ثلاثة نماذج من شوارعنا!
ثلاثة نماذج من شوارعنا!
1 - ثمة مقولة اختلفَ المؤرّخون في تحديد هويّتها، منهم من نسبها إلى الإغريق، والبعض يؤكد أنها مقولة صينيّة، والبقيّة توزّعت آراؤهم بالمناصفة بين كونها سعوديّة، أو هنديّة. على كلّ حال، لا تهمّنا هويّتها بقدرِ ما تُهمّنا الحقيقة التي توضّحها، المقولة تفيد بأن: "وراءَ كلِّ سيارة، هنالك سيارة أخرى مسرعة!"
قد يشعرُ البعض بعدم جديّة ما أقوله، عندما يقرأ السطرين المازحين أعلاه، ولكن أؤكد أنني جاد، أحياناً تكونُ في عجلةٍ من أمرك، وتقودُ سيارتكَ بالسرعةِ التي تناسب كثافة السير في الشارع، في شارعٍ عادةً ما يكونَ مزدحماً، أو على الأقل بعض الأجزاء منه، كشارع الملك فهد مثلاً، فلا تفاجأ بأن ترى في المرآة، سيارةً أخرى توشكُ أن تلامس سيارتكَ من الخلف، ويشير لكَ صاحبها عن طريق الأنوار الأماميّة، بالابتعاد. السيارات أمامك كثيرة أيضاً، وبجوارك أكثر، لكنهُ لا يريدُ أن يبقى خلفك، مُصّرٌ على تجاوزك، بالرغم من أنك متأكدٌ أنه لن يتمكن من إفراغ الشارع كله، ولن يتمكن من الطيران، وأنكَ حتى وإن فتحتَ لهُ المجال بصعوبة، ستسيرُ خلفهُ وستراهُ وهو يلتصقُ بسيارةٍ أخرى صاحبها أيضاً يريدُ الوصول باكراً، وسيبقى يُزعج الآخرين، وقد يتسبب في إرباك السير، وزيادة الازدحام، دونَ أن يتمكن من الوصول في وقتٍ أقصر من الوقت الذي سيصل فيه لو كانَ يقود بشكلٍ طبيعي، ومراعياً آداب القيادة.
2 - لا أحبُّ التنظير والمقارنة بين مجتمع وآخر، ولكن الفاصل الزمني فيما سأقول جعلني أفكّر كثيراً، فقد حكى لي أحدهم، أنه عندما تخرّج في الجامعة، تمّ ابتعاثهُ للدراسة في لندن، وذلك قبل 20 عاما تقريباً، يقول صديقنا، إنّ أوّل ما لفتَ انتباههُ عند وصوله، أنهُ خلال الطريق من مطار لندن إلى الفندق، وخلال مدّة سيرهِ من المكان الذي نزل فيه من التاكسي إلى أن دخل الفندق، لم يسمع صوتَ بوقٍ واحد! رغم الزحامِ الحاصل في الشوارع، ورغم كلّ توافر أسباب الضوضاء، إلا أن الفراغ كان خالياً من الموجات الصوتيّة لأبواق السيارات. في البداية ظنّ أنّ الإدارة المسؤولة عن المواصفات والمقاييس في بريطانيّا، حددت أن تكون السيارات بلا أبواق. ولكن اكتشفَ أنّه لا فرق بين سياراتهم وسياراتنا، سوى وجود المقود في اليمين، وأنّ السبب الحقيقي لعدم سماعهِ الأبواق هناك، يكمن في عقليّة قائدي السيّارات، في أمزجتهم، هدوئهم، واحترامهم للآخرين، وللنظام. تلك هي شوارعهم، منذُ أكثر من 20 سنة.
أتوقّع أن يتمّ ضمّ قائدي السيارات هنا من مواطنين ومقيمين. إلى موسوعةِ جينيس للأرقام القياسيّة، وذلك بصفتهم أسرع شعب يطلق بوق سيارتهِ بمجرّد أن تضيء إشارة المرور باللون الأخضر، بل قبل أن تضيء، وكأنَّ كلّ شخصٍ أمام الإشارة يظنّ أنهُ هو المُبصر الوحيد، وأنَّ البقيّة "عميان" يحتاجونَ إلى صخبٍ ينبههم، والغريب أن الأبواق حينها تُطلق من أغلب السيارات ـ إن لم يكن كلّها ـ إلاّ أنهم لم يكتشفوا بعد أنّ جميعهم مُبصرين!
3 - يحدث أن تقفَ بسيارتكَ أمام متجرٍ ما، وبعد أن تشتري حاجتك، لا تستطيع أن تتحرّك بسيارتكَ من الموقف الذي ركنتها فيه إلاّ بعد مضيّ وقت طويل، ليس لأنّ إطار سيّارتكَ كانَ فارغاً من الهواء وتأخرتَ لإصلاحه، وليسَ لكونكَ اكتشفت عند خروجك من المتجر أن مفتاحَ السيارة بداخلها، ثم تأخرتَ وأنتَ تُحاولُ فتح الباب بـ «معلاق» ملابس، بل السبب أبسط بكثير، ويحدثُ كلّ يوم، وهو أنّ ثمة شخصٍ آخر أوقفَ سيارتهُ بكلّ جُرأةٍ وعدم مبالاة خلفَ سيارتك، معطلاً بذلك السير في الشارع، ومعطلاً إياكَ والآخرين بجوارك، دونَ أن يهتمّ أو يكترث بأيّ شيء آخر سوى ما يريدُ شراءهُ من المتجر، مع أنّكَ تلاحظ أن هنالكَ مواقف أخرى ليست بعيدةً عن المتجر، ولكنهُ لا يريدُ أن يزيد بضعةَ أمتارٍ أخرى على الأمتار القليلةِ التي سيمشيها على قدميهِ من سيارتهِ التي تقفُ خلفك وتعطلك، إلى المتجر! وتلاحظ غالباً إضافة إلى التجاوز الأخلاقي السابق، أنهُ عندما يخرج لا يُكلفُ نفسهُ عناءَ الاعتذار منك، أو حتى مُجرد الالتفات إليك.
هذهِ فقط ثلاثة نماذج، وغالباً ما تتوافر لدى سائقٍ واحد.