الشركات الأمريكية تعود إلى ليبيا لاقتناص الفرص

الشركات الأمريكية تعود إلى ليبيا لاقتناص الفرص

الشركات الأمريكية تعود إلى ليبيا لاقتناص الفرص

بعد دفع مبلغ 1.3 مليار دولار تمكنت الشركات الأمريكية الثلاث: "كونوكو ـ فيليبس"، "أميرادا هيس"، و"ماراثون" من العودة النهائية إلى الساحة النفطية الليبية من خلال احتلالها مواقعها في مجموعة الواحة، التي تضم إلى جانبهما شركة النفط الوطنية ونصيبها يتجاوز النصف، أو 59.2 في المائة تحديدا.
كل من شركتي "كونوكو ـ فيليبس" و"ماراثون" سيكون نصيبها 16.3 في المائة من أسهم "الواحة"، بينهما ستحصل "أميرادا هيس" على 8.2 في المائة من الأسهم. وبموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ختام العام الماضي، فإن الشركات الثلاث ستضمن وجودها على الساحة النفطية الليبية لفترة ربع قرن من الزمان وحتى عام 2034.
وكانت المفاوضات بين الطرفين قد وصلت إلى طريق شبه مسدود، إذ لم يكن المفاوضون الليبيون يرغبون في العودة إلى الشروط القديمة ذاتها، خاصة أن الاتفاق الأولي يعود إلى قرابة 50 عاما وكان سينتهي العمل به نهاية العام الماضي ما لم يتم التجديد، ولا يستبعد بروز العامل السياسي في الحسابات الليبية خاصة بعد رفع الحظر الأمريكي عليها عام 2004.
وسيوفر الاتفاق الفرصة للشركات الأمريكية لزيادة حجم الاحتياطيات النفطية التي تسيطر عليها. فبالنسبة لـ "ماراثون" سيبلغ حجم الزيادة 20 في المائة، ولـ "أميرادا هيس" 9.2 في المائة، و"كونوكو ـ فيليبس" 4 في المائة، وذلك في البلد الذي يعتبر ثامن أكبر منتج للنفط بين الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، وثاني أكبر منتج في القارة الإفريقية بعد نيجيريا. وسيكون التركيز على حوض سرت، الذي ينتج منه قرابة 80 في المائة من النفط الليبي ويتوقع للمجموعة أن تنتج 350 ألف برميل يوميا.
الشركات الثلاث إضافة إلى "أوكسيدنتال"، التي لعبت دورا كبيرا في تحولات سوق النفط في مطلع عقد السبعينيات، عندما وافق رئيسها الأسطوري وقتها أرماند هامر على الطلب بزيادة نسبة العائدات التي تحصل عليها، كانت تنتج نحو 400 ألف برميل يوميا من الخام عالي الجودة، إضافة إلى تميزه بقربه من مناطق الاستهلاك في القارة الأوروبية.
ذلك الحجم الإنتاجي كان يمثل نحو ثلث الإنتاج الليبي عندما طلب الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان من الشركات الأمريكية ترك العمل في ليبيا، وذلك في إطار مواجهته العقيد معمر القذافي، وهي المواجهة التي تحولت في بعض المرات إلى الجانب العسكري عندما شنّت القاذفات الأمريكية غارة على منطقة باب العزيزية، حيث كان يعتقد بوجود القذافي فيها.
وطوال فترة الـ 15 عاما التي غابت فيها الشركات الأمريكية عن ليبيا يقول بعضها إنه خسر مبالغ تصل إلى خمسة مليارات دولار، وأهم من ذلك أن المكانة المتميزة التي كانت تحظى بها الشركات الأمريكية تراجعت لصالح شركات أخرى أوروبية وآسيوية، أمثال "توتال ـ فينا" الفرنسية، "ريبسول" الإسبانية، والشركة التركية للبترول. فهذه الشركات وغيرها استمرت تعمل في ليبيا رغم التهديدات الأمريكية بمعاقبتها من خلال قانون معاقبة ليبيا وإيران الذي صدر عام 1996 على أيام إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، ويقضي بفرض غرامة على أي شركة تستثمر في الصناعة النفطية في البلدين بمبالغ تزيد على 40 مليون دولار، وهو ما تجاهلته الشركات لأن إدارة كلينتون وتلك التي خلفتها الإدارة الحالية للرئيس جورج بوش في مرحلتيها لم تعاقبا أيا من الشركات الأجنبية التي حصلت على تعاقدات في ليبيا.
تعود الشركات الأمريكية إلى الساحة النفطية في ليبيا في الوقت الذي تعيش فيه السوق حالة من التطورات تتميز بالنمو في الطلب والحاجة إلى دعم القدرات الإنتاجية لدى الدول الأعضاء في "أوبك"، خاصة ومنتجي النفط عموما.
