الصناعات التكاملية مطلب السوق السعودية

الصناعات التكاملية مطلب السوق السعودية

لم تعد الصناعات السعودية مقتصرة على قطاع معين، بل أصبحت متعددة ومتنوعة، يؤكد ذلك تنوع المنتجات المحلية في مراكز البيع المختلفة، ومن تلك المنتجات المتنوعة الملابس الداخلية الرجالية والنسائية، التي أصبحت تنتج محليا وتنافس في سوق تعدى حجمها المليار ريال سنويا، التي تسيطر عليها المنتجات المستوردة سيطرة شبه كاملة، وهذه الصناعة لم تقف عند حد الإنتاج فقط، بل أوجدت عددا من فرص التدريب على رأس العمل ومن ثم التوظيف للأيدي العاملة السعودية سواء كانت تلك الأيدي العاملة شبابا أو فتيات. ومن أجل الوقوف على هذا النوع من الصناعة الجديدة في السوق المحلية إن صح التعبير، "الاقتصادية" تلقي الضوء على هذه الصناعة من خلال محمد الباشا رئيس مجموعة محمد سليمان الباشا للتجارة والصناعة، التي تقوم بإنتاج تلك المنتجات من خلال مصنعها الواقع في مدينة جدة. إلى تفاصيل هذا الحوار:

كونكم أول مصنع سعودي ينتج الملابس الداخلية، كيف نشأت فكرة هذا المصنع، ومتى بدأ الإنتاج الفعلي لهذا المصنع؟

هذه قصة طويلة ولا يمكن أن تخطر على البال, ففي الحقيقة لم نفكر في أي فترة من الفترات أن يكون أحد أنشطتنا في مجال النسيج بشكل عام، والملابس بشكل خاص وكل أنماط أنشطتنا تتجه عكس ذلك. حيث تخرجت من جامعة الملك عبد العزيز في جدة من قسم القانون وعملت محاميا ومستشارا قانونيا، وأنشأت مكتبي الخاص في مطلع عام 1416هـ، وكان أصل أنشطتنا في ذلك الوقت المقاولات وتجارة مواد البناء. ولكن وفي منتصف التسعينيات من القرن الماضي وبعد حرب الخليج الثانية وما صاحبها من ركود في مجال البناء وبحكم كوني أحد أكبر الأحفاد لجدي، طُلب مني البحث عن أي مجال جديد من مجالات الاستثمار التي يمكن إنشاؤها وحدد لي بعض الشروط الواجب توافرها والتي من أهمها أن تكون جديدة، وتحقق رغبات كل شرائح المجتمع ويمكن تنفيذها في المملكة. وفعلا بدأت في دراسة العديد من المشاريع في عدد من المجالات الصناعية والتجارية البعيدة كل البعد عن نشاط تجارة أو صناعة الملابس. وبينما نحن في رحلة عمل لتايوان للاطلاع على بعض احتياجات تلك المشاريع من آلات أو معدات سنحت لنا فرصة زيارة معمل عائلي صغير يقوم على صناعة الملابس الداخلية، وكانت نقطة البداية لوضع مثل هذا المجال قيد الدراسة التي استمرت ما يقارب العامين للتثبت من مدى جدوى إنشائها في السعودية. وبدأت مراحل التشغيل الأولى والتجارب في أواخر عام 2003 حتى الربع الأول من عام 2005 الذي كان الانطلاقة للإنتاج الفعلي.

