11 ملاحظة تثير التساؤلات حول طريقة الإنقاذ في "حادثة مكة"
إن تداعيات الحادث الأليم الذي وقع في مكة المكرمة يوم الخميس الماضي تجعلنا نعيد كثيرا من الحسابات في الاستعدادات الموسمية وبالذات الخاصة بالتصاريح والتراخيص والموافقات على ممارسة أي نشاط خلال الموسم. ولعل بتوجيه وزير الداخلية العاجل في التحقيق في الحادث وملابساته نبدأ أيضا في توحيد الجهود وإعادة الطمأنينة لجميع الحجاج ليؤدوا مناسكهم ويفوزوا بما جاؤوا من أجله من طلب العفو والمغفرة من العزيز الحكيم سبحانه. لقد كان من مشاهدات الحدث عبر الإعلام المقروء ما يوضح أن هناك نقاطا ومحاور لا بد للجنة التحقيق أن تجعلها في توصياتها، بخلاف كيف وقع الحادث ولماذا؟ وذلك تفاديا لوقوع ما حدث في المواسم المقبلة وتكون دروسا مستفادة في المستقبل وعلى كل الأصعدة. لقد لا حظت من خلال قراءتي صحف يوم الجمعة ما يلي:
أولا: لقد أبرزت الصور أنه لا توجد فرقة من الدفاع المدني تخصصت في تطويق موقع الحادث وعدم السماح لتواجد الأفراد إلا من كان له علاقة بالإنقاذ والذي بدا فيها كثير من المواطنين في كل جنبات الصورة حتى بين المعتلين للأنقاض من الجنود. هذا بخلاف ما أشير إليه في الخبر من فرض طوق أمني حول الموقع وبالتالي كان لا بد من وضع صور توضح ذلك لتعريف العامة والعالم أجمع بقدر الاهتمام والزخم الكبير المحتشد للإنقاذ.
ثانيا: اعتلى الأنقاض عدد كبير من رجال الأمن وعدد آخر أسفل الأنقاض خلاف المسعفين وفرق الإطفاء وفرق متخصصة أخرى مما جعل المنظر يدل على أن كل هذه الأوزان تؤدي إلى زيادة حجم المشكلة وصعوبة التحرك للإنقاذ بسهولة.
ثالثا: من الطبيعي أن هبوط مبنى بين مباني لصيقة يهدد المباني اللصيقة، والذي ينظر إلى لصورة يجد أن الخطر يحدق بمن كان تحت هذه المباني المجاورة ولم تعر أي اهتمام من قبل فرق الإنقاذ لإبعاد المتجمهرين أو غيرهم.
رابعا: بدا بعض الجنود واضعين كمامات وآخرون لا يضعونها وكأن الأمر اختياري بينهم أو أن فرق الإنقاذ جمعت من مواقع مختلفة من مكة فمنهم من كان قريبا من مواقع تتطلب الحيطة فلبسوها وآخرون لم يكونوا كذلك فحضروا بدونها ومن غير المعروف ما إذا كان هناك توحيد إجراءات أم لا.
خامسا: هناك من الناس من كان في أوضاع تدل على أنه متفرج ليس إلا، ولم يهتم لحماية نفسه بالابتعاد وشغل نفسه بما هو أهم له ولغيره.
سادسا: في الصورة وضح أن بعض الصور التقطت بعد فترة طويلة أي بعد إحضار الجرافات والأوناش والآليات الأخرى إلا أن عمل هذه الآليات لن يكون سهلا بل هو خطر في وجود هذا التجمهر غير العادي وبدون طوق امني للمنطقة بالكامل.
سابعا: في هذه الصورة أيضا لم نلحظ أي صورة لمناطق الإخلاء الطبي ولا أدري إن كانت موجودة أم لا وإذا كانت فعلا موجودة كان لا بد من إلقاء الضوء عليها فهي إعلاميا متابعة جيدة للحدث وفي الوقت نفسه توضح مستوى اهتمام فرق الإنقاذ وجميع الجهات المعنية بالإنقاذ في الموقع.
ثامنا: لم يكن واضحا أنه تم إخلاء المباني المجاورة تحسبا لطارئ أكبر قد يقع ولو على اقل تقدير المباني الملاصقة للمبنى المتأثر.
تاسعا: من جميع الصور حتى التي تم التقاطها مساء لم تكن واضحة طريقة إخراج الجثث أو المصابين حيث لم يتضح أن هناك ممرات عبور للنقالات والمسعفين بين حشود الجميع مسعفين وغيرهم في موقع الحادث.
عاشرا: ورد في تغطية الأخبار أن متحدثا باسم لجنة الإسكان الرسمية المشكّلة من عدة جهات أفاد أن وزارة الحج هي التي تعطي التصاريح والتراخيص للفنادق أثناء الحج في حين الذي أشار لوجود "شير" في المباني هو من الدفاع المدني, وأن وزارة التجارة هي التي تكشف وتفحص المباني وإن الحجاج ليسوا تحت أي مظلة لأنهم فرادى.. وإلخ.
الحادي عشر: ذكر في أخبار تغطية الحدث المنقولة أن صاحب أحد المحلات المجاورة أوقف البيع وحوّل محله إلى منطقة تقديم إسعافات أولية لعدم وجود فرق إسعافية أو وصولها.
