المفوضية الأوروبية تسعى إلى جعل منطقة اليورو أقدر تنافسياً
لم تكن المفوضية الأوروبية قاسية إلى درجة كبيرة على الدول الأعضاء عندما طالبتها بالالتزام بخطط لشبونة حول دور الحكومات في رفع معدلات النمو. ويقول جونتر فيرهويجين المفوّض الأوروبي المسئول عن تطبيق أجندة لشبونة أنه كان من المهم أن تقدّم دول الاتحاد الأوروبي الخطوات الواضحة التي ستتبعها الحكومات في رفع هذا المعدل و زيادة فرص العمل. ومع ذلك فلم تسر الأمور على أكمل وجه، حيث كان على مختلف الحكومات أن تمنح دفعة جديدة لعوامل- لشبونة الهادفة إلى تحسين القدرة التنافسية في الاتحاد عن طريق المناقشات الجارية بصورة عامة حول خطط العمل. وقال فوهويجن أنه يبدو أن كثيراً من الأوروبيين لم يكونوا على علم بوجود خطط لشبونة. وإضافةً إلى هذا يبقى ما وضعته الدول من خطط عمل بعيدة عمّا طالبت به المفوضية. ويقول ( فيرهويجين) إننا ما زلنا في بداية الطريق فعندما تغادر السفن الميناء يكون هناك تفاوت في السرعات، فبعضها يسير بسرعة، والأخرى ببطء، ولكن كلها في الاتجاه السليم.
ولا يعني "الاتجاه السليم"، وِفقاً لخطط إعادة الهيكلة الصادرة في عام 2000 عن أجندة لشبونة أكثر من أن تكون منطقة اليورو الأقدر تنافسياً حتى عام 2010 في العالم. وعقب فشل الأجندة خلال الأعوام الأولى، التي لم تعانِ من القصور في القدرة التنافسية فقط، بل في حماية البيئة، والنفقات الاجتماعية أيضاً، تكمن النقاط الرئيسية اليوم في تحقيق المزيد من فرص العمل، والنمو. ويدور الأمر هنا حول نقطتين أساسيتين وفق ما يقول مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية في إشارته إلى: رفع نفقات البحث والتطوير حتى عام 2010 إلى 3 في المائة من حجم الإنتاج الإجمالي الأوروبي، والوصول إلى حصة من التوظيف تبلغ على الأقل 70 في المائة.
ويعود تحمل هذه المسؤولية منذ وزعت خطط إعادة الهيكلة العام الماضي على دول الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن مفتاح نجاح أجندة لشبونة في يد الدول الأعضاء، وليس المفوضية. حيث تزوّد الدول المفوضية الأوروبية بخطة عمل مرة واحدة سنوياً، التي تحدد أهدافها للعام المقبل. وعلى المفوضية أن تُقيّم تلك الخطط. وأوضحت دول الاتحاد الأوروبي أن السياسة الاقتصادية تُعتبر مسؤولية وطنية كما في السابق. ولهذا فإن وصف مشاريع دول الاتحاد الأوروبي على أنها سيئة، أو جيدة من وجهة نظر المفوضية، يُعد في الحقيقة أمراً غير ممكن.
وليس من العجيب، أن تشير المفوضية الأوروبية بحذرٍ شديد في أول دراسة تحليلية للمخططات إلى نقاط الضعف التي على الدول الأعضاء العمل على تحسينها. ومن المبالغة، من وجهة نظر (فيرهويجين) أن يكون الحديث عن اتجاه واحد لسياسة اقتصادية مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي. وتتشبث أغلب الخطط بصورة خاطئة بأسس وقواعد زيادة النمو الاقتصادي، التي يمكن ملاحظتها منذ أعوام سابقة في التحليلات الخاصة، ودراسات المفوضية. لهذا خابت آمال من توقّع مقترحات جديدة. علاوةً على ذلك، تحتفظ معظم خطط عمل الدول بالاهتمامات المطلقة. فلا يكاد يمكن إيجاد خطط واقعية وواضحة في أي من خطط العمل. ولا يمكن طرح سياسة اقتصادية مشتركة لدول الاتحاد الأوروبي، إلا في حالة أكّدت مفوضية الاتحاد الأوروبي على إيجاد قواعد مثالية.
