثر قراءة