يمثل العنصر النسائي نسبة كبيرة من العمالة الفنية في المصنع، هلا حدثتنا عن هذه التجربة وأبرز إيجابيات وسلبيات هذه التجربة؟
حقيقة بعد اعتماد الاستثمار في إنشاء مصنع للملابس الداخلية وجدنا أن المعوقات كافة التي يمكن أن تعترض إنشاءه يمكن تجاوزها إلا مشكلة واحدة، وهي الأيدي العاملة الماهرة والكافية لتشغيله، حتى مشكلة المراحل الصناعية المكملة لهذه الصناعة، والواجب توافرها، لم تكن متوافرة في السوق المحلية أسوة بدول العالم الأخرى التي توجد فيها مثل هذه الصناعة التي يمكن لأي شخص إنشاء إحداها كمصنع مستقل، ويتعاون مع الآخرين فيما ينقصه تم حلها بإنشاء كل المراحل الإنتاجية المكملة تحت سقف واحد وباسم مصنع واحد وترخيص واحد فكما شاهدتم المصنع يحتوي على ثلاثة مصانع مرتبطة ببعضها البعض.الأول مصنع الحياكة والنسج الذي ينتج القماش، ومصنع الخياطة الذي يتم فيه خياطة القماش، ومصنع الصباغة الذي يصبغ ويلون القماش، وبدأنا دراسة كيفية توفير الأيدي العاملة المطلوبة لتشغيل كل مراحل الإنتاج بالمصنع والتي لا يمكن توفيرها إلا باستقدام أو نقل الكفالة من داخل السعودية. ولكن أحد الأصدقاء المخلصين أشار إلينا بنصيحة الاستعانة ببعض الشباب السعودي وتدريبهم على مراحل الإنتاج وبحث إمكانية الاستعانة ببعض المراحل الإنتاجية بالأيدي العاملة النسائية الموجودة في السعودية بعد تدريبها وخصوصا الخياطة كونها توافق طبيعة المرأة بشكل عام، وفي الحقيقة في بادئ الأمر راودتنا المخاوف والشكوك من فشل مبدأ الاستعانة بالأيدي العاملة النسائية السعودية، وعدم تقبل المجتمع لهذا الأمر ورفضه لكونه غير مألوف لدى المجتمع السعودي، هذا بالإضافة إلى المخاوف من أن يكون هذا الأمر مخالفا للنظام في السعودية وما قد يترتب عليه من أي أمر بإيقافه، ومع هذا أخذنا بمبدأ إمكانية الاستعانة بالأيدي العاملة النسائية وبدأنا تشييد المصنع على هذا الأساس, بحيث تم تصميم قسم الخياطة بشكل مستقل ومنفصل عن الأقسام الأخرى بنفس المبنى يمكن استخدامه لعمل السيدات, وعند تطور أعمال البناء وقرب جاهزية المصنع قمنا بمخاطبة الجمعيات الخيرية بمدينة جدة لكونها الجهات الوحيدة في تلك الفترة التي تقوم بتدريب الفتيات على الأعمال النسائية مثل الخياطة والأعمال اليدوية وغيرها في إمكانية الاستعانة بالعنصر النسائي لتشغيل مرحلة الخياطة بالمصنع، و كان التجاوب الإيجابي غير متوقع الأمر الذي دعانا إلى العمل على وضع الخطط العملية لهذا القسم، بدءا من كيفية استقبالهم، وحتى مراحل التثبيت، وكيفية عمل الاختبارات العملية لهم، وما الشروط الواجب توافرها في المتقدمة، وكيفية التدريب، والمكافآت التي سيتم تقديمها، لذلك قمنا بإنشاء مركز لاستقبال الطلبات، ومركز للاختبارات وتم تجهيزه بكل الآلات المطلوبة، ووضعنا الأسس اللازمة لذلك، كما بحثنا العوامل التي يمكن أن تساعد المتقدمة على الاستمرار في التدريب والعمل ومنها المواصلات، والتأمين الصحي، وإيجاد حضانة الأطفال للمتقدمة المتزوجة التي لديها أطفال من سن الولادة وحتى مرحلة دخول المدارس تم تأمينها وتوفيرها للمتدربة, ومن ثم قمنا بالكتابة لصاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة لمنحنا التصريح اللازم لعمل السيدات بالمصنع، والذي قام مشكورا بالتوجيه لكافة الإدارات الحكومية ذات العلاقة الممثلة في المشروع الوطني للتدريب والتوظيف والمجلس الاستشاري النسائي لمتابعة الأمر، وتسهيل كل المعوقات التي قد تواجهنا، ومن ثم بدأ مركز استقبال الطلبات في عمله وتم استقبال ما يقارب 800 طلب مقدم خاصة وأن الشروط الموضوعية كانت الشهادة المتوسطة كحد أدنى، إضافة للرغبة في التدريب والعمل، وإثبات الذات فقط، واستقدمنا للتدريب خبيرة إيطالية في مجال الخياطة لتدريب الأيدي العاملة السعودية على الخياطة وفق المعايير الأوروبية