ولكن يصعب تنفيذ هذه الخطط على المستوى المجرّد للأنماط الاقتصادية، والاجتماعية. فقد دلّ استعراض دراسة الخطط إلى أن معظم السلطات تفضّل النمط الشمالي المُتّبع لدى الدول الاسكندينافية، وليس الأنماط السائدة في الدول ( الأنجلو ساكسونية ) المتحررة. مما يشير إلى زيادة حجم معارضة الأجندة ضد توسّع آخر في الحركة التحررية في أوروبا. ولكن بارزو سارع في نفي مثل هذه التفسيرات، وأوضح أنه لا يوجد في الاتحاد الأوروبي نمط مثالي، وذكر مباشرةً ثلاث دول تتبع أنماطاً اقتصادية مختلفة، وأفضل خطط عمل تم تقديمها كانت التي جاءت عن إيرلندا، ولوكسمبورج، وفنلندا. بينما تم توجيه الكثير من الإشارات السلبية فيما يتعلّق بخطط العمل الصادرة عن المجر و إيطاليا و اليونان إلى حدٍ ما.
وعلى الرغم من جميع الإشارات المختلفة فإن تحاليل المفوضية الأوروبية تتبع في الحقيقة تجاه النمط الشمالي إلى حدٍ بعيد، الذي يتميّز بربطه بين أسواق العمل المرنة، وزيادة فرص العمل . ويبرر هذا مدى الالتزام الجوهري برفع ميزانية الأبحاث الوطنية، تلك الصورة المثالية التي تتبناها الدول الاسكندينافية. وتُعد دولتا فنلندا، والسويد هما الدولتان الوحيدتان اللتان يفوق معدل نفقات البحث لديهما على 3 في المائة من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي. ولهذا لاقت خططهما، مثل خطط الدنمارك، تجاوباً إيجابياً. بينما اتخذت المفوضية الأوروبية موقفاً سلبياً تجاه استمرار تلك الدول الثلاث في فتح أسواقها للخدمات الإنتاجية. إلا أن الانتقاد لم يكن موجها إلى ذلك فقط، حيث استغلّت المفوضية الأوروبية الفرصة للإعلان برقة عن مشروعها الرئيسي حول اتجاهات الخدمات الإنتاجية الجدلية.
كذلك طالبت المفوضية الأوروبية من حكومة الاتحاد الألمانية الجديدة برئاسة المستشارة ميركيل زيادة المنافسة في سوق الخدمات الإنتاجية. بالإضافة إلى ملاحظة أن تحاليل خطط العمل الألمانية فشلت نظراً للتشكيل الحكومي المتأخّر. وتُشير المفوضية على وجه الخصوص إلى محاولة خفض معدلات البطالة العمالية بين الشباب، والتشديد على التطوير البيئي، كعامل قوة. ولاقت خطط التخفيف من البيروقراطية، وإلغائها، استحساناً كبيراً لدى المفوضية الأوروبية. وعلى كل حال، فإن تعليق الآمال بأن تتحمل المفوضية خطط إعادة هيكلة زيادة فرص العمل من جديد، يُعد أمراً مبالغاً فيه، نظراً للصعوبات التي واجهتها هذه المبادرات خلال الفترة الماضية. وحسب ما جاء عن تقييم خطة العمل الألمانية، فإن ركود هذه النفقات عند 2.5 في المائة من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي الألماني خلال الأعوام الأخيرة الماضية أدى إلى ظهور مثل هذا الحماس.
ويمكن التنبّؤ بالدوافع القابلة للظهور إلى السطح سريعاً بفعل استخدام خطط العمل الوطنية الأولى بالاعتماد على التحاليل والدراسات، وكذلك يمكن التنبّؤ بمستقبل أجندة لشبونة وحسب ما ورد عن فيرهويجين، فإنه لا يمكن للفرد إعطاء حكم على هذا قبل العام المقبل، وذلك عندما تُصبح الدول أكثر قدرة للتعبير عن خططها، فما على الدول سوى أن تقيس تقدمها مع خطط هذا العام، التي لا تزال حتى الآن خططاً مطلقة وغامضة.