المزاح في مكان العمل لا إفراط ولا تفريط

المزاح في مكان العمل لا إفراط ولا تفريط

بينما كنت في طريقي إلى مكتبي قبل أيام دخلت مكتب أحد زملائي فجأة، وتناولت بضع أوراق من على مكتبه ودبستها على أوراق نبتة بجوار مقعده، وخربشت عبارة "أنا أحب باسكال لامي" على نسخته من مجلة "إنسايد تريد" Inside Trade، وبدأت بكتابة رسالة إلكترونية مهينة يستحقها على جهاز كمبيوتره الشخصي. ولكن عندما كنت على وشك أن اضغط على كلمة "أرسل" حدث شيء غريب: إذ تساءلت إن كان سلوكي هذا يعتبر مناسباً تماماً.
وأنا أقول "غريب" لأنني كنت أتصرف منذ سنين على هذا النحو الذي يخالف تماماً نهج كتاب "فاينانشال تايمز". ولكن الأمر الذي كان يشغل فكري حينئذ هو اللقاء مع أحد أصدقائي القدامى، حول مزاح كارثي لعبته أيام الدراسة وإن كنت أعتبره من وجهة نظري مضحكاً، الذي قال عني: "يا الهي! كنتَ في غاية الحمق في تلك الأيام." وباعتبار أنني كنت أجد نفسي مسلياً بشكل لا يصدق، فإنني أخذت على حين غرة بتعليقه هذا ورحت أتساءل بيني وبين نفسي فيما إذا كان ولعي بالمزاح المكتبي على الدرجة نفسها من الحمق.
ورحت أنقب قصاصات الصحف بحثاً عن النصيحة. ولم أجد الكثير مما يقوي عزيمتي، وكل ما رأيته هو حكايات تحذيرية: فهناك مقال حول حارس أمن في الولايات المتحدة توفي من جراء نوبة قلبية بعد تعرضه "للاختطاف" على يد زملائه، ومقال عن نكتة أدت إلى وفاة أحد الموظفين أثناء حفلة في مكاتب شركة ميريل لينش في نيوزيلندا عندما احترقت تنورته المصنوعة من الحشائش أثناء استخدامه الحمام.
وفي أثناء ذلك، فإن النزر اليسير من النصائح الموجودة تحدثت أكثر ما تحدثت عن موضوع المزاح في المكاتب وكانت بشكل عام ضدها. والأشخاص الذين يصرون على المزاح في أماكن العمل، على حد قول معلق في إحدى الصحف الأمريكية، يعرفون بأنهم "سطحيون يعتمرون غطاء يحد من حساسيتهم للذوق". ويقول كاتب آخر إن معظم الأشخاص الذين يكثرون من المزاح في المكاتب "عدوانيون ويغلب عليهم أنهم وسيلة محتملة لغرس بيئة سلبية في العمل".
ولكن في نهاية المطاف، بعد أن عدت أدراجي إلى تواريخ قديمة، وجدت مقالاً يعطي نوعاً من الدليل الباهت الذي يبعث على الطمأنينة: إذ أشارت بعض الأبحاث التي نشرت في مجلة أكاديمية الإدارة الأمريكية Journal of the American Academy of Management في عام 1999 إلى أن: "روح المرح تعزز الأداء الفردي والجماعي"، وإن رافق هذه النتيجة تحذير من أن "أثر روح المرح يعتمد على من يستخدمه- فالقادة المعنيون بتحقيق الأهداف يستخدمون المرح لتحقيق آثار إيجابية، في حين أن الرؤساء المتساهلين يمكن أن يحدثوا الضرر عند محاولتهم إظهار روح المرح".
وكما هي العادة مع الأكاديميين، فإنها طريقة طويلة لقول أمر بسيط وهو أن: المرح في المكاتب أمر يبعث على التسلية، ولكنه غريب. ومن المستحيل إطلاق تعميمات بشأنه، بالطريقة نفسها التي يستحيل بها تفسير السبب الذي يجعل شخصاً يصاب بالجنون إذا وضعت دباسته في حلوى الجلي، في حين ينظر آخرون إلى الشيء نفسه على أنه أمر مسل مثل قراءة صحيفة "وول ستريت جورنال". وباختصار، فإن القيام بمقلب ناجح في مكان العمل أصعب من إرسال إنسان إلى الفضاء.