في الجودة كما استقدمنا خمس فنيات مختصات من الفلبين كمساعدات للفنية الإيطالية، ليشرفن كذلك على مركز الاختبار ومن ثم يقمن بتدريب العاملات بعد رحيل المدربة الإيطالية، وبدأ مركز الاختبار في أواخر عام 2002 العمل يوميا لما يقارب الثمانية أشهر من الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة الحادية عشرة ليلا، وكان اختبار المتقدمات على فترتين الأولى تبدأ من الساعة السابعة صباحا حتى الرابعة عصرا، والثانية تبدأ الساعة الرابعة عصر وحتى الحادية عشرة مساء، وبواقع خمس متقدمات في كل فترة، و لمدة ثلاثة أيام، وكونت اللجان المشرفة على ذلك من المشروع الوطني للتدريب والتوظيف، والمركز الاستشاري النسائي لمتابعة سير كل الإجراءات برئاسة الدكتور عبد العزيز الهزاع أمين عام المشروع الوطني للتدريب الذي وللحقيقة لم يأل جهدا في سبيل تذليل العقبات التي كانت تواجهنا, ومن ثم تم الترشيح النهائي باعتماد ما يقارب 100 متقدمة ما بين إدارية، وفنية، ومشرفة، وعاملة إنتاج، وعاملة خدمات مساندة في تلك الفترة، وكان من ضمنهن سبع معاقات إعاقة بدنية, وعندما انتهى تجهيز المصنع وبدأ تركيب الآلات، ثم بعد ذلك تم نقل مركز الاختبار للمصنع وتم البدء بتقديم العقود للمتقدمات ومناقشتها مع المتقدمين سواء من الذكور أو الإناث أمام لجنة المشروع الوطني للتدريب والتوظيف والمركز الاستشاري النسائي, وفي أواخر عام 2003 تم البدء بالتدريب على أرض الواقع لجميع المتقدمين, وهنا وللحقيقة فإن كل من اطلع على تجربتنا في الاستعانة بالأيدي العاملة الوطنية شبابا وفتيات في تشغيل مصنعنا من مراحل التجارب الأولى وليس إحلالها محل العمالة الوافدة وبيده أن يساعدنا إلا ومد يد العون ولو بالدعاء لنا بالتوفيق، ونحن ندين بالفضل بعد المولى عز وجل لصاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة لدعمه اللا محدود لنا لإنجاح هذه التجربة, والتي كان منها تفضله يحفظه الله بتشريف حفل الافتتاح الذي تم في أبريل عام 2004 والاطلاع على سير العمل عن كـثب, وتشجيع الجميع على المثابرة والاجتهاد لإثبات الذات، وتكريمه لهم، واستشهاده يحفظه الله بتجربتنا في كافة المحافل والمناسبات, كما لا ننسى الفضل لصاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز على وقوفها بجانبنا، ودعمنا، وحثنا على الاستمرار، وتشجيع المتدربات على بذل الجهد في التعلم واكتساب الخبرة, وذلك في زيارتها الكريمة لمصنعنا والوقوف على ارض الواقع على حقيقة ما نقوم به وطريقة التدريب والعمل. وللمعلومية ما زلنا حتى اليوم نستقبل من لديه الجدية ويبحث عن عمل، حيث لا يزال باب التدريب والتوظيف مفتوحا للجميع، ومادام هناك أكثر من فتاة في العمل فلن يتم إغلاق قسم السيدات في المصنع كما أننا لن نمتنع عن تدريب أي شاب جاد في اكتساب المهارات وتحمل أعبائها والصبر عليه. ولدينا حاليا أكثر من30 سعودية تعمل في المصنع، ومازلنا نستقبل طلبات من تريد العمل وتثبت ذاتها وتكتسب حرفة في يدها، وفي الحقيقة أن من إيجابيات هذه التجربة أنها ستكون محور دراسة الماجستير في المستقبل والتي سيكون موضوعها المعوقات الواقعية في الاستعانة بالأيدي العاملة الوطنية في المملكة العربية السعودية.
أما السلبيات التي لاحظناها والتي واجهتنا في هذه التجربة، فهي الصراع الداخلي في داخل نفوس الأيدي العاملة السعودية المبتدئة بين الاستمرار في التدريب، أو الانسحاب منه، وبين الرغبة السريعة في تحقيق العائد المادي، أو عدم القدرة على مواجهة الضغوط الأسرية عند عدم تنفيذ رب الأسرة مسؤولياته لمساعدة أبنائه في الاستمرار والذي يؤثر في نهاية المطاف على اتخاذها القرار بالتوقف، والبحث عن الأفضل أو الجلوس بالمنزل لحين إرضاء ولي الأمر علما أننا حاولنا مرارا إفهام وإقناع الأسر، أن الأمر يحتاج إلى الصبر والاجتهاد.

