أطراف أوروبية تتخوف من الاحتجاجات الإسلامية عقب أزمة الرسوم الدنماركية
تعيش شركة الألبان الدنماركية أرلا أسوأ لحظات حياتها حيث تخسر الشركة ما يقدر بنحو 1.8 مليون دولار يوميا، بسبب مقاطعة منتجاتها في العالمين العربي والإسلامي بعد نشر صحف دنماركية رسوما كاريكاتورية أثارت استياء المسلمين وهي القضية التي امتدت آثارها أيضا لتطال عدة شركات غربية لتصنيع بضائع استهلاكية.
يأتي هذا في وقت لا تغيب فيه مظاهر وعلامات العولمة بدءا من علامة كوكاكولا وانتهاء بمطاعم ماكدونالدز وعلامة بيج ماك عن شوارع العواصم العربية والإسلامية في القاهرة، الرياض وحتى طهران. لكن عمليات التبادل بين الشرق و الغرب لا تزال قليلة إجمالاً، كما أن دول منطقة الشرق الأوسط تحاول أن تحتفظ بنفسها إلى حد ما في منأى عن تلك الدائرة بعكس الدول النامية في منطقة آسيا التي تحاول أن تستفيد من النمو السريع الذي تتميز به التجارة العالمية.
ويؤكد (بيتر بافيلكا) الخبير في شؤون الشرق في جامعة توبينجين أن فكرة العولمة مرفوضة من قبل العالم الإسلامي الذي يضم نحو 56 دولة (بينها إندونيسيا وماليزيا) تنتمي إلى منظمة المؤتمر الإسلامي يعيش فيها فقط ما يقدر بنحو 1.5 مليار مسلم. من جانبه يقول بسام طيبي الخبير في الشؤون الإسلامية إن دول العالم الإسلامي لا تقف إلا على هامش الدائرة الاقتصادية العالمية رغم الثقل السياسي والسكاني اللذين تتمتعان به.
ويضيف طيبي أن الحضارة الإسلامية شهدت في تاريخها أياماً أفضل بكثير مما تعيشه حاليا فقد شهد القرن السادس عشر ازدهار الوضع الاقتصادي والتجاري في الشرق في وقت كان يسيطر فيه الجهل و التخلف والخمول على قارة أوروبا في فترة نهاية القرون الوسطى. ولكن مع بداية القرن السابع عشر انقلبت الآية، وأخذ العالم في التراجع بالموازاة مع ازدهار الغرب.ولكن يبقي السؤال: لماذا تحرّك المسلمون نحو الخلف، بينما غيرهم من الأوروبيين، والآسيويين، نحو الأمام؟ حسب اعتقاد الكثير من الأوروبيين.
يقول كثير من المسلمين أن السبب في هذا يرجع بالأساس إلي الهيمنة والتوسع الاستعماري والإمبريالية الأوروبية والأمريكية. وفي الحقيقة فقد ذاق أهل الشرق مرارة الذل عبر مئات السنين من الاحتلال المستمر والسيطرة الأجنبية. وخابت آمالهم في الديمقراطية الأمريكية و الماركسية الروسية. و لهذا بات من السهل على أنظمة الدعاية في الدول الإسلامية استخدام و تجديد لغة الخطاب التي تعتمد علي صورة الشرق المخدوع و المسلوب حقه من قبل الغرب. ولهذا فإن الناس باتوا يرون العولمة على أنها نموذج لوضعهم في قوالب تنتجها مجموعات شركات أوروبية.
وتُعد النتائج الاقتصادية لهذه الرؤية سيئة: فالإحصاءات تقول إن واحدا من كل خمسة أشخاص في العالم العربي اليوم لا يجني سوى نحو أقل من دولارين في اليوم. ولم يتحسن دخل الفرد خلال العشرين عاماً الماضية بالمعدل السنوي إلا بنحو نصف نقطة مئوية. وإذا كانت أرقام النمو في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى تشير إلى معدلات أقل فإن هذا يرجع إلى أن هذا الإقليم في حالة مقفرة اقتصاديا حسبما يقول باحث الشرق بافيلكا. لكن منطقة الشرق الأوسط تنعم بالكثير من الثروات حيث يوجد هناك نحو ثلثي الثروة النفطية في العالم وستنمو هذه الثروة حتى عام 2030، نظراً لتضاؤل المصادر في باقي الأقاليم بنسبة 50 في المائة.
وانتفعت الكثير من الدول العربية، وخاصةً خلال الأعوام الثلاثة الماضية بصورة جيدة بواردات النفط، نظراً لارتفاع أسعار "الذهب الأسود" في السوق العالمية. لكن هذه الدول لا تعتمد إلا على النفط فقط. يفسر خبراء في السوق مصطلح "الدول النفطية " على أنها الدول التي تعتمد اعتمادا كاملا على سوق النفط و لا يعني هذا الدول المصدرة للنفط فحسب بل أيضا يشمل الدول التي تتلقي الكثير من المعونات المالية المرتفعة من قبل الدول النفطية الثرية أو تلك التي تصدّر الأيدي العاملة لها.
وفي خضم كل هذا كيف يمكن أن تنشأ توجهات اقتصادية جديدة؟ من الممكن أن يؤدي الخوف من نضوب مصادر النفط إلى تعزيز هذا الاتجاه ففي دبي مثلاً بدأت الدولة في الاعتماد علي السياحة وأخذت تشتري الموانئ البحرية في أنحاء العالم كافة وتقوم بعمليات تزويد الخدمات الإنتاجية كما تعيش دبي ازدهاراً إنشائياً هائلاً. وتبدو دبي اليوم مثل "سنغافورة في الشرق الأوسط".
ولكن الآمال بأن يصنع هذا المثال خطوات مماثلة في الدول النفطية الأخرى ضعيفة. وحتى عندما يصبح الغرب مستقلاً بنفسه أكثر عن النفط، وتنخفض أسعار النفط، ستبقى الحاجة إلى الطاقة في الهند، والصين كبيرة جداً حتى فترة طويلة.