ضريبة إضافية على الشركات الرابحة لصالح مخصصات النفقات الاجتماعية
ضريبة إضافية على الشركات الرابحة لصالح مخصصات النفقات الاجتماعية
يستغل الرؤساء الفرنسيون كلمتهم التي يلقونها في بداية العام الجديد من أجل دراسة المناخ السياسي في بلادهم و يبدون في هذا كمن يتعمد إلقاء جمرات من الحصى في مياه بحيرة لمتابعة ردود الأفعال والدوائر التي تُحدثها قوة رمي الحصاة في الماء.وفي هذا الإطار اقترح الرئيس الفرنسي جاك شيراك تمويل النفقات الاجتماعية من أرباح الشركات وذلك بهدف زيادة فرص العمل في فرنسا. هذه الحصاة الكبيرة التي ألقاها شيراك في فرنسا حركت دوائر الموجات إلى الشواطئ الألمانية حتى إن المستشارة الألمانية ( أنجيلا ميركيل) أعادت طرح هذه الفكرة نفسها ولكن بكلماتها الخاصة. إلا أن المبدأ لا يزال غير واضح المعالم. ومن المفترض الآن أن يبدأ الشركاء الاجتماعيون والخبراء الاقتصاديون، والوزراء المعنيون بهذه المسألة في العمل على هذه الفكرة وفقاً لرغبات شيراك.
ولا تُعد هنا المواجهات أمراً جديداً. حيث تمت دراسة الاقتراح في الثمانينيات تحت رعاية بيير موري رئيس الوزراء الاشتراكي وفي التسعينيات إبان فترة تولي لينيول جوسبان رئاسة الوزراء وكذلك أيام ألان جوبيه رئيس الوزراء منتصف التسعينيات وهو الذي ساند حينها الرئيس شيراك بصورة خاصة. ولكن كل الاقتراحات فشلت واليوم أيضاً تسيطر الشكوك على إمكانية النجاح من جديد، نظراً لفرص التعديل المتاحة. ويقول هنري ستيردنياك اقتصادي في مؤسسة بحث الوضع الاقتصادي الفرنسية، OFCE، في باريس: "حتماً سيقوم أرباب العمل برمي كل هذا على ظهور الموظفين. أنا متأكّد أن هذا سيحدث على أرض الواقع".
وتكمن خلف هذه الفكرة المقترحة دراسة تحليلية تشير إلى أن عوامل المناصب التشغيلية ستصبح أغلى بكثير عن طريق النفقات، والمساهمات الاجتماعية المصوّبة تجاه أرباب العمل، الشيء الذي سيزيد من تعقيد إتاحة فرص العمل الكافية. وبدلاً من هذا، يشجّع شيراك على تركيز عملية التمويل الحاصلة عن طريق ما يُسمى بالنفقات الثابتة للتأمين الصحي مثلاً، أو التحويل العائلي، على قاعدة أوسع، وتفضّل هنا الشركات التي تضم أعدادا كبيرة من الموظفين على وجه الخصوص. ومن المفترض أن يتحقق هذا عن طريق تخفيض الأجور المرتبطة بالنفقات الاجتماعية المفروضة على أرباب العمل، وفي المقابل، لابد من فرض الضريبة على القيم المضافة للشركات. وتعتمد هذه القيم المضافة بصورة جذرية على حجم الأرباح، والفوائد، والإيجارات، والأجور. وعلى هذا النحو، ستشهد الأجور عبئاً إضافياً، إلا أنه أخفّ توجيهاً، وحدةً. ويكمن الفخ هنا في قضية تقصّي الضريبة المضافة من "الشركات الرابحة" بصورة خاصة، بهدف تمويل النفقات والمساهمات الاجتماعية.
ويشتكي أحد الخبراء الاقتصاديين العاملين في رابطة أرباب العمل، ميديف، Medef قائلاً: "ستُعتبر الاستثمارات بالضبط بمثابة الخطط التحديثية ". ومن الممكن أن تبدأ الشركات الرابحة بالارتحال إلى الخارج، بالإضافة إلى أن القدرة التنافسية لمعدلات التصدير ستتعرض للخطر الشديد، الشيء الذي لا يمكن لفرنسا تحمّله الآن، نظراً للعجز في الميزان التجاري المتزايد الذي تواجهه باريس أخيراً، حيث تعاني جاذبية الدولة، كموقع تجاري، من نقص الاستثمارات الأجنبية.