ذكرتم أن المصنع لديكم عبارة عن ثلاثة مصانع في مصنع واحد، هل من توضيح لذلك؟
نعم نحن لابد لنا من إيجاد مثل هذه المصانع إذا أردنا أن ننتج مثل تلك المنتجات، نظرا لعدم وجود مثل تلك المصانع المساندة أو المكملة لمصنعنا الرئيسي، فنحن مصنعنا الرئيسي هو التصميم والخياطة، أما المصانع الأخرى (مصنع الحياكة، ومصنع الصباغة) فهي مصانع مساندة لمصنعنا الرئيسي، وإنشاء مثل هذه المصانع دفعة واحدة بالطبع يزيد من كلفة الإنتاج لدينا، وبالتالي صعوبة المنافسة، وهنا تكمن أهمية وجود مثل هذه الصناعات التكاملية، والمتواجدة في كثير من دول العالم الصناعية، وتفتقدها السوق المحلية.

ماذا عن طاقة المصنع الإنتاجية الحالية، والمتوقعة للسنوات القادمة؟
الطاقة الإنتاجية للمصنع حاليا ما يقارب مليوني قطعة سنويا، ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع خلال السنوات الثلاث القادمة إلى ستة ملايين قطعة سنويا، طبعا بالتدريج.

هل هذه الطاقة الإنتاجية لجميع الملابس الداخلية الرجالية والنسائية منها ؟
نحن عندما بدأنا كنا نخطط أن ننتج كلا المنتجين الرجالي, والنسائي في وقت واحد, ولكن وجدنا أن هذا سيكون مكلفا ويحتاج إلى جهد كبير, لذلك ركزنا في البداية على أن ننتج منتجا واحدا كمرحلة أولى, وهي الملابس النسائية, ولله الحمد حققنا نجاحا جيدا كبداية, ومن ثم سنبدأ المرحلة الثانية خلال الفترة القريبة القادمة من هذا العام, وهي إطلاق خط إنتاج الملابس الداخلية الرجالية, والتي ستكون ذات جودة عالية ومنافسة بمشيئة الله تعالى.

من وجهة نظركم هل لدى صناعة الملابس المحلية القدرة على منافسة المنتجات المستوردة الحالية، والقادمـة للسوق المحلية؟
نعم إذا توافرت معطيات معينة مثل وجود الأيدي العاملة الماهرة المنطقية التكلفة التي تساعد على تخفيض التكاليف، وكذلك الجودة في الصنع، و المصداقية في استخدام المواد الخام الجيدة، إضافة إلى السرعة في مواكبة المستجدات في هذه الصناعة وتلبية احتياجات السوق المحلية. ولا ننسى قناعة التاجر من أنه سيحقق الربح عند بيع المنتجات المحلية وقناعة المستهلك كذلك على أن المنتج الوطني يمكن أن يفوق المستورد في الجودة.

