تعديلات روسية لتسهيل دخول المستثمرين لتطوير قطاعي النفط والغاز
من المتوقع أن تمنح أسعار النفط الخام في السوق الدولية روسيا عاماً اقتصادياً آخر يتميز بالرخاء. وقال ( أليكسي كودرين) وزير المالية الروسي إن نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي ستبلغ نحو 5.8 في المائة خلال العام الجاري، وكانت هذه النسبة قد وصلت عام 2005 إلى 6.4 في المائة. ولكن يبدو أن أكثر ما يؤرق وزير المالية هو كيفية تدوير الأموال التي تحصل عليها الدولة من الضرائب و من خلال الأرباح الحكومية من شركات النفط - كيفية تدويرها في السوق لمنع ارتفاع معدلات التضخم في روسيا. و بلغ الدخل الحكومي الإجمالي من الضرائب خلال العام الماضي في الفترة ما بين شهر كانون الثاني (يناير) و شهر تشرين الثاني (نوفمبر) نحو 72 مليار يورو مسجلا زيادة قدرها نحو 40 في المائة عن العام الذي سبقه. وحققت الضرائب على الثروات المعدنية الطبيعية نحو 31.7 من القيمة المذكورة وهي ثاني أكبر مصدر للدخل العام بعد خصم قيمة الضريبة المضافة. ويُضاف إلى ذلك نحو 40 مليار يورو من الإيرادات الإضافية بفعل تطوّر الأسعار المتعلّقة ببعض مهام الشركات النفطية، وتُدار هذه الإيرادات ضمن صناديق الموازنة الحكومية.
ومن أبرز أهداف هذه المنهجية بناء صناديق الاحتياط، وضبط معدل التضخم. ورغم ذلك، فلم تتمكن حكومة روسيا من ضبط معدل التضخم الذي بلغ 8.5 في المائة. وبلغ معدل التضخم مع نهاية العام 11 في المائة. ومن أبرز القطاعات التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، قطاع الخدمات الإنتاجية، الذي يشير إلى أن ارتفاع الأسعار في معدلاته بلغ حتى منتصف العام نحو 17.4 في المائة، وكذلك قطاع المواد الغذائية. ولم تساعد مطالبة الحكومة الإلزامية من شركات تزويد الوقود التي جاءت متأخرة، من الحفاظ على ثبات الأسعار ضمن فترة زمنية محدودة. والآن يحاول البعض على الأقل الحفاظ على التضخم عند مستوى معدلات العام الماضي.
ومن المتوقع أأأن يستمر ارتفاع الدخل الحكومي بسبب انتعاش أسواق النفط خلال العام الجاري غير أن العائدات لن تكون بمثل وفرة العام الماضي. فهناك مخاوف أن يتقلص سعر خام نفط (الأورال) الروسي العام الجاري إلى 40 دولارا فقط للبرميل (139 لترا) بعد أن كان قد وصل إلى 50 دولارا منتصف عام 2005 (بزيادة قدرها 16 دولارا للبرميل عن العام الذي سبقه). وهناك مخاوف ألا تتمكن زيادة معدلات التصدير من معادلة الانخفاض المتوقع في الأسعار فإذا كانت كميات النفط و الغاز المستخرجة بكثافة خلال عام 2005 قد زادت بنحو 2.5 في المائة (470 مليون طن) ، فإن الحكومة الروسية تخشى أن يؤدي هذا إلى تقلص نسبة القدرة على رفع مستوى الإنتاج العام الحالي إلى درجة الصفر.
وتسببت مغريات أسعار السوق في تحقيق زيادة هائلة في كميات التصدير ارتفعت عام 2004 بنحو 30.6 في المائة و في عام 2005 بنحو 42.1 في المائة - وتسبب هذا في تراجع القدرة على تحفيز الإنتاج . وتراجع معدل النمو في حجم التصدير الروسي للنفط: من 10.3 في المائة عام 2004، إلى 3.4 في المائة عام 2005. وبرر بعض المحللين الاقتصاديين سبب هذا التراجع بـ "النهضة الرأسمالية"، التي عملت منذ شهر آب (أغسطس) من عام 2004 بانطلاق ضرائب تصدير النفط الخام كالصاروخ، بينما حقق تصدير منتجات النفط المعالج أرباحاً ضريبية هائلة. وبدت مبيعات وترويج النفط الخام في السوق الداخلية، والمعالج في السوق الخارجية بعد خُطط بناء المصافي النفطية في كونيجبيرج، وناكودوكا على سواحل المحيط الهادئ، وفي بوسكو، وبريمورسك على الخليج الفنلندي، أكثر جاذبية من تصدير النفط الخام، رغم الضغوط السياسية للحفاظ على ثبات أسعار الوقود.
