مغامرات في أسواق المال العالمية رغم الاستقرار الظاهر
في هذه الأيام يسترجع المستثمرون والمضاربون تجارب العام الماضي و يستشرفون آفاق المستقبل، ومن الطبيعي ألا يوجد أي مودِع أو مستثمر لم يقم بتنظيم محفظته الاستثمارية في بداية كل سنة بحيث إن الموازنة المالية لها تتلقى تأثيراً محدوداً من تحركات أسواق الأسهم والقروض. في عام 2005 حقق كثير من المستثمرين في العديد من أسواق الأسهم حول العالم أرباحا جيدة من خلال أسواق السندات ذات الفوائد الثابتة . وهذا لا يسري فقط على الدول الصناعية المتفوقة اقتصاديا بل حققت أيضا مؤشرات البورصة في العديد من الدول النامية معدلات أعلى بوضوح مما كانت عليه قبل 12 شهراً .
ففي تركيا قفز مؤشر الأسهم بنسبة 59 في المائة، وفي بورصة مدينة مكسيكو ارتفعت أسعار التداول بمتوسط نحو 36 في المائة. كما زادت الكثير من الأسعار المتداولة للأوراق المالية بشكل قوي في غضون الأشهر الماضية وتفاعلت رسوم العوائد الإضافية على الأوراق المالية الحكومية الأمريكية ذات الفئة الأولى مع بعضها بعضا بشكل كبير. كما أن قروض الدول النامية تقدّم الفوائد بمتوسط ينعكس على رقم المؤشر العام بنحو 24 نقطة أساسية.
واتجه العديد من مديري الصناديق ومستثمرين آخرين إلى البحث عن إمكانيات استثمار أكثر جاذبية وأعلي فائدة لأن سندات الخزينة الأمريكية، والقروض الاتحادية الألمانية، وأوراق مالية حكومية أخرى تبدو ضعيفة العائد في مقابل تقليل احتمالات الخسارة. وكان لهم ما أرادوا في أسواق الدول النامية. وتعد هذه هي إحدى نتائج المرحلة الطويلة لسياسة الفوائد المتدنية للبنوك المركزية العالمية ابتداءً من بنك الاحتياط الأمريكي، ووصولاً إلى البنك المركزي الأوروبي. فقد حذر الخبراء ومن ضمنهم ( راجورم راجان) كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي من حدوث نكسة محتملة لأسواق القروض.
ويقول راجان إن تعطش المستثمرين للعوائد والأرباح جعل بعضهم يفضلون المخاطرة في أسواق الدول النامية ولا يوجد هناك أدنى شك، بأن أسعار التداول الحالية والعوائد تعكس بشكل متوازن المخاطر لبعض دائني الأسواق الناشئة.
ويمكننا أن نورد هنا النموذج الأرجنتيني كمثال للتذكير بالمخاطر التي يمكن أن تكون مرتبطة بمنح قرض أو اعتماد للدول النامية: تطورات متأزمة كنتيجة للسياسة المالية الاقتصادية غير الثابتة والمشكوك فيها، يمكن أن تجعل المدينين يتأخرون في السداد، إذ إن اتفاقاً مع الدائنين من القطاع الخاص بخصوص إعادة جدولة الديون كان صعباً للغاية في أغلب الحالات. وإذا لم يصبح بالإمكان أخذ ذلك في الحسبان وقيام صندوق النقد الدولي بدفع قرض بمليارات الدولارات، فإن الخسائر المريرة تهدد المستثمرين. وفي حالة الأرجنتين، كانت هناك نحو 70 في المائة من قيمة القرض الأصلي لم يتمكن اقتصاديو البنك والمسؤولون في البنك المركزي من إعطاء جواب شامل لغاية الآن حول سرعة تراكمها حتى أن ألان جرينسبان رئيس البنك المركزي الأمريكي السابق وصفها بأنها تمثل لغزا.
إن تطور السوق كان دحض تصورات غالبية المتوقعين الذين قالوا إن نسبة 5 في المائة على السندات طويلة الأجل. وفي آخر أسبوع تداول للسنة الماضية حدث آخر مرة في عام 2000، وظهر في المنحنى الذي ينتج عن ارتباط عوائد القروض لفترات مختلفة، وكان ميله في تلك الأثناء بشكل حذر باتجاه اليمين. وفي لغة العاملين في الأسواق يعني ذلك أن منحنى هيكل الفوائد أصبح "عكسياً".
وهو ما يعني أن مخاطر التضخم إجمالا وعلى المدى الطويل أكبر من ذلك وأن المستثمرين يمكنهم المطالبة بتعويض على شكل عوائد عالية. وإذا مال منحنى الفائدة في اتجاه آخر كما حدث، فإن ذلك لا يشير إلى فائدة منخفضة لرأس المال في الاقتصاد، أي إلى هبوط اقتصادي محتمل. ومن المحتمل كذلك أن لاعبي السوق لديهم ثقة في البنك المركزي الأمريكي بضغط نسب التضخم تحت المستوى الحالي وضمان استقرار الأسعار. كما أن التوضيحات التي يتم تقديمها من جهات مختلفة لفائدة سوق رأس المال المتدنية نسبياً، يتم سماعها بشكل واضح، ولكن يمكن ألا تكون مقدمة بشكل متكامل
ويرى بن بيرنانكه الذي يخلف ألان جرينسان في منصبه في رئاسة البنك المركزي الأمريكي أن الادخار يتم على المستوى العالمي بشكل كبير وأن هذه الأموال تسبح في قروض الدولة . كما أن راجان اقتصادي صندوق النقد الدولي يرد على ذلك بأن السبب هو ليس نشاط الادخار المرتفع، بل الاستثمارات القليلة، إضافة إلى أن استراتيجيي السوق أصبحوا أكثر حذراً. وعلى أية حال، هم يقولون سلفاً بالرغم من الوضع الاقتصادي المستقر، إن ارتفاعاً خفيفاً فعلياً حصل لعوائد القروض الممتدة لعشر سنوات 4.75 في المائة إلى نحو 5 في المائة في السنة الجديدة.