هل هناك معوقات تواجه صناعة الملابس عموما وصناعة الملابس الداخلية خصوصا؟
صناعة الملابس بصفة عامة من الصناعات الناشئة في المملكة وتحتاج إلى تضافر الجهود لتطورها ونجاحها فهناك من يرى أنها من الصناعات ذات المخاطرة العالية ولا يحبذ المخاطرة فيها رغم أن المعطيات الحقيقية للدراسات التي أعدت من عدة جهات تشير إلى عكس ذلك، ولو نظرنا إلى الواقع فإن المملكة تعد من الدول ذات الأرضية الجيدة للاستثمار في المجال الصناعي. وصناعة النسيج من الصناعات الخفيفة التي يمكن أن تحقق النجاح الكبير خصوصا أنها ليست من الصناعات المعقدة, أو المكلفة ويمكن أن توفر فرص عمل كبيرة لكونها إحدى الصناعات التي تعتمد على الأيدي العاملة. إلا أن هناك عوائق قد تكون السبب المباشر في عزوف الكثير من المستثمرين المحليين عن الاستثمار الصناعي في قطاع النسيج خاصة لتخوفهم من عدم القدرة على توفرها. وكذلك ندرة الأيدي العاملة الماهرة التي تقوم على تشغيل مثل هذه المصانع في السوق المحلية سواء كانت وطنية أو أجنبية، فمن الصعب أن تجد من يجيد الصباغة أو يجيد الحياكة أو الخياطة، وكذلك من المعوقات التي تواجه مثل هذه الصناعة، صعوبة إجراءات الاستقدام للحصول على أيد فنية جيدة، إضافة إلى قصور بعض الأنظمة الحكومية والمتمثلة في منع المصانع من كفالة المرأة العاملة، أو حتى استقدام أيد نسائية ولفترة مؤقتة من أجل تدريب الأيدي النسائية السعودية، ونحن نعاني من هذه المشكلة حاليا كمتخصصين في صناعة الملابس الداخلية، أيضا من المعوقات التي ننتظر حلا لها بفارغ الصبر عدم توفر الأراضي الصناعية، وهذا يمثل عائقا كبيرا لنا حيث يرفع هذا من تكلفة الإنتاج لدينا، في ظل وجود منافسة كبيرة جدا في السوق المحلية. ولا ننسى أن هناك عائقا متمثلا في قصور الوعي لدى الشباب من الجنسين وخصوصا ذوي المستوى التعليمي المتوسط (متوسطة وثانوي ) من أن تعلم حرفة صناعة الملابس يحتاج إلى وقت وجهد من أجل تحقيق تطلعاتهم وأهدافهم.

ماذا عن تسويق هذه المنتجات في السوق المحلية؟ وهل هناك صعوبات تواجهكم في ذلك؟
في الحقيقة إن تسويق الملابس المصنعة محليا يكتنفه بعض المعوقات من قبل التجار والمستوردين أو المستهلكين حيث إنها دائما ما تقارن بالمنتجات ذات الجودة والسعر الأقل فقط على الرغم من أنها قد تنافس ذات الجودة العالية من حيث جودة الإنتاج، ونوعية المواد الخام المستخدمة أو السعر. ومن هذا الباب فليس من السهولة إقناع بعض المستوردين والتجار لتسويق المنتجات المحلية لأنهم ليسوا على استعداد للمخاطرة طالما أن ذات الجودة والسعر الأقل تحقق لهم الأرباح، كما أن المستوردين للملابس ذات الجودة العالية ليسوا على الاستعداد للمخاطرة بتجربة تسويق ما هو مصنوع محليا خوفا من أن لا يتمكنوا من تسويقها أو بيعها. على الرغم من أن الأساليب التسويقية المتبعة توضح لهم أن وجود مصنع ذي إمكانيات كبيرة بجوارهم مثل مصنعنا ويحقق طلباتهم من حيث الجودة ومواكبة الموديلات سيعود عليهم بالفائدة في المدى القصير مثل توفير تكاليف السفر والإقامة والشحن والتخليص، وتوفير الرسوم الجمركية، وكذلك توفير السرعة في تلبية احتياجاتهم، وعدم إلزامهم بشراء كميات كبيرة مثل المصانع الخارجية، والتي قد يصعب تسويقها وما يتبعها من تجميد لأموال طائلة لفترة ليست بالقصيرة والحاجة إلى توفير مخازن كبيرة. وكذلك ضمان حل مشاكل عيوب الصنع، وضمان تعديل المنتجات التي لم يتمكنوا من تسويقها. وغيرها من المميزات التي يصعب حصرها. أما بالنسبة إلى الكثير من المستهلكين ولو أنهم من ذوي الدخول المتدنية أو المتوسطة، فليس لديهم القناعة من أن الملابس المصنعة محليا يمكن أن تنافس ما هو مصنوع أوروبيا.

