موجة استقالات وتوظيف بالجملة في شركات الجبيل الصناعية

موجة استقالات وتوظيف بالجملة في شركات الجبيل الصناعية

تشهد الجبيل الصناعية حركة صناعية كبيرة، مع إعلان الهيئة الملكية للجبيل وينبع عن مضاعفة الاستثمارات إلى ما يوازي ما هو قائم حاليا في مدينة الجبيل الصناعية الذي سينعكس إيجابا نحو توفير مزيد من الفرص الوظيفية للسعوديين.
وبدأت المؤشرات تتضح بعد الإعلان عن أربعة مشاريع جديدة وبرؤوس أموال كبيرة تجاوز بعضها ملياري ريال، ما جعل هذه المشاريع هدفا للموظفين العاملين في الشركات الأخرى في الجبيل، وهو ما أثار قضية غاية في السخونة وهي تخوف الشركات القائمة حاليا من استمرار تسرب موظفيها الى الشركات الجديدة."الاقتصادية" استطلعت هذا الأمر والتقت ببعض المسؤولين من أطراف مختلفة بغية الوقوف على أسباب ودوافع التسرب الوظيفي من الشركات القائمة.

الشرارة الأولى

بدأت شركة شيفرون السعودية للبتروكيماويات لتشعل أول شرارة من الغضب لدى المسؤولين في شركات الجبيل الصناعية، حيث استطاعت الشركة أن تجذب نسبة كبيرة من الموظفين فيها حاليا من الجهات المختلفة في الجبيل، مما أثر على تلك الجهات في تقلص أعداد الموظفين فيها، خاصة أن بعضهم يحملون خبرة عالية، وكانت معظم الشركات القائمة تتوقع أن هذا الأمر عابر ولم تعره اهتماما، ولا سيما أن بعض الشركات القائمة كانت قد بدأت الترشيد في الوظائف ووجدتها فرصة لذهاب بعض الموظفين إلا أن هذه النظرية خاطئة، بعد أن أحست الشركات والمسؤولين فيها بخطورة الموقف بعد التثبت من انتقال الموظفين المتسربين إلى الشركات الجديدة.
استمرار التسرب

ولم تكن "شيفرون" هي نهاية المطاف، بل كانت هي البداية، واستمرت بشكل أكبر حيث ظهرت شركات أخرى تحت الإنشاء ومنها شركة التصنيع الوطنية وباستثمار ضخم يصل إلى نحو ملياري ريال، ولم تمض فترة على الإعلان عن تأسيس الشركة إلا وبدأت حركة كبيرة بين موظفي الشركات الأخرى للحصول وبشكل سري فيما بينهم على معلومات عن هذه الشركة الجديدة، وبدأ البعض يطرق أبواب الشركة بغية الفوز بوظيفة أفضل مما هم عليه في الشركات القائمة، قبل أن تعلن عن استقبال الطلبات، وبعد الإعلان عن استقبال الطلبات كان حجم التقدم هائلاً من المهندسين السعوديين ذوي الخبرة الذين يعملون في جهات في الجبيل.
ويشير المهتمون عن التوظيف في إحدى الشركات إلى أنهم عندما بدأوا استقبال الطلبات وفرزها ووجدوا أن نسبة من المتقدمين من الموظفين ذوي الخبرة الذين يبحثون عنهم من ضمنهم، وهم مفضلون لدى معظم الشركات كونهم لا يحتاجون إلى تدريب، الذي عادة ما يكلف الشركات الكثير، وأكدوا أن الموظف صاحب الخبرة هو الذي تبحث عنه أي منشأة جديدة لضمان موظف متدرب يعطي بفاعليه.