وتستلزم صناعة الوقود أن تحظى بتخفيض ضريبي على التصدير، لتضمن الوسيلة النقدية المغذيّة لمشاريع تطوير واستثمار الحقول النفطية في سيبيريا الشرقية، وعملية التصدير بالأخص. ومن المتوقّع أن يصدر قرار في هذا الخصوص في الربيع المقبل من هذا العام. وردت الحكومة مباشرةً على تراجع تطوّر الأسعار في السوق الدولية من خلال الإعلان عن خفض ضرائب تصدير النفط الخام منذ الأول من شباط (فبراير) الحالي نحو 20 دولارا لكل طن ليصل إلى 160.80 دولار، وخفض ضريبة تصدير البنزين نحو 13 دولار لكل طن ليصبح 120.70 دولار. وكانت الحكومة قد أعلنت مباشرةً قبل عام واحد، بأنها ستقدّم خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة من 105 إلى 135 مليار دولار لمشاريع التطوير والاستثمار في مجالات النفط و الغاز، وتتمركز هذه المشاريع على وجه الخصوص في مناطق الشرق الأقصى في روسيا، وفي الشمال، وتشير التقديرات إلى أنه سيصل حجم الإنتاج هناك حتى عام 2020 نحو 95 مليون طن من النفط الخام، و320 مليار متر مكعب من الغاز.
وأعلنت وزارة المواد الخام الروسية في الوقت نفسه عن رفع رسوم رخصة التطوير و الاستثمار في حقول النفط و الغاز في مناطق سيبيريا الشرقية، حيث من المفترض أن يصل حجم الإنتاج إلى 24 مليون طن من النفط الخام، و3.3 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. ولا يمكن التفكير بأيٍ من هذا دون إقرار تشريع جديد متوقع خاص بمصادر النفط تترقبه بشدة أوساط قطاع الصناعات النفطية . فحتى الآن لا توجد قوانين واضحة حول دخول مستثمرين أجانب في مجالات التطوير والاستثمار في مشاريع المواد الخام الروسية. ولكن بلا شك ستكون هناك حاجة إلى الرأسمال الخارجي، لتتمكن روسيا من دعم الإنتاج النفطي و الغاز لديها.
وتستدعي الحاجة إشراك مستثمرين أجانب للرفع من مستوى المهن الصناعية والمساهمة في تحديثها. ويشير محرك النمو الاقتصادي اليوم إلى حركة متباطئة وملحوظة، حيث يصل حجم تراجع معدلات محرك النمو الاقتصادي نحو نقطة في المائة ما بين عام 2003 (7.5 في المائة)، وعام 2005 (6.4 في المائة) وذلك نظراً للتراجع في نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وتشير التوقعات خلال العام الجاري إلى معدل نمو يصل حتى 5.8 في المائة، وهذا يعتمد أكثر و أكثر على ارتفاع حجم الطلب الداخلي، وارتفاع معدل الدخل الإجمالي، حيث سجّل العام الماضي بالمعدل نحو 10 في المائة.
ويُعتبر تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة محدوداً قياساً مع حجم و قوة روسيا. و تشير تقديرات صحيفة (فرانكفورتر ألجماينة) أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغ في شهر حزيران (يونيو) عام 2005 نحو 4.5 مليار دولار. و سجلت مؤسسة الإحصاءات الروسية (روس ستات، Ros-Stat) تراجعا في حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وحتى أيلول (سبتمبر) من عام2005 بنسبة بلغت نحو 8 في المائة وهي نسبة أقل من الفترة الزمنية نفسها خلال العام السابق. ولكن هذه المعدلات تشير بالأخص إلى الاستثمارات في قطاعات سندات الأوراق التجارية بصورة عامة، بينما ارتفع حجم الاستثمارات المباشرة في قطاعات الصناعة في الفترة الزمنية نفسها بنحو 18.1 في المائة حسب ما أوردته تقديرات صحيفة "ويدوموستي "Wedomosti الاقتصادية الروسية.