ما تقديركم لحجم سوق الملابس الداخلية، الرجالية والنسائية في السوق السعودية؟
حسب معطيات الدراسات لحجم الاستيراد للملابس الداخلية وقمصان "التي شرت واللانجري" النسائية فإنه يزيد على المليار ريال سنويا.

من خلال الدراسات التي قمتم بها، كم تبلغ نسبة المنتج المحلي من هذا الحجم السوقي الكبير؟
نعم عند بداية التخطيط لتنفيذ المشروع، قمنا بعدد من الدراسات عن السوق المحلية، وللأسف لم نجد ولا منتجاً محلياً، حيث وجدنا أن أغلب التراخيص الصناعية الصادرة لمثل هذا النشاط لم تفعل، فقط مجرد تراخيص فقط، وهذا يعني أن أغلب المتواجد في السوق المحلية من تلك المنتجات منتجات مستوردة.

تعتبر المملكة حاليا أحد أعضاء منظمة التجارة العالمية، كيف ترون تأثير هذا الانضمام في مستقبل صناعة الملابس الداخلية المحلية؟
كما تعلمون أن الخليج العربي بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة تعتمد على السوق الحرة وليس هناك في الأصل قيود على الاستيراد من أي دولة كانت طالما أنها لا تخالف القوانين والأنظمة، وعليه فإن من يتطلع لإنشاء مثل هذه الصناعة في المملكة يجب أن يأخذ في اعتباره عدة نقاط منها، وجود الأيدي العاملة الماهرة المنطقية التكلفة، والجودة في الصنع، و المصداقية في توفير المواد الخام الجيدة، والسرعة في مواكبة المستجدات في مثل هذه الصناعة وتلبية احتياجات السوق المحلية. والاهم من هذا كله القناعة الشخصية للتجار والمستوردين من أن الإنتاج المحلي للملابس سوف يحقق لهم مع الوقت تطلعاتهم والأرباح الجيدة، وكذلك مدى قناعة المستهلك والشعور بأن ما يمكن صنعه في المملكة من الملابس يمكن أن يقارن أو يماثل أو قد يتفوق على المستورد وخصوصا من الدول الأوربية، لذلك فإنني أعتقد عند ذلك أنه لن يكون هناك أي تأثير سلبي في مستقبل صناعة الملابس في المملكة العربية السعودية من الدخول في منظمة التجارة العالمية، بل على العكس تماما سوف تزدهر هذه الصناعة ونرى مصانع كبيرة إن شاء الله. فصناعة النسيج في المملكة ستحقق النجاح مثلها مثل الصناعات الأخرى التي حققت عدة نجاحات ليس في السوق المحلية فحسب بل في الأسواق العالمية.

