الهند والصين فرسا الرهان في الاقتصاد الآسيوي
تشارك الهند في فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بوفد كبير يتجاوز عدده مائة شخصية سياسية واقتصادية وتجارية من بينهم ما لا يقل عن 24 مديرا إضافة إلي طهاه (تاج) الشهير.وفي مقابل هذا التواجد الهندي الكثيف لا تشارك الصين إلا بوفد لا يضم إلا 24 شخصية فقط ورغم هذا فإن الصين اجتذبت كل الأنظار بعد أن أعلنت بكين بيانات أدائها الاقتصادي خلال العام الماضي. هذه الصورة التي نراها في منتدى دافوس تعكس إلى كبير صورة الوضع بين هذين القطبين الآسيويين في الوضع الاقتصادي العالمي، فالهند التي تبدو أكثر انفتاحا – ولو بمقدار طفيف - لا يبدو أنها قادرة على تحقيق ما حققته الصين من إنجازات اقتصادية، أو بكلمات أخرى وحسبما تناقلته الألسن في منتدى دافوس فإن الهند تتيح لمواطنيها حرية الكلام بينما تفضل الصين أن تتحدث لغة المعدلات والأرقام نيابة عنها.
ويلفت هذا النمو الملحوظ الذي حققته الدولتان الآسيويتان الكبيرتان –أنظار كل المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي. وتحرص الصين ومنذ 22 عاما على استضافة "قمة الصين التجارية"، التي تقام مع بداية فصل الخريف، بينما تستضيف الهند أعمال قمة الهند الاقتصادية، التي تقام مع نهاية فصل الخريف. ولا يكمن الاختلاف هنا في اسمي القمتين بل إن هناك فارقا آخر كبير فالقمة التي تستضيفها الصين لا يحضرها أي من رؤساء العالم المؤثرين، أما في سويسرا فلا تكاد العين تتخطى وزيرا أو رئيس وزراء أو رئيس دولة خلال إقامة منتدى دافوس وفي مقابل هذا تضاءلت مشاركة رجال الأعمال خلال الأعوام الأخيرة الماضية. إذن فالصين تدرك جيدا تأثير وسائل الإعلام في تلك المؤتمرات ولهذا فإنها تفضل أن تُدير مثل هذه المنتديات بطريقتها الخاصة. وفي عام 2001 شكلت الحكومة الصينية "منتدى باوا الآسيوي" وهو نسخة صينية من منتدى دافوس الاقتصادي ويُقام على جبال جزيرة هاينان السياحية جنوبي الصين. وأصبح هذا المنتدى هو الذي يشد أنظار الصحافة والإعلام بدلا من أخبار قمة بكين التجارية.
علي جانب آخر تبدو هذه الصورة مختلفة تماما في قمة الهند الاقتصادية فمنذ 20 عاماً تستحوذ نيودلهي علي الاهتمام وتستقطب الجميع للحوار والنقاش والمشاركة، رجال أعمال، وساسة، وحماة بيئة، وممثلين في مدينة السينما الهندية بولي وود Bollywood والمنادين بحقوق المرأة، وممثلي الرابطات والاتحادات المختلفة، بل إن رئيس الوزراء الهندي نفسه يحرص علي حضور القمة، إضافة إلى مشاركة وزراء المالية والتجارة. ويرجع الفضل في هذا إلي سببين: أولهما لأن تنظيم هذا المؤتمر يقوم به كلوتيه ماتور صاحب أفضل اتصالات وعلاقات مع كبار الدوائر الحكومية والتجارية الهندية. والسبب الثاني، لأنه فاز بمنصب مساهم تأسيسي في رابطة الصناعة ذات النفوذ، من قبل الاتحاد الكونفدرالي الصناعي الهندي CII.
ولكن يمكن إضافة أبعاد أخري: فالهند تتميز بثقافة مفتوحة للنقاش. وتبقى أحوال تجاذب أطراف الحديث، والمناظرات، كما هي، لدرجة أن الأجانب تنتابهم الدهشة أحياناً لمدى السعادة التي يتناول بها الهنود مناقشاتهم الفكرية. وهذا عكس ما يجري في الصين؛ فحتى رجال الأعمال الصينيون لا يهتمّون بمناقشة السياسة أو الاقتصاد، بل يتناولون نقاطاً، ورؤوس موضوعات رئيسية تهمهم وبشكل مباشر تماما في أعمالهم. أضف إلى هذا وجود مشاكل في اللغة لدى الصينيين دوما حتى في دافوس.
ويشكو أحد القائمين على المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس من انخفاض أعداد قادة الاقتصاد الصينيين المشاركين في المنتدي وهو ما يزيد من غضب كلاوس شواب مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي، الذي يقول إن الرئيس الصيني ورئيس وزرائه يحرصان علي المشاركة في مؤتمرات اقتصادية أخرى مثل مؤتمر فوربس. وعلى كل الأحوال فإن شواب لا يرغب إلا في زيادة حجم المنافسة في مؤتمر دافوس بينما يبدو فرانك يورجن ريشتر رئيس منتدى آسيا السابق أكثر حرية في التحرك ولا يزال إلى اليوم ينظم مؤتمرات من خلال شركة الاستشارات التابعة له، هوراسيس، Horasis حيث يعتبر نفسه جسر العبور ما بين الشرق الأقصى ودول قارة أوروبا. ويُقال إنه اجتهد منذ أعوام ليتمكن من فتح مكتب إقليمي في بكين إلا أن هذا بدا أمراً صعباً بسبب رفض الصينيين. وفي المقابل تحدّث شواب منذ أيام قليلة حول فكرة تشكيل "دافوس – صيفي" في الصين، حيث من الممكن أن يساعد هذا في جذب مجموعات الشركات الناشطة عالمياً إلى الصين وهو ما أثار اهتمام الصينيين.