أمريكا اللاتينية: فرص نمو هائلة وأجواء سياسية لا تدعم التطور
تنعم أمريكا اللاتينية باستقرار وثقة جديدين، حيث تدفع البرازيل والأرجنتين مجتمعتين، وبضربة واحدة، نحو 25 مليار دولار من قيمة الديون المتراكمة عليهما، برغم أنهما كان من الممكن أن تدفعا تلك المبالغ براحة وهدوء خلال الأعوام المقبلة.
ويجابه هوجو شافيز رئيس فنزويلا، الدولة السابحة في الثروة النفطية، الرئيس الأمريكي، جورج بوش، ويستفيد من الفقراء في حي بروكلن في نيويورك، وذلك من خلال توزيع وقود التدفئة المقدّم كهبة، وكذلك في صنع الأثرياء في أمريكا الجنوبية. أما البرازيل، فهي أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وتحتفل مع الهند بمركزيهما كرائدتين لمفاوضات الدول الناشئة و النامية، وتجبر الدول المتقدمة و الصناعية في مؤتمر التجارة العالمية في هونج كونج على الإدلاء بتصريحات جديدة حول تقليص المعونات المالية للقطاع الزراعي فيها.
ومن خلال الطلب المتزايد على المواد الخام من قبل الصين، و طلب غيرها من الدول النامية على فول الصويا، و النحاس، و الحديد من أمريكا اللاتينية، تعيش بعض الأقاليم اليوم ازدهاراً في التصدير لم يسبق له مثيل. ويُشير ميزان الإنتاج إلى حصص متجاوزة قياسية، تُضخّم حجم الاحتياطي في بنوك الاحتياط أكثر و أكثر. ومن المحتمل أن ينمو اقتصاد أمريكا اللاتينية أكثر في عام 2006 بمعدل يبلغ نحو 4 في المائة. وعلى ذلك، من الممكن أن يستمر هذا النمو المزدهر حتى فترة أربعة أعوام لاحقة. ولم تحظ أمريكا اللاتينية بمثل هذا الازدهار منذ عقد من الزمان. ويتدفق رأس المال الاستثماري الدولي بحماس شديد إلى عدد من دول أمريكا اللاتينية، حيث إن إفلاس الأرجنتين القياسي، وغيرها من الأزمات التي مرّت بها، تبدو الآن طي النسيان.
وبإمعان النظر أكثر، لا يمكن بالفعل إيجاد مسبب لهذا الابتهاج الكبير. وبالرغم من الازدهار، فإن أمريكا اللاتينية تنمو دوماً بصورة أضعف من غيرها من الأقاليم النامية. وإضافةً إلى ذلك، فإن معدلات النمو الأخيرة و البرّاقة تشير إلى نحو 9 في المائة في الأرجنتين، وفي فنزويلا و أوروجواي، تشير إلى أكثر من اجتياز معدلات الخرق الماضية، أي نحو 16 إلى 18 في المائة. أما البرازيل و المكسيك، فصمدتا رغم الأزمات الصعبة، وارتفع نموهما بمعدلات مقبولة تراوح بين 2 و3 في المائة، حيث إن المستحقات المتأخرة في خطط إعادة الهيكلة تعيق النمو. ولو تراجع الطلب على المواد الخام، وتراجع معدل السيولة في الأسواق الرأسمالية، يحتمل ألاّ تتمكن أمريكا اللاتينية من الحفاظ على هذا الازدهار الجديد.