من وجهة نظركم، هل أثرت السعودة التي تقودها وزارة العمل حاليا على نمو الصناعة السعودية؟
((الاقربون أولى بالمعروف)) إن الاعتماد على الأيدي العاملة الوطنية في القطاع الخاص هو الأمر الصحيح الذي لا يصح غيره مطلقا، و كان يجب الاهتمام والإصرار عليه ليس من الآن فقط ولكن منذ ثلاثين سنة مضت، وأنا أعتقد أنه ليس هناك مستثمر حكيم وعاقل في أي مجال وخصوصا الصناعي يرفض أو يمتنع عن الاستعانة بالأيدي العاملة الوطنية طالما أنها قادرة ومستعدة لأداء دورها بشكل كامل، ولديها الوعي بأن عليها مسؤوليات وواجبات كما لها حقوق، وكانت مهيأة لتكون البديل الحقيقي للأيدي العاملة المستقدمة.
والتوجه لتوطين المهن والوظائف خصوصا الحرفية منها، توجه حكيم سيظهر أثره الإيجابي في المستقبل القريب، وذلك في سهولة الحصول على اليد العاملة الماهرة المطلوبة، وكذلك سهولة تقييمها ماديا، وكذلك إيجاد أمان وظيفي للعامل، ومن ثم الاستمرارية. ولتحقيق هذا الهدف بشكل إيجابي لا بد أن تتضافر الجهود والتعاون والشعور بالمسؤولية بين جميع المستثمرين في تبني الاستعانة بالأيدي العاملة الوطنية وإعطائها الأولوية في العمل ومنحها الفرصة الكافية لإثبات قدرتها وتهيئة كل السبل لاستقطابها وتدريبها، وكذلك على الأيدي العاملة اكتساب المهارة من خلال التدريب المستمر، والصبر على ذلك، وتحقيق معدلات الإنتاج المطلوبة، واحترام أخلاقيات العمل، وتنفيذ مسؤولياته خلال فترة العقد واحترام مدته والدولة فيما تمثله تعتبر ضامنا لحقوق الطرفين، وألا تكون عامل ضغط على طرف دون الآخر، إلا عند إخلال أي من الطرفين العامل والمستثمر بواجباته ومسؤولياته فيما تعاقدا عليه، وعدم النظر إلى طرف على أنه أضعف من طرف، واستخدام أسلوب التوعية المباشرة لكل طرف وإقناعهما بأن كل منهما بحاجة إلى الآخر، فلا المستثمر يمكن أن ينجح في اسثمارته دون العامل الماهر، ولا العامل سيجد عملا يحقق احتياجاته دون المسثمر الذي يقدم له العمل، وأن أحقيته في العمل عند المستقدم تكمن في مهارته وتنفيذه مسؤوليات هذا العمل، و أن ما يقوم به كل منهما يجب أن ينبع من المسؤولية الدينية والاجتماعية وأن الفائدة ستعود على المجتمع عند تنفيذ كل منهما بدوره. بعد ذلك يأتي الدعم المادي الذي يمكن أن تقدمه الدولة لكلا الطرفين عند تحقيق النجاح وقيام كل من المستثمر والعامل بدوره،وذلك لتشجيع الآخرين على الاهتمام بالأيدي العاملة المحلية، عندها ستتحقق النتائج المرجوة بشكل سلس وبناء.

