انفجار "عنق الزجاجة" يجبر الحجيج على غزو مواقع رجال الأمن
هكذا بدأ الحجيج في الانطلاق نحو جسر الجمرات تكتلاً بشرياً واحداً، مندفعين دون توقف، يتطلعون إلى رمي الشياطين الثلاثة كما يسميها البسطاء منهم، ليخرجوا بعد ذلك من عنق الزجاجة في نهاية جسر الجمرات، وليسجلوا وداعهم الأخير في منى، إلا أنها كانت بداية النهاية بالنسبة لبعضهم.
في الساعة الحادية عشرة والنصف قبل أن تنتصف الشمس على رؤوس الحجيج، بدأت تلك الكتل الملونة من أجناس وأشكال عديدة، أطفالاً وشباناً وصغاراً، في التوجه نحو تخطي أصعب مرحلة من مراحل الحج، وهي مرحلة (جسر الموت).
فريق "الاقتصادية " كان حاضراً عند لقاء الأفواج مع الأفواج، وراقب الزملاء بداية القصة المؤلمة، عندما بدأ الضغط البشري ينهال من الحجاج القادمين من الخلف، والذين جاءوا جماعات تتشكل كالأمواج البشرية، طارحةً من يقف أمامها أرضاً. الجميع بدأ يدرك أن الهروب من واقع التدافع أمر محتم يجب تنفيذه، ولو كلف ذلك أغلى الأثمان، فالمهم هنا هو البقاء على قيد الحياة، وسط روائح الموت التي تلف المكان.
اتجه الكثير من الحجيج ليفكوا السياج الأمني بقوة التدافع، ما أدى إلى إصابات وجروح واختناقات وإغماءات بين الحجيج، وتطور الوضع إلى أن وصل الأمر بالحجيج بغزو مقار رجال الأمن الخاص والمسعفين تحت جسر الجمرات، والذي تبلغ مساحته نحو ستة أمتار في ستة أمتار، ويوجد فيه نحو 40 من رجال الأمن، الذين فوجئوا بسيل كبير من الحجيج يقتحمون المكان، باحثين عن ملاذ آمن لأرواحهم.
ورغم جهود رجال الأمن في عمليات الإنقاذ، إلا أن الوضع كان يستدعي إسعاف رجال الأمن أنفسهم، الذين أصيب عدد منهم في هذه الأثناء، إضافة إلى ازدياد حالات الموتى بين الحجيج، لتعلن بعدها السلطات إنذار الحالة الحمراء. وكان شهود عيان قد أكدوا وجود أعداد كبيرة تدافعت مع بعضهما في كل شوارع منى المؤدية إلى الجسر.
كان المشهد ينذر بكارثة أكبر لولا فضل الله وعنايته، فبعد إعلان الحالة الحمراء في المستشفيات، توجهت العديد من الفرق المساندة من رجال الأمن والكشافة ومؤسسات الطوافة لتمنع الحجيج القادمين نحو الجسر، إضافة لمنعهم من حمل الحقائب التي لعبت دوراً كبيرا في الحادث الأليم.
وكان عدم وعي الحجيج أكبر مسببات هذه الحادثة، إذ لاحظت بعثة "الاقتصادية" وجود ما يقارب 80 في المائة من الحجيج يحملون حقائبهم الخاصة معهم، إضافة إلى خوف الآخرين من الموت، والذي كان إحساساً مسيطراً على أغلب من شاهد تلك الدقائق العصيبة.
فالحاجة السورية التي تنظر إلى وجوه الصحافيين وهي تشهق بصوت الموت "أنا عندي ولاد بدي ربيهم"، ورغم تهدئة الصحافيين لها، ومحاولتهم إقناعها بأن كل شيء سيكون على ما يرام، إلا أن الإحساس كان طاغياً بأن الوضع سينفجر، مقارنةً بمشاهدات حج العام الماضي.
وتمكن في تلك الأثناء عدد كبير من الكشافة، بلغ نحو ألف كشاف، من فتح المجال أمام عربات الإسعاف الغادية والرائحة لإسعاف المصابين، وتم تطبيق طوق أمني وسياج بشري حول الحجيج، بحيث يكون هنالك كشافة في مكان الأرصفة لتسهيل عملية مغادرة سيارات الإسعاف وحضورها لنقل المصابين.
واستطاعت الجهات الأمنية بهذه الخطة وضع حد للزحام ونقل المرضى بسرعة كبيرة، والذين كانت حالاتهم في أغلبها اختناقات أو دهس، واستقبل العديد من المشافي في منى حالات تحتاج إلى إجراء عمليات متفاوتة، كانت تتركز بشكل كبير على كبار سن وأطفال ونساء.