ولو أرادت أمريكا اللاتينية الوصول إلى معدل سرعة النمو لباقي الدول الناشئة التي تبلغ نحو 6 في المائة في السنة، لتمكّنت حينها من تحريك استثمارات أعلى. وبالفعل، برغم هذا الازدهار، يبقى المناخ للعديد من المستثمرين في الكثير من دول الإقليم غير مستقر في الأرجنتين وفنزويلا، وهي دول من أعلى نسب النمو، إذ يتم على الدوام إبعاد المستثمرين الأجانب، حيث إن الفائض التجاري لفنزويلا يبلغ نحو 24 مليار دولار، ويبلغ انسياب رأس المال القيمة ذاتها تقريباً دون حركة واضحة للمستثمرين الأجانب. وفي الأرجنتين، تراجع المشغّلون الأجانب الذين عملوا على البنية التحتية الخاصة خلال التسعينيات لأن الحكومة لا تسمح منذ أعوام بالعمل على هيكلة أسعار الطاقة، و الغاز، والماء، والهاتف.
وفي فنزويلا مثل الأرجنتين، تتدخل الحكومة بأساليب غليظة في الاقتصاد. وبينما نظّم شافيز أول الإجراءات التعميمية، وعمل على إنشاء أول مجموعة شركات حكومية بهدف الضغط على التجارة الفردية الخاصة، تحاشى رئيس حكومة الأرجنتين، نيستور كيرشنير الحذر والدقة مع الشركات الخاصة، فأضعف فرص النمو طويلة المدى لبلده. ويرى أنه بضغطه على الشركات الأجنبية، يدفع بطريقةٍ أو بأخرى إلى تحقيق "إعادة توطين الاقتصاد".
وتتحول رابطة الاقتصاد في أمريكا الجنوبية، ميركوسور، Mercosur ، بقوة من خلال الدخول الأخير لفنزويلا إلى تنظيم سياسي ربما يحقق معدلات اقتصادية أقل. وبينما نجد أن تحقيق السوق الداخلية المشتركة لا يتقدّم إلا عن طريق خطى ثلاثية، تزداد قوة رابطة ميركوسور من خلال إظهار فنزويلا نفسها كعقبة رفض لتقدّم التوصل إلى التجارة الحرة مع أمريكا الشمالية، ومع الاتحاد الأوروبي كذلك. وعلى ذلك يلزم للصناعة التابعة للرابطة، مثل تصنيع المحركات، والسيارات، تداخل قوي مع الاقتصاد الدولي بهدف تحقيق فرصها في النمو. وبصورة أساسية تنجح تشيلي وحدها في تحقيق أكثر الأوضاع الاقتصادية استقراراً وأوسعها انفتاحاً في الإقليم بالوصول إلى معدلات تتقارب مع المعدلات التي تحققها الاستثمارات في الدول الآسيوية الناشئة.
والخطى المتشابهة من قبل الأرجنتين و البرازيل ضد منظمة التجارة العالمية أقل إثارةً للاستياء مما يظهر خارجياً. وبينما يمكن تفسير قيام البرازيل بإعادة دفع القروض الملزمة عليها تجاه منظمة التجارة العالمية، بأنها علامات صحة اقتصادية داخلية، بدت الحركة اللاحقة للأرجنتين عقب يومين وكأنها صورة من التحدي. ويفضّل كيرشنير أن يفوّض منظمة التجارة العالمية بحمل مسؤولية أزمات الأرجنتين، كما لم تشهد الأرجنتين ساسة بهذا الشكل سابقاً، حيث عمل على زيادة حجم عجز الخزينة الحكومية إلى حد لا يمكن تمويله بعد. وبالنسبة للبرازيليين، فإن سداد الديون السابقة لأوانها هو على الأغلب إجراء مالي تقني، وهو فعّال أكثر من بعض الأساليب الأخرى التي تم الإعلان عنها. وفي استفتاء عام، تم اعتبار تكتيكات اليد الجبّارة السياسية لكيرشينر أكثر نفعاً في السياسة الاقتصادية، من تلك التي يتبنّاها رئيس الحكومة البرازيلية، لويز إناشيو. ومع النصر الانتخابي لحليف شافيز، إيفو موراليس، في بوليفيا، تتجه أمريكا الجنوبية أكثر نحو الغلو في الوطنية اليسارية. ولا توجد أي إشارة جيدة في المنظور بعيد المدى للتحرر الواسع للاقتصاد في الإقليم.