في رأيكم ماذا تحتاج الصناعة المحلية في الوقت الحالي لكي تستطيع أن تنافس الأسواق الأخرى؟
في إجابتي على هذا السؤال سأ تحدث عن حاجة الصناعة المحلية لكي تستطيع أن تنافس السوقين المحلية والخارجية، وليست الأسواق الخارجية فقط، ففي رأي أن الصناعة السعودية تحتاج إلى أمور عدة منها ما يكون على عاتق الدولة، ومنها ما يكون على عاتق الصناع أنفسهم, أما فيما يختص بالدولة حفظها الله, فهي تخفيف الإجراءات الحكومية لمتطلبات إنشاء المصانع والتي من أهمها إجراءات استقدام الأيدي العاملة الماهرة والمطلوبة فعليا، وخصوصا للمراحل الإنتاجية والتسويقية بعد وضع الأسس العلمية السلسة،و بعد التثبت من جدية المنشأة المتقدمة وعلى أقل تقدير خلال السنوات الخمس الأولى من عمر المشروع، وذلك لإعطاء الأمان الفعلي للمستثمر و القناعة بأن استثماره في مجال الصناعة لن يتأثر لعدم القدرة على توفير الأيدي العاملة الوطنية, كذلك على الدولة توجيه الأيدي العاملة الوطنية الباحثة عن العمل الحرفي لتعلم هذه الصناعة وخصوصا فئة الذكور من المستوى التعليمي المتوسط الذين تكون فرص العمل بالنسبة لهم نادرة نوعا ما، وتوعيتها بأن العمل في هذا المجال سيعود عليهم بالفائدة مع الصبر والرغبة في اكتساب المهارات، وإثبات الذات وأنها كعمل ليست من الأعمال المعيبة اجتماعيا. أيضا لابد من إيجاد هيئات متخصصة في مكاتب العمل لتوعية الباحثين عن العمل بأهمية الالتزام بأخلاقيات العمل، وتنفيذ العقود مع جهات العمل قبل إلحاقها بالعمل، وإيجاد الآلية اللازمة للحفاظ على حقوق أرباب العمل وضمانها عند عدم تنفيذ الأيدي العاملة الوطنية واجباتها في العقد المبرم معها، وهذا بالطبع سوف يساعد المستثمرين على التفاعل الإيجابي مع التوجهات الحكومية في توطين الوظائف والمهن، والسعي من تلقاء ذاتهم لتبني الاستعانة بالعمالة الوطنية وتدريبها، كذلك لابد من إيجاد آلية نظامية لتسجيل الآلات والمعدات، وإصدار بطاقات ملكية لها، وتنظيم رهنها لتسهيل قبولها كضمانات لأي قروض أو تمويل حكومية كانت أو خاصة. أيضا لابد من الاهتمام بإنشاء المدن الصناعية، وخصوصا المدن القريبة من مواقع الكثافة السكانية للصناعات الخفيفة مثل النسيج والأغذية ليتمكن المستثمرون من توفير الوظائف لأرباب الأسر والأيدي العاملة الشابة من الجنسين دون زيادة في التكاليف، كذلك على الدولة التشديد على تطبيق المواصفات والمقاييس السعودية إذا توافرت، أو العالمية المطبقة في الدول الكبرى مثل أوروبا وأمريكا على كافة المستوردات دون استثناء، وعدم السماح باستيراد أو إدخال المخالفة منها، أيضا على وزارة الصناعة والتجارة خصوصا القيام بتوعية المستهلك بكافة الطرق الإعلانية مرئية كانت أو مقروءة أو مسموعة في دعم الصناعات الوطنية وتفضيلها على المستورد، وأن ذلك يعود بالفائدة على الجميع من خلال تحسن النتائج وزيادة المصانع وما يصاحبها من زيادة فرص عمل.
أما فيما يقع على عاتق المستثمرين، وخصوصا الصناع منهم، فيجب عليهم من وجهة نظري أن يحرصوا على تحقيق الجودة العالية في الإنتاج، وتطبيق المعايير العالمية في ذلك، لكي تستطيع المنتجات المحلية أن تنافس محليا وخارجيا، وكذلك عليهم أن يحرصوا على متابعة التطورات والمستجدات كل في مجال صناعته، إضافة إلى ذلك على المصنعين الافتخار بمنشأ صناعتهم، قبل المستهلكين، على أنها صناعة سعودية.

ماذا عن التصدير للأسواق الخارجية من حيث الحجم والجهة المصدر لها، وكيف ترون قدرة المنتجات المحلية على المنافسة؟
الحمد لله رب العالمين لقد تمكنا من السيطرة على الجودة العالية التي لم يكن حتى صناع الموضة في أوروبا توقعها، وخصوصا بعد أن يعرض عليها الفلم الوثائقي عن المصنع ومشاهدتهم لما يخالف انطباعاتهم السلبية عن المملكة، والمجتمع السعودي وخصوصا المرأة التي حققت إنجازا بدخولها هذا المجال، وعموما الآن نحن بصدد الدخول إلى السوق الإيطالية من خلال التفاوض مع إحدى الماركات الكبيرة لتسويق منتجاتنا في إيطاليا، كما أن هناك اتصالات جدية مع عدد من الشركات في كل من كندا وفرنسا وروسيا لتزويدها بمنتجاتنا، هذا بالإضافة إلى أننا في المراحل النهائية من إبرام اتفاق مع عدد من التجار في عدد من دول الخليج ولبنان وتونس، وبالنسبة للشق الثاني من السؤال فكما ذكرت سابقا فإن المنتجات المحلية إن توافر لها المعطيات اللازمة نعم ستكون قادرة على المنافسة وبشكل جيد ومرض.

الأكثر قراءة