التعديلات السطحية لا تتفاعل مع إيقاع أوضاع السوق المستقبلية
أجرى هانز كريستوف نوك حوارا مع بوركهارد شفينكير المتحدث الرسمي لمجموعة رولاند بيرجير للاستشارات الاستراتيجية تحدث فيه عن القدرات الإدارية وقابلية التغيّر.
ازدادت سرعة التجاوب مع أوضاع السوق المتغيّرة بفعل تأثير العولمة، مما يعني خططاً قصيرة المدى لإدارة الشركات مع زيادة نسبة عدم الاستقرار في توافر فرص العمل. وتناولت إجابات بوركهارد شفينكير المتحدث الرسمي لمجموعة رولاند بيرجير للاستشارات الاستراتيجية، Roland Berger Strategy Consultants هذه القضايا وأجاب عن أسئلة حول عملية التغيّر السريع في استراتيجية اللامركزية، والتي لا تتعادل مع منافع البنية المركزية بعد حيث يجب على الشركات إعادة بناء أنظمتها التجارية عن طريق ربط إعادة الهيكلة، التحديث، تطوير التكاليف، والنمو، كلها مع بعضها البعض بأسلوب ذكي.
ما الصعوبات التي تواجهها الإدارة اليوم؟
- تشهد البيئة الاقتصادية تغيراً سريعاً. قديماً كانت الشركات تضع خططاً على مدى بعيد يصل حتى 15 عاماً. ويراوح المدى الزمني اليوم لهذه الخطط بين 5 و7 أعوام فقط. وذلك نتيجة التقنيات الحديثة، العولمة، والتحرر وإزالة القيود وتأثير السوق الرأسمالية. وعلاوةً على ذلك، أصبح المستهلكون أكثر تقلباً. وهذا لا ينطبق على المستهلكين الألمان فقط الذين يتصفون من البداية بالتحفظ إلى حدٍ ما.
ما الذي تُظهره القوى الإدارية في مثل هذه البيئة؟
- على القوى الإدارية أن تكون قادرة على التفكير ، والتعامل مع الأمور بطريقة استراتيجية، وأن تكون قادرة على القيادة والتحفيز. ومن المفترض أن يكون الإداري المسؤول حاصلاً على مؤهلات تمكنّه من الإمساك بزمام الأعمال الفنية المتخصصة والتكنولوجية في الإدارة، وحتى مجالات الإدارة التقليدية. ومن الأمور بالغة الأهمية هنا من وجهة نظري: على القوى الإدارية أن تكون موهوبة بعقلٍ هادئ وقلبٍ متحمس وقدرة على التصوّر.
هل يمكن للمرء أن يتعلّم كل هذا؟
- أنا أرى أن بعض هذه الصفات إنما هي جزء من طبيعة الشخص نفسه ولكن هناك بعض الصفات الأخرى مثل : الرؤية والتصوّر، لا بد أن يحاول المرء إحياءها أو اكتسابها .
يُشاع هنا، بأنه يوجد عجز في إيجاد مديرين للشركات، ما انطباعات الرأي العام عن المديرين؟
- إن الفكرة العامة عن رجال الأعمال الإداريين سيئة للغاية. حسبما تُظهر الدراسات، فالمديرون في الغالب ما يزالون يستلقون تحت ظلال الساسة. وعلى كل حال، فمن المفترض التأكّد من النص المباشر للدراسات: فقد أثّر انتشار سوء التصرف في الإدارة ضمن قطاعات الاقتصاد على واضعي الدراسات. وإضافةً لهذا: فإن الشركات لا تتواصل في الغالب مع بعضها البعض بصورة كافية. ومن الصعب أن نرسم صورة إيجابية لعدم الاستقرار الذي يجلبه التغيير المستمر خلال فترة زمنية قصيرة، فالناس لا تحبذ التغيير بل تفضل الأمان والاستمرار وهي أشياء لا نكاد نلمسها في عالم اليوم.
تتطلب السوق العالمية الردود السريعة، فهل تحتاج الشركات اليوم إلى مواطنها الأصلية؟
- تملك الشركات موطناً لفروعها المركزية. وبلا شك تحتاج الشركات إلى سوق محلية: حيث تحقق أكبر 500 شركة من أقوى الشركات العالمية ما يزيد على نصف حجم مبيعاتها في سوقها المحلية الأم. وتتحلى الشركات الأمريكية الكبرى بالقفزة المميزة في هذا: حيث تستخدم منذ عقود من الزمان نحو 290 مليون فرد لزيادة قوة السوق، باستخدام بنية متجانسة، ومن هناك تستولي على الأسواق الدولية. أما الأوروبيون فيطرحون السؤال الآتي: هل أوروبا هي سوقنا المحلية الأم؟ وماذا علينا أن نفعل لنسعى إلى تطويرها؟ حيث تعمل العديد من الشركات الأوروبية اليوم على هذه المسألة.
هل تتقدم مجريات التوظيف الخارجي لفروع الشركات رغم العوائق المعروفة عن سوق العمل؟
- لا بد من استخدام منافع سوق العمل، نظراً لأهميتها البالغة على القدرة التنافسية. إلا أن من ينظر إلى الإنتاج، وتكاليف الأجور فقط، دون محاولة جذب الأسواق المحلية لا يحقق إلا نموا ضئيلا في غالب الأحيان. وهذا ما حدث للبعض في الماضي. وإذا تحدثنا عن سوق أوروبا الشرقية نجد أن عوامل التكلفة هناك أقل من أوروبا الغربية، ولكنها أعلى مما هي في آسيا.