وبطبيعة الحال فإن أكثر الأشياء أماناً والتي يمكن أن تفعلها هو ألاّ تكون سخيفاً على الإطلاق. ولكن، حسب وجهة نظري، فإن كون المرء سخيفاً هو من الأشياء التي تجعل حياة العمل محتملة. بل وأزيد على ذلك فأقول إن المسألة المتعلقة بالمزاح من عدمه تثير واحدة من أعمق المعضلات في حياة الشركات، وهي معضلة تواجهنا في أول يوم عمل لديها: فما هو مبلغ جرأتنا في أن نكون متميزين فردياً في وجه الضغط بالذوبان ضمن المجموعة؟
وبعد قدر من التأمل توصلت إلى أن المزاح أمر طيب. ولكن قبل أن تلصق زر هاتف صديقك ليواصل الرنين بعد رفع السماعة، أو تترك رسالة للرئيس ليتصل بالسيد ليون وتضع بجانب اسمه رقم حديقة الحيوانات، فمن المستحسن أن تذكر نفسك بعدد من الحقائق الأساسية حول المزاح وخفة الدم في أماكن العمل.
(1) نادراً ما يكون الناس في خفة الدم التي يظنونها في أنفسهم.
(2) الكوميديا ذاتية وقاسية. فليست هناك نكتة تروق للجميع، وتكاد تكون لكل نكتة ضحية. وقبل أن تسير قدماً في النكتة ينبغي أن تسأل نفسك: هل يستطيع هذا الشخص الذي سيكون ضحيتي تحمل النكتة؟
(3) أهم عنصر في الكوميديا هو التوقيت. فالشيء الذي ربما يجده الشخص موضوع النكتة مسلياً حين لا يكون أمامه عمل كثير، ربما لا يعتبره مسلياً حين يكون عليه إتمام عمل في موعد محدد. من جانب آخر، إذا كان معدل مزاحك أكثر من معدل ذهابك إلى الحمام، فهذه مشكلة، لأنك ستعتبر مصدر إزعاج.
(4) إن أداء نكتة عملية يمكن أن يؤثر في الشركة بأكملها أو على دائرة كبيرة بداخلها، ليست فكرة جيدة بأية حال من الأحوال. فكل إنسان لديه حس بالمرح يختلف عن غيره. وعندما ينظر عدد كبير من الأشخاص إلى ما قمت به فإن من المؤكد أنك ستوصم بالحمق. لا تكن شمولياً.
(5) تذكر جنسية الأشخاص المستهدفين بالنكتة. فعلى حسب معلوماتي فإن اليابانيين يفضلون الأعمال المضحكة البصرية، مثل الشعر المستعار وما إلى ذلك، في حين أن الألمان، حسب الظاهر، نادراً ما يعتبرون المزاح في العمل أمراً مناسباً.
(6) تذكر مهنتك. ففي الطب فإن أي شيء أقل من وجود يد بشرية مقطوعة في درج زميل آخر لا يعتبر أمراً مسلياً، في حين أنه في عالم المحامين فإن أي أمر لا يرقى إلى إخماد الشكاوى الصاخبة ينظر إليه على أنه أمر مثير للغضب.
ولكن هناك تصوران لا ينطبق عليهما ما ذكرت من تحفظات سابقة. الأول حين يكون هدفك شخصاً درس في مدرسة حكومية إنجليزية. فإذا علمنا أن قسماً لا يستهان به من تعليمهم يتضمن تعرضهم للتوبيخ من خلال نكات ساخرة، فإنه يكاد يكون من المقبول دوماً أن تمازحهم. فهم يستطيعون تحمله. والحقيقة أن بعضهم لا يستطيع التواصل إلا من خلال المزاح.
وهنالك بعد ذلك الموقف الذي تجد نفسك فيه موضوع المزاح. فإذا خربش شخص ما رموزاً فاضحة على نسختك من مجلة "هيت" Heat، وأرسل رسالة إلى رئيسك من خلال كمبيوترك الشخصي، متطوعاً فيها بالقيام بعمل لم يخطر على بالك القيام به، فأقول إنه لا حرج عليك أبداً من رد انتقامي. على الأقل هذا السبب الذي من أجله ضغطت على كلمة "أرسل" في النهاية دون أي إحساس بالذنب على الإطلاق.

الأكثر قراءة