وإضافةً إلى هذا، كان من المتوقّع أن يصل حجم تصدير الرأسمال بالاعتماد على تهريب رأس المال غير القانوني، في النصف الأول من عام 2005 نحو 5.6 مليار دولار فقط والذي بلغ في النصف الأول من عام 2004 نحو 10.4 مليار دولار، نظراً لتدفق الأموال من شركات السواحل عام 2005. وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قبرص، وهي موطن العديد من الشركات الروسية الساحلية، خلال حزيران (يونيو) من العام الماضي، نحو 31.4 في المائة، محتلة المركز الأول في هذه القائمة مقابل هولندا التي بلغت حصتها نحو 26.5 في المائة.
وبلغت هذه الحصةّ من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية نحو 10.3 في المائة، ومن ألمانيا نحو 6.1 في المائة. حيث سجّلت حصة ألمانيا مع نهاية عام 2004 أكثر من 420 مليون يورو، التي من المقدّر أن ترتفع بسبب المساهمة في تكاليف بناء خط أنابيب في بحر الشمال أضف إلى هذا وجود العديد من الاستثمارات الكبرى الأخرى مثل خطط بناء مصنع سيارات (فولكس فاجن) في موسكو وكذلك مساهمة شركة (سيمينز) في شركة (سيلوي ماشيني، Silowyje Maschiny) الروسية المصنّعة للمحركات التوربينية في مدينة سان بطرسبيرج وارتفع حجم الاستثمارات الروسية ضمن صناديق الموجودات الخاصة بهذه الشركة خلال العام الماضي لتصل إلى 10 في المائة.
ويرى (فاليري بيترو) الخبير الاقتصادي الروسي في بورصة موسكو للأوراق المالية أن الوضع الاقتصادي الإجمالي في روسيا اهتزّ عقب القرارات الحكومية الاقتصادية ضد مجموعة شركات يوكوس الروسية مما أدى إلى تراجع معدل الإحساس بالأمان لدى رجال الأعمال والمستثمرين كافة وحدوث خوف للمستثمرين الأجانب، مما قد يؤخّر عودة ثقة المستثمرين داخل روسيا من جديد. ويظهر حجم نمو الاستثمارات الروسية في قطاعات الموجودات للشركات، الذي بلغ العام الماضي نحو 10 في المائة أن الأمور تسير في هذا الاتجاه. ولا يمكن القول إن الثقة الجديدة بقوة الأوضاع الاقتصادية للدولة الروسية تشير إلى تحسّن بعيد حتى الآن، حيث اتجهت الشركات إلى تشكيل التكتلات في البورصات الروسية، لتحسّن من المحيط الرأسمالي الخاص بها. ويفضّل المرء دوماً تجنّب انكشاف هيكلة الشركات، والعلاقات المالية الخاصة بها، وخاصةً الشركات التي لم تتمكن بعد من إثبات نفسها في الأسواق المالية والبورصات. وليس من المستغرب أن تتمكن الشركات الروسية خلال العامين الماضيين من تسجيل أسهم بقيمة 4.7 مليار دولار في البورصات الأجنبية، وخاصةً في بورصات الحي المالي في لندن. وفي المقابل بلغت قيمة الأسهم داخل الأسواق المالية المحلية نحو 622 مليون دولار.
من ناحية أخرى فرض النزاع على الغاز مع أوكرانيا ظلالا من الشكوك حول استقرار الأوضاع الاقتصادية في روسيا . ويرى أحد الساسة أن ثقة الحلفاء الألمان قد اهتزت في موسكو. وبعد رحيل شرويدر عن منصب المستشارية في ألمانيا دارت أفكار حول كيفية التخفيف من الاعتماد على الغاز الروسي، وتحقيق المزيد من الأمن عن طريق شركات تزويد الغاز الطبيعي الخاصة وغيرها من الشركات العالمية. بينما يرد الكثير من الأمور على ذهن الروس بطريقة مختلفة، من حيث ترتيب الأولويات وهل هي في الوصول إلى انتعاش اقتصادي حقيقي أم السعي إلى تحقيق حجم اقتصادي بالغ الضخامة.