محاولات إيقاف التسرب
وفي الشركات والجهات القائمة لم يكن قد تم استخدام أكثر الطرق لوقف التسرب الوظيفي بعد أن أصبح الخطر يدق أجراسه وتبين ان هناك محاولات عدة لموظفين للهروب إلى الشركات الجديدة ولم تفلح مساعي إيقاف هذا المسلسل، لأن عدد الوظائف المطلوب شغلها بسعوديين كان محدودا، ومع هذا كرر موظفو الشركات المحاولة في شركات جديدة أخرى ونجحوا لأنهم جاهزون. وبدأت الشركات بعد ذلك تتيقن أنها أمام مشكلة ولا بد أن تعمل شيئا من أجل الحد من هذه الظاهرة، حيث لجأت، حسب إفادة بعض الموظفين، إلى محاولة تشويه صورة الموظف الذي يرغب في الانتقال إلى الشركات الجيدة، وذلك من خلال الاتصال بتلك الشركات وإبلاغها أن الموظف الفلاني الذي يريد الانتقال إليهم ليس في المستوى وأنه صاحب مشاكل وغير منتظم.

مستقبل غامض
ويؤكد البعض من الموظفين، ومنهم طارق القناص الذي يعمل في شركة مرافق، أن هناك استقالات وبشكل متوال حدثت في أكثر من شركة في الجبيل، والمستقيلون لهم وزنهم في مواقعهم وهم من حملة شهادات الهندسة وغيرهم من موظفي التشغيل ذوي الخبرة والكفاءة العالية، ما جعل شركتهم تقع في موقف حرج، وأن إدارات الشركات شكلت لجاناً لمعرفة أسباب الاستقالات المتكررة، بعد تخوفها من زيادة خسائرها من الموارد البشرية الخبيرة.

أسباب المشكلة
وهنا يقول حسين راشد غصنة من موظفي شركة "ساسرف" إنهم لم يحصلوا على أي تجاوب أو أي مناقشة من المعترضين على انتقال الموظفين إلى شركات جديدة، ويؤيد رأي غصنة عدد كبير من سعوديين التقتهم "الاقتصادية عند مدخل إحدى الشركات الجديدة وهم ينتظرون دورهم في المقابلات الشخصية.
ولم يكن هناك اختلاف في الإجابات بل كانت واحدة، حيث أكدوا جميعا أنهم يشعرون بالإحباط في شركاتهم وأنهم يعملون ليلا ونهارا وعند التقدير يجدون أنهم أقل من غيرهم ممن تربطهم مصالح شخصية مع المشرفين ومديري الإدارات أو لسوء إداري من المسؤولين وعدم فهم أكثرهم للعمل، إضافة إلى عدم تأمين المتطلبات الاجتماعية التي تهم الموظفين، وهذا يرون أنه محبط معنويا لهم، بالرغم من أنهم قضوا سنوات في شركاتهم، لكنهم لم يروا من الأوضاع الإدارية شيئا يؤكد تحسن الحال، وأن الأوضاع في شركاتهم تسير من السيئ إلى الأسوأ، وليس أمامهم سوى البحث عن شركات جديده قد تؤمن لهم المستقبل ويحصلون على الحوافز التي يبحثون عنها.

التهيئة النفسية
وفي هذا الجانب يؤكد صالح النزهة رئيس شركة التصينع الوطنية الذي كان قد تحدث عن تسرب الموظفين في برنامج تلفزيوني سابقا، أن الشركات الجديدة من حقها أن تحصل على الموظف المناسب صاحب الخبرة، موضحا أن أي شركة جديدة تحتاج إلى عدد من الموظفين عند بدايتها، والمتعارف عليه أن يأتي اليك أعداد كبيرة من الموظفين وتختار منهم الأفضل. وأضاف أن موضوع تسرب الموظفين وخطفهم من شركاتهم مقولة غير مناسبة، لأن الموظف هو صاحب القرار ولم يذهب أحد إلى مقر عمله لإجباره على ترك جهة عمله.
من جهته قال المهندس رياض السعد رئيس شركة "الفورمالدهايد" في الجبيل إن البحث عن الفرص المتاحة حق للجميع فإما أن يعطى الموظف حوافز تبقيه في العمل وإما سيذهب لمن هو أصلح وأنفع. وقال السعد إن الوضع ينطبق كذلك على كبار الموظفين فيمكن أن يتسربوا إلى شركات تقدم حوافز وامتيازات أفضل، ولكن لكي لا يحدث ذلك يمكن وضع خطط استراتيجية للعمل الإداري الناجح، لأنه ما دام قد هيئ للموظف الجو المناسب والراحة النفسية فإنه لن يترك جهة عمله مهما كانت المغريات حتى وإن كان هناك فرق في الراتب فإن الموظف سيفضل البقاء في الجو النفسي الجيد والروح المعنوية المرتفعة وحب الفريق الواحد بدلا من الانتقال إلى جهه قد تكون غامضة في تعاملاتها، مشيرا إلى أن شركته جهزت كل ما يمكن أن يساعد على راحة موظفيها وهيأت الجو المناسب عمليا واجتماعيا لهم.