وحسب المعلومات التي وردت عن مؤسسة بحث الوضع الاقتصادي الفرنسية، OECD، فإن إيطاليا هي الدولة الوحيدة من بين الدول الأعضاء التي طبّقت نظام الضريبة المضافة. وترفع سلطات الضريبة فيها منذ عام 1998 معدل الضريبة التي تُسمى بـ "إيراب Irap"، وتخفّض بالمقابل من نفقات المساهمات الاجتماعية على أصحاب العمل، فيما يخص نفقات الصحة العامة على وجه الخصوص. ويقول (كريستوفر هيدي) وهو أحد خبراء مؤسسة بحث الوضع الاقتصادي الفرنسية إن هذه الضريبة لم تحظَ بالشعبية اللازمة بعد. ووعد رئيس الوزراء الإيطالي ( سيلفيو بيرلوسكوني) بتعليق هذه الضريبة، حيث ترفع ضريبة "إراب" العبء المالي على الشركات، نظراً لوجوب فرضها على معدلات الأجور، حتى في حالة واجهت الشركات خسائر بدلاً من تحقيق الأرباح. وإضافةً إلى هذا، فقد أنكرت المحكمة القضائية الأوروبية شرعية هذه الضريبة قائلة إنها لا توافق مع القوانين الخاصة بالضريبة المضافة في الاتحاد الأوروبي.
ويرجع الفضل إلى التيار الاشتراكي في فرنسا الذي كان أول من دعا إلى تطبيق نظام الضريبة المضافة منذ فترة طويلة ولهذا رحّبت أغلبية المجتمعات العمالية بميل شيراك نحو هذا الاتجاه. ويقف في المقابل نواب حزب الحكومة UMP مبدين تحفظاتهم فيما يتعلّق بهذا الأمر، ويرفض رجال الاقتصاد المتحررون، بالتعاون مع أرباب العمل، هذه المبادرة بشدة.
ويُقال إن الحكومة قامت بإعادة هيكلة تنظيمات ضريبة المهن المتدفقة على البلديات، بحيث تخفف من العبء المادي على استثمارات الشركات. إلا أن تهديداً آخر يظهر الآن، يتعلّق بفرض ضريبة جديدة. وتفيد مصادر من مؤسسة بحث الوضع الاقتصادي الفرنسية أن هذا الأمر يحمل في طياته تناقضا .وبالفعل تكون المناشدة بالضريبة المضافة في أوقات البطالة العمالية المنتشرة لتحقيق الحوافز اللازمة لإتاحة المزيد من فرص العمل ضرورية. وعلى كل حال، فإنه من المتوقع، تحقيق ما يزيد على نحو 100 ألف فرصة عمل جديدة خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وتفيد توقعات بحدوث حركة تحفيزية نابضة في دائرة الطلب الداخلي، بحيث يتعادل هذا مع الاستثمارات.
ويرى اقتصاديون أنه من المنطقي أن يتم ربط النفقات الاشتراكية المفروضة على أرباب العمل فيما يخص قطاعي الصحة، والتحويل العائلي مع الأجور. ويُقدّر الخبراء أن تبلغ هذه القيمة ما يعادل نحو 80 مليار يورو. ومن المفترض أن تبقى مستحقات الأجور التقاعدية، وتأمين العاطلين عن العمل على قسيمة الرواتب، لكي يحظى العاملون بنمط تأميني أكثر متانة، وليتماثل مع الدخول الإجمالية المؤجّلة وقتياً.
وتخشى رابطة رجال الأعمال الفرنسية " ميديف" أن يحدث انحراف شكلي في العبء الضريبي للشركات، وبالأخص، زيادة العبء على القطاعات المكثّفة رأسمالياً، مثل شركات تصنيع النفط، والمواد الكيميائية، وشركات الاتصالات. إلا أنه من الممكن أن تجني قطاعات الخدمات الإنتاجية، المكثّفة وظيفياً ومنها قطاع الإنشاءات، المزيد من الأرباح. وتقول لاورنس باريسوت ممثلة رابطة أصحاب العمل في فرنسا إن شيراك يحاول أن يجعل من النداء إلى فرض تنظيم الضريبة المضافة أمراً بسيطاً جداً.
وتأمل العديد من الشركات أن تتجاوز هذا الاقتراح الصعب. وتثور أقاويل في دوائر وزارة المالية الفرنسية إن الضريبة المضافة والتي عرف في فرنسا باسم ""TVA وتعني value-added tax هي أحد المعايير القياسية التي يتم إضافتها إلى الدراسة والبحث. ويتوقع أن تصيب هذه الزيادة محل الجدل على الضريبة المضافة الاستهلاك وهو ما يحدث أيضا في ألمانيا. وكالعادة ينشغل المرء في فرنسا بالتفكير في كيفية تحقيق الدخل وليس في حجم النفقات. ولكن عندما تنوي الدولة، والصناديق الاشتراكية في زيادة حجم التوفير، على الحكومة ألا تبحث عن المزيد من مصادر الدخل الإجمالي.