ما المظاهر التي يمكنك أن تقرنها بألمانيا في هذا الخصوص؟
- لا أرى أي قطاع حتى الآن غير قادر على النمو. ولكن تظهر قطاعات الخدمات الإنتاجية هي الأكثر تقدّماً. ولا يُعد منطقياً، من وجهة نظري، أن تحاول عملية منافسة تكاليف الأجور من الفوز عن طريق الإغراق. وبدلاً من هذا، يجب علينا أن نعيد التفكير أكثر بفترة التسعينيات، ونظام مهام الرئاسة: حيث حرصت الشركات على أبرز المهام التي تبرر في النهاية منافع منافستها في أوروبا. أذكر منها البحث والتطوير، التخطيط الصناعي، ضبط المبيعات، التسويق، التمسك بعلامة تجارية، وخدمات ما بعد البيع، وبالطبع فروع التصنيع الطموحة. هكذا يمكن للشركات أن تستفيد من مواقع الأجور المرتفعة بذكاءٍ بالغ.
هل تعني بهذا فشل نظرية المركزية؟
- صحيح، على الشركات أن تحقق المزيد من اللامركزية، بعيداً عن المركزية المميزة، التي لعبنا، نحن المستشارين، دوراً أساسياً في ترسيخ أهميتها لأسباب عديدة.
ما تلك الأسباب العديدة؟
- لقد عملت المركزية على جعل منحنيات الاقتصاد أكثر واقعية، وخففت من التكاليف. كان من الضروري تحقيق هذا، ولكن ما تزال ذات ضرورة اليوم أيضاً. ما تزال البنية المركزية متواصلة في الشؤون الإدارية على الأقل، على سبيل المثال، في المحاسبة، أو في تكنولوجيا المعلومات. ولكن على القطاعات الأخرى في الوقت ذاته أن تتحلى بمزيد من الحرية في الحركة والمرونة، لتتمكن من التجاوب مع الظروف المحيطة محلياً بسرعة.
هل يمكن بعدئذٍ للشركات أن تنمو من جديد؟
- على الشركات عقب موجات متعددة من إعادة الهيكلة أن تلتزم بشرطين اثنين: القدرة على النمو، والاستعداد للنمو. وتعني القدرة على النمو بالنسبة لي المدخل إلى المصادر المالية، والقدرة على تحقيق القيمة المضافة السليمة، وكذلك المنافسة التقنية. أما الاستعداد للنمو ويندرج تحت ما يُسمى بـ "العوامل الضعيفة"، وهي كل العوامل التي تحفّز الأفراد، وتلوّح بالأهداف الجديدة أمامهم، وتحافظ على ديمومة هذه العوامل. ولكن مربط الفرس هو استراتيجية اللامركزية.
تبدو هذه النقاط وكأنها إرشادات في التعامل التجاري، والتي تتبنّاها الكثير من الأسر المالكة لمجموعات الشركات منذ سنوات مديدة.
- نعم، خاصةّ عندما يدور الأمر حول مجموعات الشركات التي يُديرها الرأسمال التابع للأسرة المالكة، حيث تعمل السوق الرأسمالية غالباً على فرض نمو الكفاءة، مما يحسّن من مستويات التنفيذ، وتظهر الشركة بصورة أفضل في النهاية.
لكن السوق الرأسمالية تستلزم فترة طويلة من التركيز على المنافسة الجوهرية، وتعتمد التكتلات على الحسومات. وأحياناً تظهر المجموعات بصورة أفضل.
- فقط من النظرة الأولى. كانت الشركات في السابق مهيّأة على نطاقٍ واسع. وكان من الأفضل أن تركّز الشركات على المنافسة الجوهرية. وتم التخلي عن الكثير من الوحدات الصغيرة، أو تلك التي لا تحقق إلا أرباحا ضعيفة .وأصبحت المصادر أكثر اقتصادية، لأنها مرتبطة بحقول التجارة الجوهرية. ويظهر الآن، أن بعض الشركات تتصادم في حقول التجارة الجوهرية مع حدود النمو. ولهذا من الضروري إنشاء حقول التجارة الجديدة، وتحديد البعض بطريقة جديدة.
تشهد السوق تذبذبا في الأسعار فهل هذا ناجم عن اللامركزية، والغياب الجزئي من الاهتمام بالمنافسة المركزية؟
- لا يوجد في زمن التحوّل المستمر مبادئ ثابتة، حيث يتطلب كل أسلوب من أساليب التطوير حلولاً خاصة. والبعض يذكر خطط إعادة هيكلة العمل- ونحن في رولاند بيرجير، نذكر بتحوّل الشركات- هذه مسألة مهمة، حيث إن من يريد أن يثبت نفسه في سوق المستقبل، عليه ألا يكتفي بإجراء تعديلات بسيطة أو سطحية بل على الشركات إعادة بناء أنظمتها التجارية بالكامل وعليها ربط خطط إعادة الهيكلة والتحديث وتحسين التكاليف والنمو، كلها مع بعضها البعض بطريقة ذكية. والكلمة الأبرز هي : التحوّل. كان يُشاع في السابق، أنه من المفترض أن يدوم نظام هيكلة الشركات سبعة أعوام. ولو عمل المرء في الماضي على هذا التغيير، لقيل إنه أخطأ، وهو ما يعتبر اليوم "مرونة".