مرونة وتطوير
ويقول المهندس ماجد بن عبد الله الأحمدي رئيس شركة كيان للبتروكيماويات وإحدى أكثر الشركات التي أثارت جدلا بجلب العديد من موظفي الشركات في الجبيل للعمل لديها، إنه من حق أي شركة جديدة البحث عن الموظفين الذين يحملون المؤهلات والخبرات العالية كونها تريد أن تضمن إدارة عملها وفقا لخبراتهم وهذا ما تبحث عنه الشركات. وأضاف أنهم يقدمون فرصا وظيفية جيدة ويرحبون بمن يتقدم سواء عن طريق التفاوض المباشر أو عن طريق التقديم للوظائف عن طريق الإعلان، موجها سؤالا لمن ينتقدهم: لماذا تقدم الموظفون إليهم أولا؟ موضحا أن الموظفين لو كانوا مهيئين معنويا لما تقدموا إليهم.
وفي المقابل فإن هذه القضية تمت مناقشتها بأسلوب ساخن في أحد الاجتماعات الدورية لمديري الموارد البشرية والتوظيف في المدينة، وكانت قضية تسرب الموظفين إلى شركات مختلفة هي الموضوع الأبرز في الاجتماع، خاصة أن بعض حضور الاجتماع طرح فكرة وجود اتفاق بين الشركات بهدف وضع حل جذري لتسرب الموظفين وعدم قبولهم بحجة أن الشركة التي يعمل فيها الموظف أنفقت عليه الكثير، في حين رأي البعض الآخر أن هذا الرأي لا يمكن تطبيقه وليس هناك أي عرف يؤكد ذلك وأن البحث عن المزايا والحوافز والمستقبل الأفضل هو حق مكتسب لكل موظف وأن على الطرف المعارض أن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى تفكير الموظف في البحث عن وظيفة وفرصة أخرى في جهة ثانية.

لماذا التفريط في الموظفين
ويرى محمد بن عبد الله الغامدي مشرف برنامج الأمير محمد بن فهد للتوظيف في الجبيل، أن الأمر يحتاج إلى وقفة شجاعة من قبل الشركات المتضررة لأن الأمر باختصار يعني أن هناك قصورا أو سوء معاملة للموظف الذي يبحث عن الانتقال، مبينا أنه لا يوجد شخص عاقل يمكن أن يفرط في وظيفته في مكان ما وهو مرتاح ومهيأ نفسيا لأن الانتقال يكون ناتجا عن ضغوط نفسية يجد معها الموظف أنه غير قادر على تجاوزها، وللأسف تكون هذه العوائق من قبل بعض المسؤولين غير القادرين عمليا على تهيئة الجو المناسب للموظف.
ووفقا لمسؤول في إحدى الشركات التي خسرت بعض موظفيها فإن الوضع بالفعل بحاجة إلى وضع استراتيجية في تلك الشركات واجتماعات للمسؤولين في الموارد البشرية بشكل دوري لتحديد الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، لأنها بالفعل أصبحت ظاهرة.
يشار إلى أن تقرير الإحصاء السكاني لمدينة الجبيل الصناعية الذي أصدرته الهيئة الملكية في الجبيل عن بيانات القوى العاملة، أوضح أن عدد العاملين في مدينة الجبيل الصناعية حتى عام 2004 بلغ نحو 76 ألف عامل منهم 23.6 عامل سعودي. ويعمل معظم العمال في القطاعات الاقتصادية التي تشمل الصناعات الأساسية، ومقاولي الصناعات الأساسية، والصناعات الثانوية، والصناعات الخفيفة والمساندة، والقطاع الحكومي.

الأكثر قراءة