مما سبق فإن الموقف يدعونا إلى التساؤل وبإلحاح بحثا عن الإجابة ونحن في أيام ينظر العالم بأسره إلى مملكتنا الحبيبة بكل تمحيص وتدقيق منهم الحاقد ومنهم الحاسد ومنهم بالطبع المقدر والداعي للمساعي أن تكلل بالنجاح والتوفيق. والتساؤلات هي:
1- إلى متى تظل الجماهير بجميع فئاتها ومستوياتها تتعامل مع الحدث الطارئ بعشوائية وبمبدأ "الفزعة" وليس بمبدأ الإنقاذ حسب الخطة والأسلوب المقنن؟
2- هل إذا استطعنا التحكم في عدم تزاحم الحجاج حول منطقة الحادث يكون للمواطنين والمقيمين من غير الحجاج أن يتحركوا كيفما شاءوا في موقع الحادث؟
3- هل فعلا كنا مستعدين بخطة إنقاذ انهيار المباني لنرى اعتلاء الجميع سفح المبنى المنهار قبل أن نتأكد من أننا انتشلنا من الأنقاض آخر شخص أو كائن حي تحتها؟
4- ألم يكن معروفا للجميع أن في حالة وقوع أي حادث تكون هذه المحلات أو تلك المساحة من الشارع أو بهو أحد أي من الفنادق الموجودة منطقة إخلاء طبي ريثما تصل فرق الإنقاذ لتكون موزعة حسب الخطة ومنظما عملها بدون أي كوارث أخرى؟
5- هل كلما وقع حادث نجعل اللوم مِن نصيب هذا وذاك وننسى أنفسنا بل ونجعل من أنفسنا أهل العلم والمعرفة ولا غبار على عملنا؟ وهل سيفيد هذا الأسلوب في أي تحقيق إذا كان التحقيق أصلا سيسبر غور كل الحقائق ويبدي مدى فداحة المشكلة وأين تكمن أسبابها؟
6- هل إذا ما استدعى الأمر حضور سيارات الإسعاف لموقع الحادث يكون الهرع بكل ما يتوافر لدينا ومن كل مكان بدون تخطيط وتحديد مسؤوليات فتعج المنطقة بعدد ربما لا نحتاج إليه أو يسبب كارثة أخرى في مخارج موقع الحادث؟.
7- لماذا دائما تشتت الجهود وتبعثر المسؤوليات بتوزيع المسؤولية عن الحادث كما شاء المتحدث فيخرج بالقول إن مسؤولية كذا على فلان أما مسؤولية كذا فهي على علان ومن ناحية مسؤولية كذا فهي على زيد والأخيرة كانت من مسؤولية عبيد.. إلخ؟.
8- وأخيرا هل قدرت اللجان المختصة الخسائر البشرية والمادية بدقة, وهل تم تحديد الجنسيات من واقع معلومات الحجاج الصحيحة, ووضعت آلية يتم بها تقدير الاحتياجات في المستقبل ورصدها للموسم بشكل شمولي؟
أعيننا الأخرى على ثاني أطهر بقعة إسلامية في المملكة وهي المدينة المنورة على ساكنها، أفضل الصلاة وأتم التسليم, حيث ينتهي الحاج من أداء مناسك الحج بزيارة المدينة المنورة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام ثم يغادر إلى بلده مغفورا له بإذن الله. وبالطبع يقيم في المدينة أيضا في فنادق أو شقق مفروشة أو غيرها من المساكن سواء في المناطق المكتظة بالحجاج أو الطرفية, في مواقع قديمة أو مستحدثة, إضافة إلى استخدامه وسائل مواصلات قد تكون قديمة أو جديدة. كل ذلك يستدعي من جميع الجهات التنسيق والإعداد لخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لتفادي وقوع مثل هذه الكوارث أو تخفيف وطأتها إن وقعت إلى أقل ما يمكن أن يكون من خسائر وفاقد سواء خلال العام أو أثناء المواسم وقد أصبحت مكة المكرمة والمدينة المنورة في مواسم على مدار العام.
الدروس المستفادة لا يمكن أن تمر لتكون مجرد ما أسباب الانهيار؟ بل لا بد أن تمتد إلى من المسؤول الفعلي؟ وهل هناك ازدواجية لا بد من تلافيها؟ وكيف نطور أنفسنا بوضع الأساسيات التي لا تقبل المساومة ولا المفاهمة؟ المتخصصون سيقرأون الصور وما تم تصويره من قبل رجال الأمن ومن مشاهدات الحاضرين للحدث بعين ثاقبة وسيرون من مجموعها أنها تمثل كارثة في حد ذاتها تزيد من قلقنا على ماهية السياسات والإجراءات المكتوبة والتي تحدد المسؤولية وكيفية التعامل مع الحدث. من ناحية أخرى هل تلقى الموظفون والمنتدبون للحج التدريب الكافي للتصرف في مثل هذه الأمور حتى يكونوا عونا للأجهزة المختصة الموجودة في موقع الحدث؟
نسأل الله المغفرة للذين تغمدهم الله برحمته وجعلهم من الشهداء المقبولين بإذنه تعالى, ونتمنى أن يتماثل المصابون للشفاء العاجل حتى يتمكنوا من أداء النسك ويعودوا إلى بلدانهم سالمين مغفورا لهم بإذن الله. كما نسأله عز وجل أن يعين المسؤولين والقائمين على خدمة ضيوفه في مكة والمدينة والمشاعر المقدسة، وأن يأخذ بأيديهم لما يحبه ويرضاه وأن يكلل جهودهم ومساعيهم بالنجاح فيما تبقى من هذا الموسم. أن يديم سبحانه وتعالى علينا نعمه في ظل قيادتنا الرشيدة التي مافتئت توجه كل اهتماماتها بشؤون الإسلام والمسلمين, وأن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء, إنه جواد كريم وسميع مجيب. والله من وراء القصد.