الليبرالية البحتة فشلت أمام صناديق الانتخابات

الليبرالية البحتة فشلت أمام صناديق الانتخابات

عرض فولفجانج كيرستنج الفيلسوف القادم من مدينة كيبل في مدينة فرايبوج محاضرة مؤثرة في النفس حول الليبرالية. ويعبر الرجل عن مكرمة حول ليبرالية بحتة، ويوجه الانتقاد لآراء أخرى بشكل واضح. ومن يرد أن يعرف ماذا يفهم النصير والتابع لمصطلح الليبرالية، وكيف يرد على الاعتراضات كمتحدث لبق، يصبح في مثل هذه المناسبة غنياً بالمعلومات اللازمة. والواقع أن هذه المساهمة تمثل وجهة نظر واحدة، وتعرض توضيحات هذا الفيلسوف.
والسؤال هنا هو: لماذا تعاني الليبرالية نقصاً لافتاً للانتباه من الشعبية؟ وأن جواب كيرستنج هو لأن البشر ينقصهم النضج الضروري في تكوين الشعور بالمسؤولية . والواقع أن كآبة المفكر الليبرالي في نظرته للبشر ليست بجديدة . وتتم الإشارة دوماً إلى جماهير البشر الذين يسهل إغراؤهم، إذ كتب عنهم كل من فريدريك فون هايك، وفيلهيلم روبكه. أدى عدم الثقة في جانب الإنسان لدى هايك إلى نموذج دستوري نادراً, ما يتوافق مع الديمقراطية الحديثة. ويجادل كيرستنج بشكل مميز حين يوافق على فردية الإنسان طالما أن الأمر يتعلق بقرارات حول الاستهلاك. ولكن تطور شعورنا وجسدنا وقدراتنا الحياتية الأخلاقية لم يتمكن من كبح جماح التطور عاداتنا الاستهلاكية. وبالنسبة للمسؤولية الفردية، فنحن ما زلنا غير قادرين على ذلك.
والإنسان يعاني من الخوف من اجتياز الميادين، ولديه حاجة كبيرة إلى الحدود والأنظمة. ويبحث الإنسان في الدولة عن اليقين والتوجيه. ولذلك، فإن دولة الرخاء الاجتماعي جعلت الإنسان على صورتها، مما أدى إلى "بيت زجاجي دافئ للقيمة الاستهلاكية البحتة". وكانت النتيجة هي عدم القدرة على تحمل المسؤولية. وبدلاً من ذلك، يتم جعل الدولة هي المسؤولة عن كل مخاطر الحياة. وتحتكر دولة الرخاء التوجه الاجتماعي للبشر، وتجعلهم غير قادرين على تحمل المسؤولية. وهذه في الواقع شكوى قديمة لليبراليين، ولها سبب من وجهة نظرهم هو أن المستهلك طبقاً لمبادئ السوق مستقل وليس قابلاً للاحتكار على المدى الطويل. ونجد مثلاً أن عضو مجلس إدارة الشركة الذي يعلن عدم كفايته رغم وجود منتج جيد لديه، يتم نبذه من جانب مجلس الإدارة بسبب عدم القدرة. والسوق لها منطق، إذ إن من يفشل كمقدم وعارض للبضاعة يتحمل المسؤولية إزاء ذلك. فإما أن المنتج لا يصلح، وإما أن التسويق، أو كليهما لا يصلحان. ويكون النجاح حليفاً لمن يكتسب المزيد من الزبائن، ويراعي المسؤولية في ذلك. وهذا يسري أيضا على السوق والأفكار، إذ إن التسويق تتبعه المعرفة والإلمام بالمستهلكين.
وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كان كيرستنج لا يزال يوافق على صورة الثقة العمياء بدولة الرفاه الاجتماعي. وبعد عقود من البطالة، أصبح من المعروف أن الدولة لا تصلح كآلة تشغيل. وتبلغ قيمة الثروات الخاصة في ألمانيا أربعة آلاف مليار يورو، مع جزء ليس بالقليل منها يتم استعماله أو ادخاره لتأمين الشيخوخة. وهناك ميل مخاطرة ناقص، إذ يثبت الإحصاء وجود نحو أربعة ملايين شخص يعملون في الأعمال الحرة في هذه البلاد، ووجود 35 مليون من العاملين في القطاع الخاص الذين مع مرور السنين تعرضوا إلى مخاطرة كبيرة في فرص عملهم.

ويؤكد كيرستنج أهمية شعور المواطنين الذي بدونه لا يمكن بقاء الليبرالية على قيد الحياة. ولكن المواطنين بالفعل هم غير مما يتمناه الليبراليون. وتبين استطلاعات الرأي أن المواطن الحديث لا يمكنه، ولا يريد أن يبدأ، بنظريات عقائدية مشبعة قيمياً بالمرة. وهو إنسان غير منحاز يبتعد عن كل فكرة سوداء ـ بيضاء، حسب الذوق الخاص به من جانب العرض الذي تقدمه له الدولة والمجتمع المدني.
وهذا ليس بالأمر الجديد: فقبل 60 عاماً كتب جوزيف شومبيتر في نقد لهايك "الطريق إلى الاستعباد"، حيث توجد أفكار مشابهة لأفكار كيرستنج. ويناقش ذلك المفكر أفكاراً ومبادئ كأنها تسبح في الهواء. وفي ذلك الوقت أدرك شومبيتر أنه من خلال الليبرالية هذه لم يتم تطوير برنامج سياسي يمتلك فرصاً للفوز من خلال صندوق الانتخاب. وعلى ذلك، فإن شيئاً لم يتغير إلى هذا اليوم. ولكن الليبراليين يبحثون دائماً وأبداً عن المسؤولية لعجزهم وفشلهم عند الآخرين فقط، وهنا يحطون من شأنهم.

الأكثر قراءة