هل بالإمكان تقنين الرسم الكاريكاتيري؟
ظهرت بعض الكتب الكاريكاتيرية التي تحاول تقنين طريقة رسم الكاريكاتير. واستعرضت هذه الكتب رسم جزئيات وملامح الشخصية الكاريكاتورية بكثير من التفصيل. فقامت برسم أوضاع الفم المختلفة، وأشكال العين والنظارات والحواجب والشعر، والوضعيات التي يجب أن تكون عليها الشخصية عندما تكون ساخطة أو حزينة أو متمردة إلى غير ذلك. والحقيقة أن مثل هذه الكتب قد تكون مفيدة في جوانب، وغير مفيدة في جوانب أخرى- من وجهة نظري - فالاهتمام والعناية بطرق رسم الحالات الإنسانية المختلفة.. كالغضب والفرح والسعادة والحزن الهروب.. إلخ تفيد جداً دارس فن الكاريكاتير وثري مخيلته وتزيد من خبرته الفنية، وتقوي خطوطه. لكن الكلام لا ينطبق على رسم الجزئيات الأخرى التي أراها من صميم إبداع الفنان وتميزه عن غيره من الفنانين، إذ لا يمكن تقنين طرق رسمها أو وضعها في قوالب جاهزة وتقديمها للدارسين. فرسم العينين والشفاه واليدين وبقية الملامح تختلف من فنان إلى آخر. استعرض عزيزي القارئ رسوم الخنيفر ومصطفى حسين وربيع والهلي فستجد أن لكل واحد منهم طريقة مميزة في رسم الأنف والعينين وحتى في رسم الملابس أيضاً. فلو أراد أي واحد من هؤلاء الفنانين تأليف كتاب كاريكاتير فإنه سيدور حول أسلوبه وطريقته! وسيرسم أشكال العين كما اعتاد أن يرسمها في لوحاته.. وقِـس على ذلك بقية أجزاء الرسم. سنخرج في النهاية أنه لا يمكن أبداً قولبة الرسم الساخر، إنما هو تجربة شخصية تنمو مع الشخص، وموهبة تبذر منذ الولادة في أناس دون آخرين. وأن هذه التفاصيل تترسب في مخيلة الفنان من خلال التأمل الطويل والعمل الدائم في إنتاج اللوحات.
إن هناك دائرة تحيط بفنان الكاريكاتير لا يستطيع الخروج عن إطارها. وهذه الدائرة تتمثل في أسلوب الفنان وطريقة رسمه. إذ لا يمكن لخطوط وأسلوب أي فنان أن تتغير إلى أسلوب آخر، إلى طريقة جديدة تختلف تماماً عن الأولى.. مستحيل أن يكون كذلك، إنما تتطور الخطوط وتنضج لكن داخل دائرتها وضمن إطارها. فلا يمكن أن تتحول خطوط الهليل مثلاً إلى الخنيفر أو الوهيبي أو العكس. نرى خطوط الهليل منذ الوهلة الأولى فنعرف صاحبها، ونرى خطوط على فرزات ونعرف صاحبها حتى لو لم يوجد التوقيع. وعلى هذا الأساس نرى المقلدين تنمو موهبتهم معوقة، لا تستطيع الاستناد على نفسها، كما لا تستطيع الفكاك عن طريقة صاحبها الأول. والسبب أن المقلد حصر مخيلته في خطوط ورسوم فنان واحد بعينه، واستمر على هذه الشاكلة . لم يطلق لمخيلته العنان، ولم يترك لخبرته المجال أن تثور على واقعها، وأن تبحث عن الجديد دائماً. إذن نستنتج أنه ليست هناك طريقة معينة في رسم العين.. وليست هناك طريقة معينة في رسم الأنف والشوارب وغيرها. إنما التجربة والمراس والمتابعة الدائمة لكل الأعمال هي الوقود الذي يوقد به الفنان مخيلته حتى تنضج وتستوي فتكون في المستقبل المثال الذي يحتذى والأسلوب المميز في عالم الرسوم الساخرة الشيّق.