النفط الليبي بخصائصه المتمثلة في قربه من أسواق الاستهلاك الرئيسية وخامته الجيدة بخلوه من الكبريت تقريبا مثل الخام من نوع السدر، ويبلغ 36 إلى 37 درجة وفق مقياس معهد البترول الأمريكي، أو الشرارة بخامة 44 درجة وفق المقياس نفسه. وهذا النوع يعتبر أكثر ملاءمة للكثير من المستهلكين، وعليه ستكون المهمة الأولى العمل على رفع الطاقة الإنتاجية من نحو 1.6 مليون برميل يوميا إلى مليوني برميل بنهاية هذا العقد يؤمل خلالها جذب استثمارات أجنبية للعمل في ميدان النفط والغاز يصل حجمها إلى 30 مليار دولار، بل تشير الخطط الطموحة إلى رفع الطاقة الإنتاجية إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2015.
الصناعة النفطية الليبية برزت إلى الوجود بصدور قانون الثروة البترولية رقم 25 عام 1955، وكانت شركة أسو من أولى الشركات التي حصلت على امتياز وحققت اكتشافات مهمة، في الوقت الذي كادت فيه تيأس من الحصول على نفط في هذه المنطقة عام 1959، ليبدأ تصدير النفط من الحقول الليبية بعد ذلك بعامين، وتصاعد الإنتاج ليبلغ ذروته عام 1970 عندما وصل إلى 3.3 مليون برميل يوميا، ثم بدأ في التراجع لأسباب سياسية ومع الحقائق التي بدأت تسود وقتها، إذ شعر المنتجون الذين بدأوا يسيطرون على مقاليد الأمور أنه من الأوفق لهم الحفاظ على نفطهم في باطن الأرض، وأنه مع الطلب المتنامي فإنهم يستطيعون تحقيق عائدات أكبر من خلال البيع بأسعار عالية مع الاستمرار في خفض الإنتاج.
ومع سيادة هذه النظرة ببعدها السياسي طوال حقبة السبعينيات حدث اختلال في السوق من خلال بروز المنتجين من خارج "أوبك" وظهور السوق الحرة مؤشرا قويا على الأسعار التي كانت تتحكم فيها المنظمة.
وأدت كل هذه التطورات إلى تآكل في نصيب "أوبك" في السوق، الأمر الذي دفعها إلى تقليص حصتها، وهو ما أصاب من جملة من أصاب من المنتجين ليبيا، التي بدأت قدرتها الإنتاجية تضمحل إلى أن وصلت إلى 1.2 مليون برميل في عقد الثمانينيات، ثم شهدت بعض التحسن إلى 1.4 مليون في العقد التالي، ثم إلى 1.6 مليون في الوقت الراهن.
وتستهلك السوق المحلية 237 ألف برميل يوميا، والبقية وهي في حدود 1.34 مليون يتم تصديرها إلى المستهلكين الأوروبيين وعلى رأسهم ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، إسبانيا واليونان. وبعد التطورات الأخيرة في العلاقات الليبية ـ الأمريكية قامت طرابلس بشحن 66 ألف برميل إلى الولايات المتحدة، وذلك في أول خطوة من نوعها في غضون عقدين من الزمان.
ولليبيا طاقة تكريرية تبلغ 380 ألف برميل يوميا، وهي بذلك تزيد على حاجة السوق المحلية إلى المواد المكررة، الأمر الذي يجعلها تدفع بالفائض إلى التصدير. وتوجد عدة مصاف في كل من رأس لنوف، الزاوية، طبرق، بريقة، السرير، هذا إضافة إلى وجود شبكة تكرير وتوزيع في بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا، إيطاليا، وسويسرا.
الأرقام السائدة تتحدث عن أن ليبيا تجلس فوق احتياطيات من النفط تبلغ 39 مليار برميل، وأن هناك نحو 12 حقلا يبلغ احتياطي كل منها نحو المليار، بينما يراوح حجم البقية بين 500 مليون برميل إلى المليار، ولهذا تعتبر ليبيا منطقة غير مكتشفة، إذ إن الكثير من أراضيها لم يتعرض إلى نشاط استكشافي مكثف لسبر أغوار حجم المخزونات النفطية الموجودة فيها.
وفي مطلع العام الماضي شهدت ليبيا عقد أول لقاء لترسية رخص لاستكشاف النفط واستخراجه بعد رفع الحظر الأمريكي، وهو اللقاء الذي شاركت فيه 56 شركة بنحو 104 عروض، وفي ختامه فازت شركات "أوكسيدنتال"، "شيفرون ـ تكساكو"، "أميرادا هيس"، وشركة النفط والغاز الهندية من بين آخرين أمثال "بتروبراس" البرازيلية، "سوناطراك" الجزائرية، و"فيرنيكس" الكندية، و"وود سايد" الأسترالية. وتتالت عمليات ترسية العقود وتنوعت الشركات الناشطة في ليبيا بين آسيوية وأوروبية، وهناك خمس شركات يابانية رئيسية بقيادة "ميتسوبيشي" و"نيبون بتروليوم"، كما يوجد حضور قوي للشركات الأمريكية إلى جانب مجموعة الواحة تمثله "إكسون ـ موبيل" و"أوكسيدنتال".

الأكثر قراءة